منذ بداية العام الدراسي الجديد ينبغي الاهتمام بنمط حياتنا ليصبح نمطًا معتدلاً ومتوازنًا، وبخاصة الاهتمام الكافي بتغذية سليمة وصحية ومتكاملة للأبناء، لينمو بنيانهم الجسماني سليمًا معافًا، فـ”العقل السليم في الجسم السليم”. مع عدم إهمال وجبة الإفطار قبل ذهابهم للمدرسة، وحاجتهم لساعات نوم كافية (لا تقل عن 8 ساعات يومياً). وخلال يومهم ليس ثمة إفراط في المنبهات كالقهوة والشاي والكاكاو والشوكولاتة، لما تحويه من مادة “الكافيين” التي عند الإفراط في تناولها يحدث التعود عليها، ومن ثم التوتر والصداع والقلق والإرهاق، فيتأثر الإنجاز الدراسي والتحصيل العلمي.
ومن المعلوم أن للتعلم والتذكر خطوات منها: استقبال واستيعاب المعلومات، وتخزينها وتبويبها وتراكمها وتحليلها بالذاكرة، ومن ثم استدعائها وقت الحاجة/ الامتحانات، لذا ينبغي ربط تلك العلمية بغايات وطموحات وأهداف واضحة في التفوق والإنجاز، ومداومة تذكرها.
وللاستذكار أنواع: استذكار ناقص لم يستكمل أصولَه، فإذا اختُبِر الطالبُ بعده مباشرة فقد يعجز عن استرجاع المعلومات، وآخر مناسب يمكن للطالب بعده أن يسترجع المعلومات استرجاعًا صحيحًا، وثالث كافي وتستمر حتى بعد استرجاع المادة، وهذه أبعد غوراً، وأصلب عُوداً، وأقلُّ تأثُّراً بعوامل النسيان، إن النسيان، والشرود، والمَلل، مشكلاتٌ تعُيق عملية الاستذكار الصحيحة، وتتسبب في تدني التحصيل والفهم. فالنسيان هو فقدانٌ طبيعيٌّ جزئيٌّ أو كليٌّ مؤقتٌ أو دائمٌ، لما اكتسبناه من ذكريات ومهارات حركية وهو أنواع نسيان طبيعي وشخصي، كربط عملية استذكار بعض المواد بأحداث سلبية مؤلمة، فيجب استيضاح الأمر وفك عملية “الاشتراط” تلك للقضاء عليها، وآخر مرضي ناتج عن صدمة دماغية أو انفعالية.
كما أن أسبابه متعددة منها مرور الزمن، فالأيام الأول عقب عملية الاستيعاب تكون فيها درجة التذكر عالية، ثم يقل تدريجيًّا مع مرور الوقت، لذا ينبغي مراجعة الموضوع بعد قراءته مباشرة، وتدور هذه المراجعة حول استعراض أهم النقط أو الأفكار الأساسية، وملاحظة الترتيب والترابط المنطقي بين الأفكار، ومراجعة الموضوع بعد الاستيقاظ من النوم، أو قبل البدء بالمذاكرة الجديدة، وفي أحايين متقاربة، ومناقشة المعلومات مع النفس أو مع الغير مناقشةً علميةً نقديةً، كما ينبغي استخدام أو استحضار المعلومات المكتسبة باستمرار؛ لترسِّيخها في الذهن، وجعلها مستعصيةً على النسيان، مع عمل ملخصات للمادة الدراسية حتى تسهل عملية المراجعة تلك. ولعل العادات والمهارات الحركية والاتجاهات والمبادئ والأفكار أعصى على النسيان من المحفوظات اللفظية.
الأيام الأول عقب عملية الاستيعاب تكون فيها درجة التذكر عالية، ثم يقل تدريجيًّا مع مرور الوقت، لذا ينبغي مراجعة الموضوع بعد قراءته مباشرة
ولا شك يتوقف مدى ما يستوعبه المرء على طريقة تعلمه، فعندما تُقدم المعلومات (الدراسية) بطرقة مُـحببة ومُبهرة وشائقة، وضمن دوائر اهتمام أبناءنا الحقيقة أو حتى المُستحدثة، يسهل استقبالها واستيعابها، ولا تكثر الشكوى من سرعة نسيانها وضعف تذكرها، وعدم القدرة على استرجاعها، أو استرجاعها مبتورة غير مترابطة، فينبغي الرفق وتشجيع الأولاد ليذاكروا دروسهم بطرائق مُحببة لديهم، دون إجبار أو قسر، فالقلق يبدأ عندما ينسى أبناءنا ما يحبونه، وليس ما يفعلونه عن غير حب أو اهتمام أو شغف، وينبغي إشاعة الحوار الأسري ومتداومته، ومناقشة ما قد يعترض السبيل الدراسي المدرسي أو الجامعي، وبذل الجهد لتذليلها، مع التوجيه الهادئ. إن التشارك في الوعي بأحوال الدراسة والأصدقاء له كبير الأثر في التفوق الدراسي لأبنائنا، ويحسن متابعته الأولاد في علومهم، ومساعدتهم في التخطيط لأعداد جداول استذكارهم، حيث تتنوع المواد التي يتم تناولها في اليوم الواحد، وعليهم التحرك لأخذ راحة بين كل فترة استذكار وأخري، وتأدية بعض الأعمال الأخرى لمدة قصيرة، ومن ثم العودة وشحذ الاهتمام للمذاكرة في مادة أخرى.
ويأتي تحديد ما سيتم استذكاره، ثم قراءته قراءة سريعة للإلمام الكلي، وتحديد الأفكار الرئيسية والفرعية وكتابتها، ووضع خطوط تحت التعريفات والمصطلحات والكلمات المهمة “Key words”، ثم التركيز والقراءة الجيدة للموضوع وللأفكار بنوعيها، وإعادة القراءة للفقرات الصعبة، ثم اختبار الاستيعاب والفهم والتلخيص بالأسلوب الخاص والجداول والرسومات الإيضاحية، ووضع الأسئلة عن كل فقرة والإجابة عنها، ومن ثم تكرار الاسترجاع لها، وينبغي استخدام أكثر من حاسة من حواس الطالب في المذاكرة والاستيعاب، فالقراءة بالعين، بينما اليد تكتب وتخطط بألوان متعددة، ويأتي الترديد باللسان لتسمع الإذن، وليعي العقل ولا ننسي العطف والتشجيع المتواصل، لكن دون تدليل، فلا ينبغي للأمهات أن تجلسن إلى جانب أبنائهن في كل صغيرة وكبيرة من دروسهم، ويقمن بعمل الفروض الدراسية نيابة عنهم، فذلك يؤثر سلباً على ثقتهم بأنفسهم، وعلى تحصيلهم العلمي.
وينبغي على الأبناء وبمساعدة الآباء البعد عن المشتتات أو التفكير في المشكلات العائلية والعاطفية والاجتماعية وفي المستقبل واحتمالات النجاح والرسوب، لكن كيف يتجنب الطلاب الشرود الذي يحيل تفكيرهم من الموضوع الأساس الهامِّ الذي يتم الاستغراق فيه إلى موضوع آخر جانبي أقل أهمية فيضيع وقتهم؟ ينبغي على الوالدين توفير جو أسري هادئ خال مما قد يشوش على الأبناء استذكارهم، بالإضافة إلى الجِدُّ والاجتهاد واختيار المواد الدراسية التي تساعد في التركيز، وإتباع الطرق المناسبة في استذكار كل مادة على حسب طبيعتها، واستصحاب نشاطٌ ما يتم القيام به (كوضع خطوط تحت الأفكار الرئيسة، أو تلخيص بعض الأفكار بلغتك الخاصة، أو كتابة القانون أو القاعدة التي يراد حفظها مرة أو مرتين، أو تدوين بعض الملاحظات في الهوامش)، والفصل بين المادة ومن يقوم عليها من أشخاص قد لا يروقون للطلاب، وعدم الانشغال- خاصة في مرحلة المراهقة – بأمور أخرى، كالتفكير في الجنس الآخر مثلاً.
كما يجب محاربة الملل والرتابة والتكرار والتنميط، وكل المسببات الجسمانية التي قد تعيق التركيز والحيوية لدي أبناءنا الطلاب، لذا ينبغي تقوية الدافع، ووضوح الهدف، والثقة بالنفس، والصبر والمثابرة، واتباع أساليب المذاكرة الصحيحة، والقراءة عن فهم، والتنويع في المذاكرة؛ لتنشيط الذهن، ومراجعة الدروس مع الزملاء، والراحة بعد كل وقت مذاكرة، وتغيير مكان المذاكرة بين وقت وآخر، ومراعاة ملائمة مكان الاستذكار ومناسبته من حيث الإضاءة والتهوية الجيدة، وتوفير الوسائل المريحة والمساعدة علي حسن الدرس لكن الاستذكار في السرير لا شك يجلب النوم، ومتابعة الترفيه عن النفس.
إن الاهتمام بالرياضة والترويض أمر هام وضروري، ولا يعيق الدرس إذا ما تم خلال وقت معين ومنتظم. لكن إهمال الهوايات والرياضات (بزعم كثرة الدروس) قد يؤثر على الصحة البدنية والنفسية لأبنائنا فنكسب شهادات لهم، ولكن نخسر نموهم المتكامل والمتوازن، فطاقات البدن والنفس ينبغي إشباعها بالحاجات الضرورية والمفيدة والمتنوعة.. استرواحًا واستيعابًا وتصريفًا لطاقات أطفالنا ومراهقينا سواء بسواء. ومما له كبير الأثر في نجاح طلابنا هو بث الثقة وروح المنافسة مع ذواتهم، فيبذلون المزيد من الجهد، مع عدم التراخي أو التواني، والنقد البناء وتقويم ما قد يعترض مسيرة العام الدراسي، ويبقي عدم الخوف أو القلق من الامتحانات، إذ ليست هي نهاية المطاف. كما أنها ليست المقياس النهائي والجازم عن مدي قدرات ومهارات وذكاء وتفوق وإبداع أبناءنا في حياتهم العملية ومستقبلهم المنتظر.
يجب محاربة الملل والرتابة والتكرار والتنميط، وكل المسببات الجسمانية التي تعيق التركيز والحيوية لدي أبناءنا الطلاب، لذا ينبغي تقوية الدافع، ووضوح الهدف، وتعزيز الثقة بالنفس
إن تقويم أطفالنا وأبناءنا وفقا للعلامات التي يحصلون عليها في شهاداتهم، أو وفق ترتيبهم في الفصل كثيرًا ما يثير حفيظة وقلق الآباء والأمهات، فيشعرونهم بالذنب عندما تقل علامات أولادهم: “أننا نضحي ونبذل من أجلكم الكثير والكثير، ومع ذلك فلان قد حصل على علامات أكبر، فهو أفضل منكم وسيتفوق عليكم.. وأنتم فاشلون عاجزون أو أغبياء”. إن هذا النهج ـ المقارنة والنعوت السلبية مع الآخرين دون تتبع ومعالجة أسباب الإخفاق ـ مُحبط ومعيق، بل ومُدمر، ومُكرس للفشل؟ كما قد “يعتاده” الأولاد في تقويم زملائهم وأفراد المجتمع وفق درجاتهم فقط، فيغيب البعد الإنساني فقيمة المرء ليست في حصوله على “وثيقة أو رخصة أو شهادة علمية” فقط، ولكن في شخصيته السوية نفسيًّا واجتماعيًّا وإنسانيًّا، وإحساسه بذاته وبالآخرين. ولماذا لا نري أولياء الأمور يحثون أولادهم: “لمَ لم تساعدوا زملائكم على فهم واستيعاب الدروس التي غابوا عنها لمرضهم أو لظروفهم الخاصة؟، أذهبوا وكونوا في حاجتهم يكن الله في حاجتكم”.
إن رسالتنا نحو أولادنا ليست منـّة نشعرهم بالذنب إن لم يلبوا ما نريده. كما أن بث الحب لهم ينبغي ألا يكون مشروطاً: “ذاكر أو ذاكري كي نحبك، إذا لم تنجحوا فلن نحبكم”. ولكن يمكن القول: “أنتم أولادنا.. نحبكم دوما وبإمكانكم بذل المزيد من الجهود لتحققوا ما تحلمون ونحلم به لكم”. إن بذل الحب يعطي الأمان النفسي لأولادنا، والاستقرار لأسرنا، ويبقي طريق العلم هو الموصل للسعادة الكبرى.