تقوم الروبوتات الصناعية بأعمال هندسية ثقيلة وتجميع فني في مصانع السيارات والحافلات والأجهزة الإلكترونية الدقيقة، كما وُظفت في عمليات خطرة كالتعامل مع المصبوبات الساخنة؛ في المسابك وورش الحدادة والمكابس.. إلخ، وإدخال قطع التشغيل إلى الآلات الخطرة، وبذلك تقتصر مهمة الإنسان على التشغيل والبقاء في أمان. وهناك روبوتات الموانئ ومراكز الشحن التي تلتقط البضائع وتملأ الشاحنات، والروبوتات الزراعية التي تحرث وتبذر وتحصد وتعبئ وتغلف وتشحن.
ستكون الحدود الفاصلة بين البشر والروبوتات غير واضحة. ولعل السؤال الجوهري والمصيري الذي يبحث عن الإجابة هو: هل ستقضي الروبوتات على إنسانيتنا؟
أما روبوتات الخدمة العسكرية فوحدات مسلحة من رجال آليين، وطائرات دون طيار، وآليات أخرى تساهم في كفاءة الجيوش والطائرات والأساطيل، وهي قادرة على توجيه ضربات نوعية وتقليل الخسائر البشرية عبر تسهيل عمل فرق مكافحة الإرهاب، وتفكيك القنابل والألغام الأرضية والبحرية. ويشبه الروبوت “أطلس” البشر، لكنه بقدرات خاصة ملائمة لمهام البحث والإنقاذ والعمليات العسكرية المحدودة؛ فتراه يجري على الأسطح المتنوعة، ويتحرك بمرونة فائقة، ويتفاعل مع محيطه تلقائيًّا وليس عن طريق رسم خريطة لتحركه مسبقًا. وذلك بوساطة كاميرات مستشعرة ورادار يعمل بأشعة الليزر. وعبر مياه البحر المتوسط، يوجد الروبوت “إميلي”، يسعى لإنقاذ اللاجئين والفارين من ويلات الحروب (النظامية والأهلية)، ولديه القدرة على استشعار/تحديد موقع الأشخاص الذين يصارعون الغرق في البحر، ومن ثم التشبث بهم لإنقاذ أرواحهم. وعمل على تطوير هذا الروبوت/الغواصة، مركز بحوث “الروبوتكس” في جامعة (A&M) بـ”تكساس” في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتسابق المختصون في تطوير روبوتات بأرجل عنكبوتية -أو دواليب دوارة أو مزيج بينهما- تستطيع السير بسهولة فوق تضاريس سطح القمر أو المريخ، ولتنجز ما يوكل إليها من مهام بحثية فضائية. أما الروبوتات الطبية فتقوم بإجراءات طبية وجراحية عبر تنظير البطن في كل التخصصات. ولقد غيرت “الجراحة الروبوتية” مفهوم “علم وفن” الجراحة التقليدية، فلم يعد يقتصر على علاج الأمراض -كليًّا أو جزئيًّا- بالأيدي البشرية أو الطرق العملياتية، بل تجاوزها لتلك الأيدي الآلية، مما دشن “لعولمة الجراحة”، حيث يتمكّن الجراح بإجراء عملية لمريض، أو تدريب آخرين، في أي مكان عبر العالم. كما سيتم زراعة الأعضاء الاصطناعية التي يُتحكم بها إلكترونيًّا، وإدخال روبوتات النانو (Nanorobots) في أعماق الجسم، لتوصيل الأدوية إلى الخلايا المريضة وحدها، أو لإجراء تدخلات جراحية بعينها.
وفي شوارع المدن المكتظة بسكانها توجد روبوتات تنظيم المرور، ولدى بعضهم المقدرة على إعادة تجميع نفسه بصورة شبه مستقلة، عبر تصغير حجمه للمرور خلال نفق أو ممر ضيق. ويقذف الروبوت الرياضي “Drone-ovic” الكرات للاعبي التنس بطريقة تساعدهم على إتقان الضربات القوية المؤثرة، وتدريبهم عبر إلقاء الكرات في أماكن وزوايا دقيقة تحسن من مهاراتهم.
روبوتات عاقلة
سباق محموم لتدشين روبوتات تعمل بنسق “العقل البشري” في معالجة البيانات، وإصدار الأوامر بناءً على الذاكرة والتجارب والخبرات المكتسبة. فبعد قيامها بأداء الوظائف العقلية التقليدية كالحسابات، يبقى تطبيق القدرات الإدراكية كالتعرف إلى الأوجه في الكاميرات، وبصمات الصوت في الأجهزة الإلكترونية، محل تطوير بحثي. ويعكف “هنري ماركرام” مدير مركز تكنولوجيا علوم الأعصاب بالمعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في “زيوريخ”، على تصميم “عقل إلكتروني” فائق القدرة بنفس أنماط العقل البشري، حيث من المخطط امتلاكه لما يشبه 86 مليون عصب حسي تعمل من خلال 100 تريليون رابط بينها، إضافة إلى تقييمها بوساطة مقاييس الأداء الحاسوبية المعروفة بـ”الفلوبس”.
كما يعمل المهندس البيولوجي “كوابينا بواهين” من جامعة “ستانفورد” الأمريكية، على مشروع الكمبيوتر العصبي “نيروجريد” الذي يحاكي النشاط العقلي للمخ البشري، لكن، عبر تراسل الإشارات بنظام “الأنالوج”/الإشارات التناظرية كالمستخدمة في موجات الراديو والتي استبدلت بالإشارات الرقمية “الديجيتال”. وتتميز بالبساطة في التطبيق، وتتيح تشغيل مليون عصب بوساطة 6 مليارات وصلة عصبية بينها. وعلى الرغم من قلة أعداد الأعصاب والإشارات العصبية في الابتكار الذي بدأ العمل به عام 2009، إلا أنه يستهلك طاقة قليلة مثل المخ البشري. ويبقى العامل الأهم هو فعالية تلك الأعصاب والمكونات في إتمام تكوين ذكاء يحاكي الذكاء البشري، بل ويتفوق عليه من حيث كم المعلومات والإشارات المرسلة، لتحريك الأعضاء الذي يولد رد الفعل الطبيعي.
الروبوتات الاجتماعية
روبوت “هوم بود” وأمثاله متعدد المهام والأنشطة، وله القدرة على التحرك ذاتيًّا، وتحويل أي حائط إلى شاشة عملاقة. أما “Zenbo” فبمثابة مدير منزل ذكي وحارس أمن ماهر، ومساعد مطبخ بارع، ومصور عائلة عبقري.. يقوم بالتفاعل الاجتماعي بسهولة ومرح، إضافة إلى تشغيل الأغاني وقراءة قصص تعليمية بطريقة إبداعية. ومن المُخطط له -بحلول عام 2050- أن يعيش البشر في منازل كاملة الذكاء، حيث معظم تجهيزات ومستلزمات الراحة “مؤتمتة” بالكامل. وكذلك إدارة الطاقة والمياه والتسوق واستهلاك الأغذية والإمدادات والتجديد.
العبور نحو الإنسانية
ثمة روبوتات في اليابان تحلّ محل الشخص البار الذي يعتني بالمسنين والعجائز؛ حيث يجتهد “وكمارو” -أصفر اللون، وطوله متر، ووزنه 30 كغ- من صنع شركة “ميتسوبيشي” اليابانية، في توفير الرعاية الاجتماعية البارة بالمسنين والمُعمّرين. فهو يمتلك قدرة على النطق بصوت ذكر وأنثى، والتعرف على الكلام، والتذكير بمواعيد تناول العلاج، وطلب المساعدة عند الاشتباه في وجود مشكلة.. ويعد التفاعل التلقائي للروبوت غاية يتوق إليها علماء تطويره، لإقحامه في الحياة اليومية والتعامل مع البشر دون وسيط بينهما.
تحتل اليابان ترتيبًا متقدمًا بتطويرها جيلاً حديثًا من الروبوتات تتسم بالملامح البشرية، ويمكنها التخاطب والتفاعل مع الناس عبر برامج معقدة وتصميم بارع يمتلك بعض خصائص البشر وسماتهم الشكلية. هذا وقد أرسل الروبوت “كيروبو” إلى محطة الفضاء الدولية، ليتحدث مع رواد الفضاء في أوقات فراغهم، ويكسر إحساسهم بالعزلة والوحدة.
وقد صمم الذراع الروبوتية “جاكو” ذات الأصابع الثلاثة، لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يستخدمون كراسي متحركة، وتساعد هذه الذراع على سهولة الأكل والشرب واستيعاب الأشياء لهذه الفئة دون مساعدة خارجية، كما يمكنها تأدية 16 حركة مختلفة.
ويجري العالم الياباني “هيروشي إيشيجورو” أبحاثًا لتصميم روبوتات الـ”تيلينويد” المُشابه -إلى حد كبير- ملامح الإنسان، وهو تطوير لروبوتات “هيومانويد” ومنها “أسيمو”. وتنفرد “التيلينويد” بتقسيمها لفئات عمرية صغيرة وكبيرة، وإلى ذكر وأنثى.
ويقول “إيشجورو”: “إن تيلينويد يبدو كرأس شبه آدمي أصلع شاحب اللون. لكن بعد معالجات وإضافة اللون البشري والشعر والرموش، لا يمكن تفريقه بشبيهه من البشر، وبخاصة مع تجهيزه بالحواس اللازمة وبرمجته على ردود أفعال البشر ليكون روبوتًا تفاعليًّا يحاكيهم شكلاً وتفاعلاً. ويعد التيلينويد نسخة بالغة التعقيد من الروبوت “كيسميت” الذي ابتكر عام 1990 في معهد “ماساتشوستس” الأمريكي للتقنية، وكان عبارة عن رأس يحمل وجه طفل يتفاعل مع البيئة المحيطة به، ويستجيب للمؤثرات الخارجية.
ويسعى علماء في جامعة “أوغسبرغ” الألمانية لاستحداث روبوتات تتعرف على مشاعر الآخرين عبر تعبيرات وجوههم. ومن ثم يتحول الإنسان الآلي المسمى Alice إلى مرافق دائم يمكنه مشاركةَ الإنسان ذكرياته. ورغم ذلك لا يحظى الإنسان الآلي بقبول كبير في أوساط بشرية، مما دفع علماء جامعة “أوغسبورغ” لبذل الجهود المكثفة ليمكنه التعرف على مشاعر البشر عبر قراءة ملامح وجوههم؛ إذ يسجّل الحاسوب إيماءات حركة العين وارتفاع زاوية الفم، إضافة إلى برنامج خاص يقوم بتقييم خمسين خاصية صوتية مثل حدة الصوت وارتفاعه. ويتم تزويد الروبوت بثمانية محركات يستخدمها للتعبير عن المشاعر عبر الوجه.
وأخيرًا، تفترض التوقعات السائدة منذ زمن أن يشمل التعداد السكاني في العالم المليارات من البشر، وأمثالهم من الروبوتات سواء بسواء. وستكون الحدود الفاصلة بين البشر والروبوتات غير واضحة. ولعل السؤال الجوهري والمصيري الذي يبحث عن الإجابة هو: هل ستقضي الروبوتات على إنسانيتنا؟
(*) كاتب وأكاديمي / مصر.