تعدّ الإصابة بقشرة الشعر واحدة من أكثر الشكاوى الطبيعية المزمنة التي يعاني منها الرجال والنساء على حدّ سواء. وتشير الإحصائيات إلى أن انتشار هذه الظاهرة، يجعل منها المشكلة التي تحتل المرتبة الأولى في قائمة مشكلات فروة الرأس، إذ يشكو منها ثُلُث الأشخاص في مجتمعات العالم المختلفة.
وتَذكر مراجع عِلْم الأنسجة، أن جسم الإنسان يتكون من ملايين الخلايا التي تتحد فيما بينها كي تبني أنسجة الجسم وأعضاءه المختلفة. ومن عظيم خلق الباري تعالى، أنْ جعل لتلك الخلايا عمرًا محددًا تموت بعده ويتم استبدالها، ليحلّ محلها أخرى جديدة، وسرعان ما تتساقط الخلايا الميتة بعد أن تنفصل عن مجاوراتها من الخلايا الحية.
وينطبق مسلسل الأحداث ذلك، على جلد فروة الرأس؛ إذ تتجدد خلاياها باستمرار، ويتساقط عنها ما يموت من خلايا طبقات الجلد السطحية، وتظهر تلك الخلايا الميتة في صورة القشرة المعروفة. وبذلك نستنتج أن ظهور القشرة ضمن شعر الرأس لا يعدو في كثير من الحالات أن يكون ظاهرة طبيعية، لا تحمل بين طياتها أية دلالات مرَضية. وهي -إذن- صورة فسيولوجية من صوَر تجديد خلايا الجسم وتكاثرها.
ما أسباب ظهور القشرة؟
تبدأ مشكلة قشرة الشعر -عادة- في سنّ المراهقة، وتستمر إلى سنّ الأربعينيات، وتميل بعدها إلى التحسّن تدريجيًا.
وقد يزيد أحيانًا نشاط عملية تساقط الخلايا الجلدية من فروة الرأس، فتغزو بذلك القشور شعر الرأس بكثافة، فيصبح أشبه بملاّحة تَذرّ بحركتها الملح هنا وهناك. وقد كشف العلم الحديث النقاب عن جانب من أسباب ذلك، ومنه:
1- يؤدّي إهمال نظافة الشعر، وعدم غسله بالماء وسائل التنظيف “الشامبو” بشكل مستمر، إلى نموّ المزيد من البكتريا والفطريات وتكاثرها ضمن فروة الرأس، مما يؤدّي إلى انفصال المزيد من خلاياها، وبالتالي زيادة معدّل تراكم القشرة وخلايا الجلد الميتة في نسيج الشعر.
2- تشير بعض الدراسات الإحصائية المقارنة، إلى دور العوامل الوراثية في نقْل ظاهرة القشرة إلى الأجيال القادمة.
3- يزداد ظهور القشرة بين صفوف من اعتاد تناول الأغذية الدهنية والوجبات السريعة، وأهمل تناول الفواكه والخضار الطازجة الغنية بالفيتامينات والمعادن اللازمة لصحة الجلد.
4- تعتقد نظريات أخرى احتمال وجود علاقة بين تناول أقراص منع الحمل وبعض المشاكل الهرمونية في جسم الأنثى من جهة، وظهور قشرة الشعر من جهة مقابلة.
5- قد تظهر القشرة نتيجة إصابة فروة الرأس ببعض الالتهابات، ومن أكثرها حدوثًا ما يُعْرف بالالتهاب الجلدي الدهني (Seborrhoic Dermatitis)، وتتصاحب القشرة هنا مع ظهور بقع حمراء في جلد الفروة.
6- يمكن كذلك أن تؤدي الإصابة بداء الصدفية الجلدي (Psoriasis) إلى زيادة حدّة القشرة، وتسريع ظهور أعراضها المزعجة.
7- تؤدي المبالغة في استخدام جهاز تجفيف الشعر (السيشوار)، والإكثار من استخدام صبغات الشعر الكيميائية، إلى ظهور أنواع من القشرة.
8- قد تصاب بعض الحوامل والمرضعات بالقشرة نتيجة اضطرابات هرمونية.
مظاهر الإصابة بالقشرة
يشكو المصابون بقشرة الشعر، من ظهور قشور ذات ألوان مختلفة، فتكون بيضاء، أو صفراء، أو رمادية. كما يشيع لدى الكثير منهم ظهور حكّة مزعجة، وقد تسبِّب تلك الأعراض حرجًا اجتماعيًّا، يدفع المريض إلى استشارة طبيب الأمراض الجلدية.
ولتكرر الشكوى من حكّة فروة الرأس تبعات عديدة؛ قد ينتج عن ذلك ظهور جروح صغيرة في جلد الرأس، ولا سيما إن كانت الأظافر طويلة، وقد تغدو تلك الجروح منافذ لدخول البكتريا أو الفطريات التي تعيش في الشعر أو على فروة الرأس، مما يؤدي إلى حدوث التهابات جلدية. وقد تنتشر هذه الالتهابات -إن لم يتم الإسراع في معالجتها- فتصل إلى جلد الجفون والأذن والأنف.
أنواع قشرة الشعر
يعتقد الكثيرون أن الإصابة بقشرة الشعر داء مُعْد، وينتقل من شخص مصاب لآخر سليم، فيَعْمد هؤلاء إلى الابتعاد عن المصابين بالقشرة خوفًا من إصابتهم بها، وهذا معتقد خاطئ، ولا أساس له من الصحة. ولقشرة الشعر عمومًا أنواع عدة منها:
1- قشرة الشعر الدهني (Oily Dandruff)، ويحدث فيها زيادة نشاط غدد الجلد الدهنية (Sebaceous Glands)، ويميل جلد الفروة هنا إلى الظهور باللون الأحمر.
2- القشرة الجافة (Dry Dandruff)، وتكثر الشكوى منها في فصل الشتاء، ويحدث هنا انسداد فتحات الغدد الدهنية في فروة الرأس، ويؤدي هذا إلى جفاف الجلد نتيجة عدم وصول الإفرازات الدهنية إليه، ويشكو المريض بذلك من جفاف الشعر وتساقطه، وتميل القشرة الجافة هنا إلى الظهور بلون رمادي.
3- قد تظهر قشرة الشعر في فروة الرأس لدى الطفل الرضيع (Cradle Cap)، ويُعْرف ذلك في بعض الدول باسم “خبز الرأس”، لأن القشور تتراكم بكثافة في هذه الحالة، وتتجمع لتعطي شكلاً يشبه فتات الخبز الصغير، وسرعان ما تتحسن هذه الحالة تلقائيًّا، لتظهر بعدها فروة رأس الرضيع بصورة طبيعية.
معالجة قشور الشعر
ليس ثمة دواء معيّن يقضي تمامًا على ظاهرة القشرة، فيعالجها دون أن تعود للظهور ثانية، إذ ليس بإمكاننا أن نوقف انقسام خلايا فروة الرأس، أو أن نمنع تساقط ما يموت منها. وجميع ما يوصف من أدوية وعقاقير دوائية أو عشبية، ما هي إلا علاج مؤقت ومخفف للأعراض المزعجة التي يشتكى منها المريض.
وحجر الأساس في معالجة قشرة الرأس، هو تفهّم حقيقتها، وإدراك أنها ليست داء، بل ظاهرة طبيعية تتفاوت حدّتها بين جسم وآخر، ويجب التعامل معها وَفق الأسلوب الصحيح.
وتُعد المحافظة على نظافة الشعر، وغسله المستمر بالماء وسائل التنظيف (الشامبو) المناسب، ركيزة العلاج الرئيسة. ويهدف ذلك إلى إزالة ما يتجمع من القشرة في فروة الرأس، والتخفيف مما يصاحبها من حكة مزعجة. ويندرج تحت عنصر نظافة الشعر وفروة الرأس، الحرص على استعمال أدوات نظيفة كالأمشاط، والأدوات والأجهزة المستخدمة في صالات الحلاقة والتجميل، ويؤدي إهمال ذلك إلى انتقال الأمراض الجلدية المعدية التي قد تسوء معها بعض حالات القشرة.
كما يجب الحرص على نظافة أغطية المخدات والأسرّة والملابس التي تمس شعر الرأس بصورة مباشرة.
ولتعريض الشعر لأشعة الشمس بصورة معتدلة أثر مفيد في نجاح خطة العلاج، إذ يُسهم ذلك في تغذية فروة الرأس، والتخفيف من أعداد البكتريا والفطريات التي تنمو ضمن شعرها.
ويَنصح الأطباء لمعالجة حالات القشرة الشديدة، باستخدام بعض أنواع الشامبو، أو المحاليل الحاوية لمادة الكبريت، أو حمض السالسليك (Salicylic Acid)، أو عنصر السلينيوم (Selenium)، وجميعها مواد تخفف من أعراض القشرة، ولا تنهي ظهورها ثانية كما أسلفنا.
كما يجب على طبيب الأمراض الجلدية في حالات القشرة الشديدة، فحص المريض بغية استبعاد احتمال الإصابة بالفطريات الجلدية أو بداء الصدفية، وتقديم العلاج اللازم في حال ثبوت ذلك التشخيص.
ومما يساعد أيضًا على التخفيف من قشرة الشعر، تناول غذاء صحي متوازن وغني بالفيتامينات والمعادن المتنوعة، وممارسة الرياضة بصورة معتدلة، والتخفيف من تعريض الجسم للقلق والأرق والضغوط النفسية، والتقليل من استخدام مراهم الشعر (أو ما يعرف بالجل)، والبخّاخ المستخدم لتثبيته، والصبغات الكيميائية بأنواعها المختلفة.
(*) اختصاصي جراحة التجميل بالمدينة المنورة / المملكة العربية السعودية.