على الجميع أن يحذر من تلويث لسانه، لأن تلوّث اللسان من تلوّث الجَنان. ما لم يفسد القلب لا يفسد اللسان. فاسد القلب مشغول اللسان بالنقد والغيبة على الدوام. ولا يشفع له أن يقول “قلبي نظيف، أنا أخدم لله، وأتحرى سبيل الخدمة”.. لن يصدقه أحد.
طهارة القلب تثمر بيانًا طاهرًا وأفكارًا نقية. لننتج أفكارًا إيجابية، أفكارًا بديلة، لنطرح أفكارنا على الرأي العام ومجالس المشاورة.. لندافع عن أفكارنا وفق الأصول، وبأسلوب يتوافق مع أدب النقاش والمناظرة. وإذا لم تلق أفكارنا قبولاً، فلنطرحها في وقت آخر مرة أخرى وبأسلوب آخر. لنعرض فكرتنا بأسلوب “التصريف” الذي يعلّمه القرآن لنا، ولكن لنتجنّب الغيبة ولنبتعد عن النقد السلبي؛ لأن ذلك يذهب بخير وبركة الخدمة التي نقوم بها.
كم من أناس نجحوا كما نجحتم، وأنجزوا كما أنجزتم.. لكن خذلهم مَن خَلَفهم، فلم يحافظوا على إنجازاتهم. خَلَف هؤلاء الطيبين قومٌ لا جدِّية في صلاتهم، ولا صدق في علاقتهم مع الله، أسرى الهوى والشهوات، يعيشون من أجل إشباع أبدانهم وإرضاء أجسامهم، فتدحرجوا في مهاوي الغي والضلال.
لا خير في عمل تلوَّث بالانتقاد والغيبة. بل لو كان عملكم بحجم عمل سيدنا جبريل عليه السلام وحظيتم بالخلود وعملتم إلى الأبد، وأخلصتم في عملكم أيما إخلاص، ووصلتم إلى القمة في الإخلاص، أقول لكم -وربما أقسم لكم- بل أقسم لكم، والله وبالله وتالله، لن تجنوا خيرًا ولا بركة منه إذا تلوث بالغيبة. لو أن خدمتكم هذه قام بتمثيلها ملائكة من أمثال جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام، وانتقدوا بعضهم بعضًا -على فرض المحال- واغتابوا بعضهم بعضًا، فلن تحصّلوا خيرًا ولا بركة منها. تعملون ليل نهار، تقطعون الجبال والقفار، لكنكم لا تتقدمون قيد أنملة.
الثبات والانزلاق
قد تبنون سكنًا، فتضعون لبنة فوق أخرى، فيستقيم المبنى ويستقر، لكنكم في “الخدمة الإيمانية” تعملون مع الإنسان، والإنسان لديه استعداد هائل للانزلاق في أي لحظة. إنكم تنجزون عملاً مع أناس تتركونهم يسيرون خلف جبريل عليه السلام، وفجأة تجدونهم قد نكصوا وصاروا يسيرون وراء الشيطان.
التوقف انهيار.. إن توقفتم في حياتكم الفردية أو الاجتماعية، ينهار كل شيء.. إن توقفتم في خدمتكم الإيمانية ينهار كل شيء.. يقول تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(مريم:59).
على الجميع أن يحذر من تلويث لسانه، لأن تلوّث اللسان من تلوّث الجَنان. ما لم يفسد القلب لا يفسد اللسان.
كم من أناس نجحوا كما نجحتم، وأنجزوا كما أنجزتم.. لكن خذلهم مَن خَلَفهم، فلم يحافظوا على إنجازاتهم. خَلَف هؤلاء الطيبين قومٌ لا جدِّية في صلاتهم، ولا صدق في علاقتهم مع الله، أسرى الهوى والشهوات، يعيشون من أجل إشباع أبدانهم وإرضاء أجسامهم، فتدحرجوا في مهاوي الغي والضلال.
من السهل أن تكونوا شيئًا، ولكن الحفاظ على ذلك الشيء صعب جدًّا. قد تكونون من السابقين في الدعوة، فيأخذكم الغرور والتباهي، وتعملون على فرض أنفسكم على الآخرين، تقولون: “على الجميع أن يسمعني ويطيعني”.
تعملون وتعملون، لكن لا تبدو أي نتيجة في الأفق.. تمشون وتمشون لكن لا يبدو النور في الطرف الآخر من النفق.. تشعرون بالإحباط فتتراجعون، بينما لم يبق سوى خطوة واحدة، صُرّوا على أسنانكم وتقدموا خطوة أخرى، فإذا بالنور أمامكم سيحتضنكم.
قد تهتز ثقتكم في لحظة ما، عندما لا يؤدي عملكم إلى نتيجة، تقولون: “ها نحن نعمل منذ سنين، نسعى نكدح، لكن أين النتيجة؟” ما لكم أيها الناس؟ النتيجة ليست من مسؤوليتكم، وليست في وسعكم أصلاً. النتيجة في ذمة الله. قوموا بواجبكم ولا تتدخلوا بشؤون الربوبية. أدوا وظيفتكم ولا تتدخلوا في شأن الله، لكن أكثر الناس يخطئون.
(*) الترجمة عن التركية: نوزاد صواش. هذه النصوص مترجمة من دروس الأستاذ الخاصة.