في البداية أود أن أوجه إلى مسألة جوهرية وهي، عند الحديث عن مشروع القرآن الكريم قطعًا لا نتناوله من حيث هو مشروع فريد الأنصاري الشخص، لكن من حيث هو مشروع القرآن الكريم بمعناه الديني الروحي التربوي الشامل والحضاري الموجه بشكل عام للإنسان.
فالشيخ استفرغ الجهد وبذل الوسع في تصفية المشروع من الأنا و القداسات والاستصنامات والوثنيات الخفية وما أكثرها في وقتنا، حيث بلور فيه معالم التكوين والتربية النبوية بعيدا عن التلقين الببغاوي، وحاول أيضا أن يرشد إلى فعالية ونجاعة الربط بالمصدرية قرآنا وسنة عوض المرجعيات الأيديولوجية بما هي اجتهادات قابلة للنقض والخطأ والزيغ والأهوائية/المزاجية وهذا ما وقفنا عليه كثيرا في تجارب الإصلاح المعاصرة -حسب زعمهم- فالمطلع على مشروع مجالس القرآن وسلسلة الإصدارات الصوتية والمرئية وحتى التسجيلات الحوارية، يلاحظ بجلاء أن الدكتور كابد وعانى وسهر حتى وفق إلى نوع من الشمولية في التصور.
ولم يكن هذا بالممكن لولا توفيق الله وتسديده له كما يذكر هو شخصيا في عدة مناسبات رحمه الله..
أضف الى ذلك ما عرفناه وتنوقل عنه رحمه الله من حرقة على واقع أمته ومن صرامة علمية رصينة في المنهج والمقاربات فقها وأصولا..لكن؛ وهنا بيت القصيد..
هل يتصور أحد أن هذه الأفكار قد تتفعل من تلقاء نفسها!
هذا قطعا عبث وضرب من الوهم والخيال.. لابد من أشكال وإطارات تحتضنها وتعمل على تنزيلها وأجرأتها في دنيا الناس بما يناسب ويخدم المقاصد والكليات المنتظرة من المشروع..
ولا أرى أنسب لاحتضان هذا التوجه من طلاب العلوم الشرعية وكليات الدراسات الإسلامية والمعاهد الدينية.نظرا لكونهم ملتصقين يوميا بالنصوص الدينية ومحاولة ترجمتها إلى واقع! وهذا هو الأصل نظريا في من سلك طريق العلم..
طبعا بكل تدرج وإخلاص..وهنا لا أقصي أحدا، فلست أدعو إلى الكهنوت الإسلامي بل يجب تقويض بنيته التحتية وتقزيمه أو الحد من هيمنته وسطوته المرضية والسعي لعلاجها بالحوار والتعدد والمبادرة إلى النقد البناء، وهذه حقيقة يجب أن نسلم بها.
والحاجة ماسة دائمًا لكل المكونات، فالقرآن للعالم كله رحمة ونورا، فلكل المقتنعين بإلحاحية التحرك في هذا الإتجاه..القرآن الكريم تربية وأخلاقا وحضارة.