النوم يبدو للوهلة الأولى حالة سلبية لدى الإنسان غايتها إعطاء الإنسان فرصة للراحة ليستعيد قوته من أجل صراعه على البقاء خلال اليقظة. إلا أن النوم ليس حالة من الانعدام التام للنشاط فالإنسان تتقلب وتتحرك أذرعه وأرجله فى بعض مراحله، وعندما تضاف الأحلام إلى ذلك يخبر المرء أحداثًا بهيجة أو مفزعة ترتبط أحيانًا بخبراته في حالة اليقظة… كل هذه الأشياء تدلنا على أن النوم عملية إيجابية نشطة. ولنرجع إلى سؤالنا المطروح: لماذا تنام الكائنات الحية؟
الحقيقة أن هناك آراء كثيرة لتفسير أسباب حدوث النوم… من هذه الآراء:
ما يقال من أن كمية الدم التي تصل إلى المخ تقل فيحدث النوم، ويتم ذلك نتيجة لانقباض الأوعية الدموية فتقل تبعًا لذلك كمية الدم المارة بها. ولعل سائلاً يسأل: وما السبب لحدوث هذا الانقباض في الأوعية الدموية؟
المحتمل أن أنسجة المخ تتراكم فيها المواد السامة الناتجة عن النشاط اليومي فيسبب ذلك انقباض الأوعية الدموية فيحدث النوم نتيجة لذلك، وتظل الحال هكذا حتى يتخلص الدم من هذه السموم فتتسع الأوعية الدموية، وتزداد كمية الدم المتدفقة إلى المخ فيصحو الإنسان من نومه. وهذا هو أقرب الأقوال للصواب، ولكن هذا ليس هو التفسير الصحيح.
وقدّم الباحثون فيما مضى عدة نظريات لتفسير ظاهرة النوم والتي بينتها تلك النظرية المسماة بالنظرية يائية السابقة الذكر.. ولكن هذه النظريات كلها عجزت في الواقع عن تفسير الحقائق الصحيحة. وقد وصل العلم حديثًا إلى أن النوم عبارة عن طرح روحي مؤقت تترك فيه الروح الجسد ساعات خاصة من اليوم والليلة، وقد عد العلماء هذا نصرًا ما بعده نصر، وما زالت الأبحاث جارية لتفسير هذه الآية الإلهية.
وقد تكون هناك أسباب أخرى للنوم تتعلق بكهرباء المخ، فالنوم فترة راحة للمخ لا بد منها، وهو أشبه بإعادة شحن للطاقة.
وهناك تفسيرات واجتهادات أخرى أرى أن نتناولها في موضوع لاحق باذن الله تعالى حتى لا يحدث للقراء الأعزاء بلبلة وحتى لا يتشعب الموضوع.
عالم الحيوانات والحشرات والطيور
إن من دلائل قدرة الله ووجوده أن تشترك الكائنات الحية جميعها في النوم، فالحيوانات تنام وتصحو كالإنسان، وقد ثبت أن الحيوانات تحلم كذلك في منامها. فقد ظهر بالتجارب أن بعض الكلاب تنهض من نومها فزعة تتلفت في كل الاتجاهات مما يدل على أنها كانت فريسة حلم مخيف.
وكذلك تنام الحيوانات الدنيا والأسماك والحشرات، غير أنه من الصعب تمييز حالتها بين اليقظة والنوم. وقد أجريت تجارب بالقرب من بعض الحشرات أو الحيوانات ليلاً لاكتشاف ما يثيرها ويفزعها، فلم يرصد لها أي حركة حتى الفجر، بينما ظهر عليها بعض الاختلاف بعد الفجر، حيث تصرفت تصرف الخائفة الفزعة.
ومن أرحم آيات الله أن الطير يمكنه أن ينام على غصنه، دون أن يقع رغم أن قبضةَ الطائر لا بد أن تسترخي كباقي عضلاته حين يغلبه النعاس، لكن الأوتار المسؤولة عن البسط والقبض في مخالب الطائر تلتف حول مفصل ساقه، وعندما ينام ويثني ثقل جسمه هذا المفصل تشد الأوتار مخالبه فيزيد تشبث قبضة الطائر على غصنه، ويتم ذلك بلا تفكير أو تدبير بل دون أن يعيها ويحسها الطائر.
عالم النبات
ولنترك عالم الطيور والحشرات والحيوانات ونتأمل عالم النبات.
لقد قرر علماء النبات أنهم بدراسة الأزهار والتطورات التي تشملها في كل وقت، اتضح لهم أن النبات ينام كما ينام كل كائن حي، وأن مشاهد النوم تظهر واضحة جلية في الأزهار.
كثيرون منا يظنون أن تفتّح الأزهار يحدث نتيجة لتأثرها بالشمس أو الضوء. والحقيقة غير ذلك، فقد ثبت أن تفتّح الأزهار لا دخل له بالشمس أو الضوء على الإطلاق، وأن ما نراه من قفول الأزهار وتفتّحها يرجع إلى نومها واستيقاظها من النوم.
فهناك أزهار تختص بها بعض فراشات الليل إذ تَفتح أزهارها في الليل، وتكون في تمام تفتّحها عند منتصف الليل… سواء أكانت قمرية أم مظلمة… وهناك أزهار تقفل أوراقها وتستسلم للنوم العميق ظهرًا، حتى إن أولاد الفلاحين في الجهات التي تنمو فيها هذه الأزهار يعرفون ميعاد غذائهم من نومها… وهكذا نرى أن النبات هو الآخر يحس ويتأثر وأن هناك فترات نشاط وكسل بالنسبة له.
سبحان الله… فلتتفكر أخي المسلم في هذه الآيات الواضحة، وليكن لك معها وقفات ووقفات.
(*) استشاري في طب وجراحة العيون، وعضو الجمعية الرمدية المصرية.