ليوا، هي واحة التاريخ، والعاصمة القديمة، والحصن المنيع، وقلب الظفرة، حائط الصد المنيع وحصن الأمان في العهود السابقة، ووجهة الاحتفاء في الوقت الحالي.. إنها واحدة من أكبر الواحات في الجزيرة العربية والمدخل الرئيس للربع الخالي، كونها تقع في الطرف الشمالي من صحرائه التي هي أكبر صحراء رملية في العالم. تتبع “ليوا” اليوم إمارة أبي ظبي بالمنطقة الغربية بدولة الإمارات العربية المتحدة.
تقع ليوا على بعد 200 كم إلى الغرب من “العين”، يتراوح عرضها بين 40-50 ميلاً، وتضم بين جنباتها أكثر من 60 قرية، هذا بخلاف محاضرها البالغة نحو 52 واحة، من بينها “النشاش وحفيف وقطوف والهيلة والمارية الغربية”. تتخذ ليوا شكل قوس أو هلال، يمتد من الجنوب الغربي حتى الجنوب الشرقي لمسافة تزيد عن 100 كم في قلب إقليم الظفرة.
تعود شهرة واحة ليوا لذلك التباين في تضاريسها وموقعها بين بساتين النخيل الخضراء، والكثبان الرملية الحمراء المميزة لتلك الواحة، فاعتبرت المسكن والمشتى والمرعى؛ حيث احتوت على المزارع والقلاع والحصون، بالإضافة إلى الكثبان الرميلة الحمراء المشهورة بها. فعرفت تلك المنطقة بمزارعها ومراعيها الخصبة، لوفرة المياه الجوفية القريبة من سطحها، والتي دعمت بدورها الزراعة وتربية الحيوانات في الواحة، حيث اعتمد أهل ليوا على الزراعة والرعي، فضلاً عن أمور التجارة في بعض إنتاجهم من السمن أو الحطب أو التمر، والتي كان مقصدها أبوظبي، ودبي، والعين، وغيرها من المناطق.
كما تضفي الحصون والقلاع عليها نوعًا من عظمة الموقع، التي يعود تاريخ بناء بعضها إلى أكثر من 100 عام، والمعروف منها حتى الآن يصل عدده إلى 15 قلعة وبرجًا موزعة في واحاتها، ومنها على سبيل المثال قلعة ظفير، وقلعة خنور، وقلعة حويل أو أم حصن، وقلعة قطوف، وقلعة نميل، وقلعة مزارعة، وقلعة الميل، وقلعة الجبانة، وبرج ماريا الغربية، وقلعة الهيلة.
وتتميز هذه الأبنية بأبراج مراقبة دائرية، وجدران عالية لا يقل ارتفاعها عن ثلاثة أمتار، بالإضافة إلى فتحات للبنادق على مسافات منتظمة، للتأهب واليقظة والتصدي لأي هجوم. أما قلعة الميل التي تعود لقبيلة بو فلاح، فقد تم بناؤها في عهد الشيخ محمد بن شخبوط ابن ذياب (1816-1818م)، هذا بخلاف القلاع المحاطة بالكثبان الرملية. وتُعتبر قبيلة بني ياس أعرق القبائل وأكثرها أهمية في دولة الإمارات العربية، والتي تعطينا مثالاً على نمط الحياة في ليوا قديمًا؛ حيث اعتمدت تلك القبيلة على تربية الإبل والماشية، وزراعة النخيل والمحاصيل الزراعية الأخرى، بالإضافة لصيد اللؤلؤ لخبرة وامتلاك أهلها سفنًا للصيد والتنقل، مما ساعدهم على المرور من الواحة إلى الساحل أثناء موسم صيد اللؤلؤ.
كما تعد الكثبان الرملية من أهم السمات الجغرافية المتميزة في “ليوا”، حيث يعتبر “تل مرعب” أعلى الكثبان الرملية في العالم، حيث يزيد ارتفاعه على 300 متر بدرجة ميلان 50 درجة نحو الأعلى، ما يجعله المقصد الأول لمحبي رياضة بالسيارات بدولة الإمارات.
وظلت ليوا على مكانتها حتى جاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- فمنحها اهتمامًا استثنائيًّا قبل أن يتسلم مقاليد الحكم، وأخذ على عاتقه تطوير المنطقة، وبدأ التعمير والزراعة في ليوا وفي محاضرها بشكل منتظم.
النخلة والرطب في تراث ليوا
“إنها راعية الأجداد ثم الآباء والجيل الحالي، وسترعى الأجيال المقبلة”؛ هذا ما قاله المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث عدّ النخلة الغذاء والأمان عندما انقطعت الدولة في القدم عن استيراد الغذاء إبان الحرب العالمية الثانية.. فهي مصدر شعور بالأمان، لأن الرطب يعيش لمدة طويلة تمتد حتى العام أو أكثر.
تكثر أنواع وأصناف الرطب الموجودة في الإمارات بصفة عامة وفي “ليوا” بوجه خاص، والعديد من هذه الأصناف ربما يكثر في منطقة عن أخرى، حيث تختلف فقط في المذاق حسب التربة وكمية الرطوبة وحجم ونوعية المياه التي تسقى بها؛ فحينما يكون الماء مالحًا تموت النخلة ويفسد طعم رطبها، لذلك أفضل الثمار هي المعتمدة على الماء العذب وهو ما وجد بـ”ليوا”.
ويزداد التنافس بين المواطنين على زراعة النخيل، لبساطة الزراعة وانتشار مصانع التعبئة، حيث يوجد بدولة الإمارات قرابة 52 صنفًا من الرطب، منها خصاب من شبيصي ودباسي وحبش.. وتدعى المجموعة الثانية خرايف؛ وتضم 40 صنفًا، منها خلاص وخنيزي، وأيضًا برحي وهلالي وحلاوي.. وتشتمل المجموعة الثالثة على الفرض، وهي على 8 أنواع من لولو برحى، وأيضًا فرض ومفرضاني وبوسن.. وفي المجموعة الرابعة 23 اسمًا لأصناف أخرى من الرطب، منها جش وحمد وأشهل، وبوكيبال، والخاطري والزاهدي والزاملي.
ويعتبر “الخلاص” صاحب الثمرة الصفراء البرتقالية، من أطيب وأجود الأنواع المعروفة في الإمارات والمنتشرة في معظم أرجاء الدولة نظرًا لسهولة زراعتها، حتى إن بعض الأسر نجحت في زراعتها داخل المنازل. فهي تجنى كل عام، وموعد نضجها وسط الموسم، فمنها يصنع الدبس (دبس التمر)، أما الزائد عن الاحتياج فيتم تعبئته ومن ثم بيعه في الأسواق والمهرجانات. ومن الأنواع الموجودة في الإمارات أبو الرمول، وأبو معان، والأخير منتشر في كل مكان، ويعدّ من الأصناف التجارية.
كما يقبل أهل الإمارات على الاهتمام بـ”الخنيزي” ذي اللون الأحمر القاني عندما ينضج. والمعروف أن أول بشارة لموسم الرطب هو أن يقطف الأهالي “النغال”، كما يصل إلى الدولة “نغال” سلطنة عمان الذي يمر مبكرًا بسبب اختلاف درجات الحرارة.
مهرجانات ليوا
تقدم دولة الإمارات العربية العديد من المهرجانات السنوية الخاصة بالتمور، ومنها “مهرجان الإمارات الدولي للنخيل والتمر” الذي يعقد سنويًّا، ومهرجان “ليوا للرطب” بـ”أبوظبي”، ومهرجان “ليوا عجمان للرطب”.
وتختص ليوا بعدد من المهرجات الخاصة بها وعلى رأسها مهرجان ليوا، الذي يقام بشكل سنوي، ويهدف في الدرجة الأولى لتبادل الخبرات الفنية بين المزارعين لزراعة أفضل وأجود أنواع الرطب.
ويُعدّ هذا مهرجان إحدى أهم الفعاليات الرئيسية التي تُقام في منطقة الظفرة، حيث نُظم فيه في 15 دورة، يضم بين فاعلياته باقة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية والثقافية، فهو مناسبة للاحتفاء بمختلف الأعراف والتقاليد الإماراتية، ولا سيما شجرة النخيل التي تحتل موقعًا بارزًا في التراث الإماراتي الأصيل، والذاكرة الجماعية للمجتمع الإماراتي.
يقام المهرجان على مساحة تمتد لأكثر من 20 ألف متر مربع في منطقة ليوا، ويستقطب فيما يقارب 70 ألفًا من السياح والزوار من المواطنين والمُقيمين في إمارات الدولة. ويضم المهرجان في دورته العديد من الفعاليات الشعبية والتراثية والفنية.. هذا بخلاف العديد من الجوائز التي تقدم بشكل سنوي للمشاركين والفائزين بالمهرجان.
هذا بالإضافة إلى مهرجان ليوا عجمان للرطب والعسل، الذي يعتبر محطة تراثية وثقافية تقام بشكل سنوي، ويهدف لتعزيز مكانته كوجهة مهمة على خريطة السياحة التراثية المحلية. وبات المهرجان محل استقطاب سياحي لإمارة عجمان، وموعدًا سنويًّا لعشاق التراث والمهتمين بخيرات الإمارات ورطبها.
وتخصص اللجنة المنظمة للمهرجان 155 جائزة موزعة على تسع فئات، هي الخلاص، الدباس، الفرض، الخنيزي، بومعان، الشيشي، إضافة إلى نخبة الظفرة للرطب، ونخبة ليوا للرطب، ومسابقة أكبر عذج. ويحظى الفائزون الـ 15 الأوائل عن كل فئة، بجوائز مادية عدا فئتي الخلاص والدباس اللتين يبلغ عدد الفائزين في كل منهما 25 فائزًا، إضافة إلى عشرات الجوائز المادية في بقية المسابقات التي يحتضنها المهرجان.
(*) كاتب ومحاضر مصري.