لقد استوقفني القلم وحرت في أمره .. فبعد أن كان ملكًا متوجًا صار لعبة في راحة يد البعض منا.. أليس القلم خلق من خلق الله أقسم به تنويها بشأنه؟! ترى ما حكم من يخطط به للإفساد في الأرض؟ لم يجنده غيرنا بموضوعية ونلقي به نحن في قاع البحار؟! ما المانع من أن نبلغ به نحن الذروة أو نطال به عنان السماء أسوة بغيرنا؟!
يا من يتقطع حسرة على فوات القلم، لو تمعنت فيه وسبرت غوره لشددت عليه بكلتا يديك و عضضت عليه بالنواجذ.. وكل مقصر في حق القلم سيندم، إذ لا يصح أبدًا عدم محاولة إدراك ماهيته.. وبالقلم يتسع فضاء الكون كل يوم، وتسبح العقول به حتى جرت الفيوضات.. به تربعت كل أمة أو حضارة حينًا من الدهر وسط الجنات وسيطرت على شؤون العالم و من ثم تسلمت مقاليد الأمور.. ونحن نعلم أننا بحسنا الإسلامي وبما نتميز به من إرادة قد نجاري به الأسود وقد نروض به كل وحش كاسر وقد نكون بسببه مضرب الأمثال في حسن التقدير والتنظيم تمامًا كما هو الحال بالنسبة لمملكتي النمل والنحل.
ما أكثر من يؤمن بدور القلم في هذا العالم المتلاطم و ما أقل من ينفذ توجيهاته.. أليس القلم من آثار رحمة الله بنا؟ أليس هو أول ما خلق الله ثم أمره بالجريان لكتابة كل شيء؟ و كان إدريس عليه السلام أول من خط به من الرسل، ثم أورث الله الكتاب الذين آمنوا، فلم يعد حكرًا لأحد، أليس الإسلام قد أمرنا بالتدبر و التعقل و القراءة في محكم التنزيل، ولولا أهمية هذه الأداة لما فتئ القرآن الكريم يذكرنا بها، أليس ذلك لعلاقته بكلمات الله؟ وأليس أول ما خلق الله القلم في بعض الروايات؟ ترى ما قيمة هذه الدنيا لو خلت منها الأقلام أو خلت منها دورة الليل و النهار؟!
إن أصحاب القلم دائما في الطليعة، إنهم هم الينبوع الذي تتفرع عنه الجداول، وليس شرطًا أن يكون الإنسان خطاطًا لكي يقدر أو تقرر مكانتة.. الغاية هي العلم إذ ليس للقلم فضل يذكر بدونه فالقلم وسيلة للعلم، ندون به السجلات، وبه تنسخ المخطوطات وتسجل أحداث التاريخ لكيلا تنسى.. لولا ذلك لما حظي بأي مكانة و لما التفت إليه إلا كما يلتفت إلى أي شجر أو حجر.
والأنبياء و الرسل أسوة، فإدريس عليه السلام أول من خط بالقلم، ويجب علينا أن نقتدي به في هذا الجانب هذا مع عدم إغفال كون البشر متفاوتون فطرة في قدراتهم تفاوتًا عظيمًا. من هنا أدعو أصحاب القلم وأهل الفكر والمتخصصين بأن يتحلوا بالصبر و الثبات، أدعوهم لمقارعة الحجة بالحجة أدعوهم لركوب الأهوال وعدم الإخلاد إلى الراحة.. لابد من مواكبة مستجدات العصر الذي نحن فيه و استيعاب تطوراته دون مساس بعقيدة أو خدش في تصورات أحد..
فضاء الكلمة واسع، وميادينها متشعبة، ومجال القول في هذا الكون لا يقف عند حد، ما عليك إلا أن تطبق على الفكرة ثم تبلورها كيف تشاء، قل ما تشاء و لا تخرج عن إطار الحقيقة. القلم من أخطر أسلحة العصر ظهر لنا من حالها ما يعجز عنه البلغاء.. كيف لا و قد جرت به المقادير بما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة. و نحن إذ نوقع به اليوم ندعو كل صاحب موهبة لتسخيره للصالح العام وعدم الجري وراء الموضة أو ركوب كل موجة. نحن أمة لها قدر لا بأس به من الأخلاق السامية.. نترفع بإيماننا عن السفسطات، قدوتنا في ذلك نصوص الوحيين الذين بهما سعادة الدارين، فعسى أن نكون يومًا قدوة العالم ونكون كما كنا سابقًا وليس ذلك على الله بعزيز…