لقد صار التقدم التكنولوجي يشمل كل مجالات الحياة؛ إذ لا يخلو شيء حولنا من التكنولوجيا في صناعته، ومن هذه المجالات مجال الترفيه والتسلية التي تستهدف الأطفال. فقد أصبح هذا المجال صناعة، بل أكثر من ذلك تطورت صناعته إلى حد التنافس فيما بين الشركات العالمية للهيمنة على هذا السوق. فالألعاب الإلكترونية تكاد تنتشر في كل منزل، وتستهوي الكثير من المستخدمين من مختلف الأعمار وخصوصًا الأطفال؛ لما فيها من إثارة وتشويق وتفاعل مع الأحداث، ولما فيها من جذب وإبهار.. فإيقاع الحركة السريعة واللون والصوت، عوامل تجذب الأطفال لمتابعة هذه الألعاب، بل إن التفاعل الحاصل بين اللعبة والطفل أثناء اللعب ومتوالية التقدم من مرحلة إلى أخرى في اللعبة، يزيد من تعلقه بها إلى درجة الإدمان، وهو ما يعدّ مؤشر خطر على صحة الطفل؛ إذ إن إدمانها كإدمان المخدرات بشتى أنواعها، بل إدمان الألعاب الإلكترونية قد يُفقد الطفل الإحساس بالوقت وأهميته، وقد يجعله في حالة ضياع مستمر من خلال الابتعاد عن الأهل، والتضحية بساعات النوم والأكل، مما يجعله شرسًا غاضبًا كلما حاول أحد أن يمنعه من الاستمرارية في اللعب.
ألعاب تؤثر على صحة الطفل
الألعاب الإلكترونية تعرف بأنها نشاط ينخرط فيه اللاعبون في نزاع مفتعل، محكوم بقواعد معينة، بشكل يؤدي إلى نتائج قابلة للقياس الكمي. ويطلق على لعبة ما بأنها إلكترونية في حال توفرها على هيئة رقمية، ويتم تشغيلها عادة على منصة الحاسوب، والهواتف النقالة، والإنترنت والتلفاز، والفيديو، ومختلف الأجهزة المحمولة.
فالألعاب الإلكترونية -إذن- تحتوي على محاكاة لألعاب حقيقية ككرة القدم، وسباق السيارات، والمصارعة، والملاكمة.. أو على الألعاب الخيالية كغزو الفضاء وحرب النجوم.. وفي أي منها يقوم الطفل اللاعب بالتحكم ببعض عناصر اللعبة، كالأسلحة المستخدمة وتوجيهها وإطلاقها، أو اختيار اللاعبين أو المحاربين وتشكيلهم ووضع خطة ودور لكل منهم، ثم توجيههم والمحافظة على سلامتهم وإلحاق الهزيمة بخصومهم.
والألعاب الإلكترونية ليست كغيرها من الألعاب التقليدية الأخرى بالنظر إلى الآثار السلبية المترتبة عنها؛ فقد أشارت عديد من الدراسات والأبحاث إلى أن ثمة مخاطر لهذه الألعاب، من حيث دورها في حوادث العنف المدرسي بأنواعه المختلفة، كما أنه يترتب عنها آثار صحية ونفسية عديدة نتيجة إدمان الأطفال عليها، كمشكلات البصر والسمع.. أما على صعيد إنماء قدرات الأطفال ومهاراتهم العقلية والحركية، أو مهارة تعلم اللغات، أو مهارة إدارة الوقت، فلا يرى هؤلاء الباحثون ثمة فوائد لها.
كما بينت هذه الدراسات أيضًا أن أهالي الأطفال المدمنين على الألعاب الإلكترونية، يواجهون معاناة حقيقية نتيجة سهر الأطفال في ممارسة هذه الألعاب، مما يؤثر على تحصيلهم الدراسي، فضلاً عن استحواذ هذه الألعاب على وقتِ وعقول أطفالهم، مما تسبب في عدة مشكلات داخل الأسر، كضعف التواصل الأسري بين أفراد الأسرة، وبروز نزعة الأنانية لدى الأطفال. وقد أبدى الأهالي قلقهم مما تحتويه هذه الألعاب من مشاهد عنف ولقطات جنسية.
ألعاب تدفع إلى ارتكاب الجرائم
والألعاب الإلكترونية وفقًا للعديد من المهتمين والمتتبعين، كانت ولا تزال السبب في كثير من المآسي؛ فقد ارتبطت نتائج هذه الألعاب خلال السنوات الأخيرة بازدياد السلوك العنيف، وارتفاع معدل جرائم القتل، والاغتصاب والاعتداءات الخطيرة في العديد من المجتمعات.. والقاسم المشترك في جميع هذه الدول هو العنف الذي تعرضه وسائل الإعلام أو الألعاب الإلكترونية، الذي يتم تقديمه للأطفال والمراهقين بصفته نوعًا من أنواع التسلية والمتعة.
وفي باب علاقة الألعاب الإلكترونية بالعنف الممارس من طرف الأطفال أيضًا، أثبتت مجموعة من الدراسات وجود علاقة بين السلوك العنيف للطفل ومشاهد العنف التي يراها على شاشة التلفاز أو يمارسها في الألعاب الإلكترونية، كما أثبتت هذه الدراسات بأن العنف يتضاعف بلعب الأطفال ذات التقنية العالية؛ فنسبة كبيرة من الألعاب الإلكترونية تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم بدون وجه حق، وتعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجريمة وفنونها وحيلها، وتنمي في عقولهم قدرات ومهارات العنف والعدوان، التي تقودهم في النهاية إلى ارتكاب الجرائم.
وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن ممارسة الأطفال للألعاب الإلكترونية التي تعتمد على العنف، يمكن أن تزيد من الأفكار والسلوكيات العدوانية عندهم، بل قد تكون هذه الألعاب أكثر ضررًا من أفلام العنف التلفزيونية أو السينمائية، لأنها تتسم بصفة التفاعلية بينها وبين الطفل، وتتطلب منه أن يتقمص الشخصية العدوانية ليلعبها ويمارسها، فيصير بذلك عنيفًا وكلما ازداد عدد قتلاه زاد رصيده من النقط، ومن هنا يتعلم بأن القتل شيء مقبول وممتع.
ألعاب إلكترونية تدمر القيم
وبالإضافة إلى الأضرار السابقة الذكر، هنالك أضرار أخرى لا يمكن إلا أن ندق نحوها جرس الخطر، ويأتي على رأسها الأضرار الدينية؛ ذلك أن الكثير من الألعاب الإلكترونية تروج لأفكار وألفاظ وعادات تتعارض مع تعاليم ديننا الإسلامي وعاداته وتقاليده، كما تسهم في تكوين ثقافة مشوهة ومرجعية تربوية مستوردة، إذ تدعو إلى الرذيلة والترويج للأفكار الإباحية الرخيصة التي تفسد عقول الأطفال والمراهقين على حد سواء، فمثل هذه الألعاب تؤثر سلبًا على اللاعب أو المُشاهد. كما أن تعلق الأطفال والمراهقين بالألعاب الإلكترونية، قد يلهيهم عن أداء بعض العبادات الشرعية، وبالذات أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، كما أنها قد تلهيهم عن طاعة الوالدين والاستجابة لهما وتلبية طلباتهما، بالإضافة إلى إلهائهم عن صلة الأرحام وزيارة الأقارب.
التأثيرات السلبية على الجسم
أما فيما يخص الأضرار الصحية المترتبة عن الألعاب الإلكترونية، فقد أكدت مجمل الدراسات أن المدمنين على هذه الألعاب يعانون من إصابات تتعلق بالجهاز العظمي والعضلي نتيجة الحركة السريعة المتكررة، كما أن الجلوس لساعات عديدة أمام الحاسب أو التلفاز، يسبب آلامًا مبرحة في أسفل الظهر، ضف إلى ذلك أن كثرة حركة الأصابع على لوحة المفاتيح، تسبب أضرارًا بالغة لإصبع الإبهام ومفصل الرسغ نتيجة لثنيهما بصورة مستمرة. كما تؤثر الألعاب الإلكترونية سلبًا على نظر الأطفال، إذ قد يصاب الطفل بضعف النظر نتيجة تعرضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسية قصيرة التردد، المنبعثة من شاشات التلفاز أو الحاسب، التي يجلس أمامها ساعات طويلة أثناء ممارسته اللعب. كما أن حركة العينين تكون سريعة جدًّا أثناء ممارسة الألعاب الإلكترونية، مما يزيد من فرص إجهادها وهذه بدورها تؤدي إلى حدوث احمرار بالعين وجفاف وحكة.. وكلها أعراض تعطي الإحساس بالصداع، والشعور بالإجهاد البدني وأحيانًا بالقلق والاكتئاب.
العزلة عن عالم الواقع
أما على مستوى الجانب الاجتماعي فيمكن القول بأن الألعاب الإلكترونية تصنع طفلاً يصعب عليه الاندماج؛ ذلك أن الطفل الذي يقضي ساعات طوال في ممارسة الألعاب الإلكترونية بدون تواصل مع الآخرين، يتحول إلى طفل غير اجتماعي، ينطوي على ذاته على عكس الألعاب الشعبية التي تتميز بالتواصل. كما أن إسراف الطفل في التعامل مع عوالم الرمز، يمكن أن يعزله عن التعامل مع عالم الواقع، فيفتقد المهارة الاجتماعية في إقامة الصداقات والتعامل مع الآخرين، ويصبح خجولاً لا يجيد الكلام والتعبير عن نفسه.. وقد تؤدي هذه الألعاب بما تحمله من أخلاقيات وأفكار سلبية، إلى المزيد من الانفصال الأسري والترابط الإنساني مع الآخرين، وارتباط الطفل بالقيم والأخلاقيات الغربية التي تفصله عن مجتمعه وأصالته.
في الختام نخلص إلى أنه بات من الضروري معالجة مشكلة الآثار السلبية المترتبة عن الألعاب الإلكترونية، إذ إن أضرارها في تزايد مستمر مع تزايد المقبلين عليها وخاصة من الأطفال. وفي كل الأحوال تعد الدائرة الأقرب لهذه المعالجة، هي تفعيل دور هيئات الرقابة الحكومية والمختصة في مراقبة ما يطرح بالأسواق من هذه الألعاب، وضرورة إشراف الأهل على شراء برامج الألعاب المناسبة لأعمار أطفالهم، فضلاً عن تفعيل دور المدرسة في توعية الأطفال بمخاطر الإدمان على تلك الألعاب، وكيفية ممارستها بصورة صحيحة، وٕإلزام المحلات التجارية بوضع معلومات تعريفية عن طبيعة الألعاب المعروضة والفئات العمرية المناسبة لها.