نشأة الشاعر وأسرته وبيئته
ولد غلام علي بن السيد نوح الحسيني البلكرامي في يوم الأحد 25صفر 1116هـــ (الموافق 30يونيو 1704)، ببلكرام وهي قرية من أعمال مديرية هردوئي بالإقليم الشمالي الهندي وهي مدينة عظيمة تعد من أعظم مراكز الثقافة العربية وأكبر منابع الفكر الإسلامي بالهند منذ القرن السابع الهجري، يتصل نسبه إلى حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عليه.
كانت هذه الأسرة تحرص على تربية أبنائها تربية دينية عربية عريقة. ولذا فقد خرّجت الأسرة في بلكرام شيوخا ذاع صيتهم وشاع شهرتهم. منهم: السيد مرتضى الزبيدي 1145-1205)هـ) ، ومن أبناء عمومة شاعرنا آزاد ومعاصره أيضًا صاحب تاج العروس في شرح القاموس، وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، وغيرهما من أمهات الكتب وأحد أساتذة الشيخ المؤرخ الجبرتي، ومن هذه الأسرة أيضا السيد عبد الجليل البلكرامي ((1071-1137 جد شاعرنا الذي كان يتقن أربع لغات هي العربية والفارسية والتركية والهندية وله فيها أشعار وقد قال عنه السيد علي خان المدني صاحب سلافة العصر: ” ما رأيت لهذا السيد بالهند نظيرًا، ونظرًا لتفوقه فقد فوض إليه السلطان أورنكزيب عالمكير عمل كاتب الوقائع أمانة المال في إقليم السند”.
حياته التعليمية
نشأ العلامة في أسرة علمية أدبية فقرأ الكتب الدراسية المتداولة على السيد ” طفيل أحمد” الأترولوي ، ثم لازم جده لأمه السيد”عبد الجليل بن مير أحمد” البلكرامي فأخذ عنه الحديث والفقه واللغة والسير والفنون والعربية والفارسية حتى برع فيها، ثم لزم خاله السيد محمد بن عبد الجليل فتعلم منه العروض والقوافي وبعض الفنون الأدبية ، وفي سنة 1150هــ تاقت نفسه لزيارة الحرمين الشريفين، فرحل في نفس السنة إلى الحجاز للحج والزيارة، حيث أقام فيها سنةً كاملةً وبضعة شهور قضاها كلها في التعلم والأخذ والاستفادة من علمائها، فاستفاد الحديث النبوي الشريف من الشيخ المحدث ” محمد حيات السندي، وأخذ عنه إجازة الصحاح الستة وسائر مقروئاته ، واستفاد أيضا في هذا الفن من الشيخ عبد الوهاب الطنطاوي المصري (1157هـ) وأخذ عنه معلومات جمة، و لما أراد الرجوع إلى الهند أتى إلى روضة النبي صلى الله عليه وسلم وأنشد بها:
عليك سلام الله يا أشرف الورى وما أنا إلا كالذي جاء منهلا |
لقد سال دمعي في فراقك فانيا فذاق ولكن عاد ظمآن باكيا
|
خدماته وآثاره
لقد خلّف شاعرنا غلام علي وراءه خدمات جليلة ومساهمات جبارة في التراجم والسير والأدب والشعر في العربية والفارسية، نذكر منها:
- سبحة المرجان في آثار هندوستان: وهو من روائع خدماته وغرر آثاره كتب فيه تراجم علماء الهند العظام وشعرائها الكرام.
- شمامة العنبر في ما ورد في الهند عن سيد البشر: ألفه قبل كتابة السبحة ثم جعله الفصل الأول منها، لها عدة مخطوطات في الآصفية (حيدرآباد) برقم 853، ورقم 857، بخط زيد البلكرامي من أحفاد المؤلف سنة 1292هـــــ ، ورقم 859 ضوء الدراري في شرح صحيح البخاري: لم يستوعب الصحيح كله بل شرح إلى آخر كتاب الزكاة، وقد فكر عن شرحه هذا في الحجاز حين قرأ الصحيح على الشيخ محمد حياة السندي (1163هــ) .
- شفاء العليل في الإصلاحات على أبيات أبي الطيب المتنبي أورد فيها بعض اعتراضاته على المتنبي مع إصلاحاته .
- تسلية الفؤاد في قصائد آزاد
- السبعة السيارة: وهي دواوينه السبعة جمعها في مجلد واحد سماه (السبع السيارة).
- مظهر البركات: وهو مجموعة شعرية كتبها ونظمها بأسلوب المثنوي الفارسي باللغة العربية يناهزعدد أبياتها 3700 وهي في التصوف والأخلاق والسلوك، وقد رتبه على سبعة دفاتر، وهي في غاية الرقة والحلاوة، ومظهر البركات تعد مجموعة شعرية قصصية صوفية واجتماعية تقع في سبعة فصول أصغرها يتكون من خمس عشرة حكاية، وكان آزاد قد قرض في كل صنف من الشعر الفارسي فأنشد الرباعي والمثنوي والمستزاد وما هو دون ذلك، والأرجوزة العربية المزدوجة هي تضاهي الرباعي الفارسي من ناحية القوافي ولكنها تختلف عن الرباعي نظرًا إلى البحور والأوزان، فاختار آزاد أوزان المثنوي الفارسي للأراجيز المزدجة العربية ، فكتابه” مظهر البركات” مثنوي عربي أنشده على أوزان فارسية واعتبر نواب صديق حسن خان هذا المثنوي عملاً مجيداً من آزاد، وفي أبجد العلوم ص 922 قال : مظهر البركات مجموعة لسبعة دفاتر على وزن الشعر المزدوج.
- روضة الأولياء(تراجم لبعض الأولياء).
إلى غير ذلك من الكتب المهمة والمصنفات الهامة.
شعره
كان شاعرنا آزاد البلكرامي شاعرا أصيلا فقد نظم في معظم أغراض الشعر من الوصف والرثاء والغزل والنسيب والمديح والحب، وقد كان يجيد الشعر في الفارسية والهندية كما كان يجيد في العربية وقد ذكر في السبحة:”أنا صاحب الديوانين العربي والفارسي، ومالي في الهند ديوان، ولكني ماهر بالشعر الهندي” وقال أيضًا: “وما ظهر في الهند قبلي من يكون له ديوان عربي، ومن يكون له شعر عربي على هذه الحالة”.
يعتبر شعره ثروة أدبية قيمة في تاريخ الشعر العربي الهندي، وقد اعتنى به أصحاب النقد والتاريخ، فاعترفوا بعلو كعبه في قرض الشعر، ونظرًا إلى ارتجاله الذي كانت قريحته تجود به عدّوه بين معاصريه من الشعراء الممتازين من الناحية الفنية، لذلك فإن شعره يتسم بجزالة اللفظ وروعة الأسلوب وبلاغة المعاني والبيان، يقول الدكتور عبد المقصود محمد شلقامي: وإذا نظرنا إلى شعره بالمقارنة إلى معاصريه وجدناه قمة لا يتسامى إليها أي شاعر معاصر سواء في الأساليب أو المعاني أو الأخيلة، ولكنه لما كان بعيدًا عن بلاد العرب هندي المنشأ والموطن واللسان فإن الأضواء لم تستطع أن تعبر إليه الخليج، وبالتالي لم يعرف عنه الكثير ولو أنه عاش في بلاد العرب لصار رائدًا من طراز البارودي”
و له قصائد كثيرة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجوزة طويلة تبلغ 3500 بيت تقريبًا، وقد منحه الله تعالى قدرة عجيبة على نظم الشعر فقد كان ينظم قصيدة كاملة في يوم واحد أو أقل منه: يقول السيد عبد الحي الحسني” كلما يتوجه آزاد إلى النظم تحضر المعاني لديه صفًا صفًا وتتمثل بين يديه فوجًا فوجًا”
طبيعته الشعرية الخاصة
إذا رأينا إلى طبيعة آزاد الشعرية نرى فيها طبيعة الشعراء الجاهليين الخلص فقد سلك آزاد في شعره مسلك الشعراء القدامى من الجاهليين والإسلاميين وسار على نهجهم وطريقتهم في الوقوف على الأطلال والبكاء على الرسوم والديار، ومع هذا فقد ابتكر في الشعر العربي معاني جديدة وألبس بعض الأخيلة الهندية والسنسكريتية ثوبًا عربيًّا وأبدع أكثر من الشعراء الهنود الذين مضوا من قبله. وكان لآزاد طبيعته الخاصة في قرض الشعر ونظمه فكان ينظم ويقرض الشعر في شهر الربيع حيث يصفو الجو والسماء وتزدهر الحدائق وتشدو البلابل والعنادل وتصدح الطيور والعصافير و تلبس الطبيعة أبهى حلة الحسن والجمال أما في غيره فكان لا ينظم إلا قليلاً ويسيرًا.
مدائحه النبوية
لقد قرض آزاد قصائد عديدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ونظم أشعارًا كثيرة سارت بها الركبان في البلدان وطارت في الآفاق من أشهرها لامية الهند التي عارض بها لامية القاضي عبد المقتدر الكندي الدهلوي .
و منها همزيته الشهيرة التي يقول فيها ممتدحا النبي صلى الله عليه وسلم:
بات الفؤاد بصدغها متجرعًا فأتيت بالقلب السليم مناديًا برهان رب العالمين حبيبه من معشر الإنسان إلا أنه هو خير من وطئ التراب وخيرمن |
من سم تلك الحية السوداء غوث الورى في شدة ورخاء في الأمة الأمية العرباء إنسان عين المجد والعلياء صعد السماء وخيرة الشرفاء
|
إلى غيرها من الأبيات الممتعة العذبة الرقيقة.
ومن أعذب مدائحه وأرقها وأجملها:
سرى ليلاً إلى فلك محيط ولولا نوره الأعلى مقاما لقد فاضت أصابعه زلالا وما قبل القساة هداه جهلا وإن لم تقبل الأحجار نبتا أبوا بقراء والسبع المثاني
|
لمن خشى العدى خير الحصون ونور سوح يثرب بالسكون لماظهرت خُفيّات الشيون رويا فارتوت غلل العطون وما فازوا بصادقة الظنون فليس النقص من قبل الفنون وفاهوا بالخلاعة والمجون
|
إلى غير ذلك من المدائح الرقيقة والقصائد العذبة التي يروي بها غليل العشاق والمحبين.