منّ الله عليّ بالحج لبيته الكريم في العام قبل الماضي بتزكية من عملي..كم كانت رحلة روحانية راقية، تعلمت منها الكثير والكثير، وأذكر أنه كان ينتابني القلق إذا نسيت أحد أحكام الحج التي كنت (أذاكرها) قبل أن أصل إلى أم القرى..لكن سرعان ما تبدد هذا القلق، لاسيما وأن الجهة المستضيفة لنا دعت للحج أيضا أستاذة جامعية ترافقنا و نستفتيها في كل أمور الحج وأيه أمور فقهية أو دينية نود أن نفهمها..فكم كانت بشوشة وودودة ولا ترد سائلا، بل والأدهى أنها كانت تتفن أن تهدينا بعض الهدايا مع كل لقاء يومي يجمعنا بها بعد صلاة الظهر في مصلى المبنى المستضيف بعد أن كانت تسألنا بعض الأسئلة الدينية.
ظلت هذه الأجواء تستحوذ على عقلي وقررت أن أستفيد من هذه التجربة لكن هذه المرة مع الأطفال الذين يعشقون جو المنافسة ويتطلعون لحصاد أكبر قدر من الهدايا بل والكلمات المشيدة بهم وبتفاعلهم.
لهذا قررت قبل أن يهل علينا رمضان الماضي 1439هـ، أن أخوض تجربة مع أصدقاء إبني في الفصل حيث كانوا وقتها في الصف الخامس الابتدائي ، أعمارهم من 11-12 عاما ،ووهبت أجر هذه التجربة لروح أمي التي رحلت من سنوات طويلة في أول يوم من أيام رمضان.
هذه التجربة التي أنتوي تكرارها بإذن الله تعالى…جعلتني أتساءل لماذا لا تعمم هذه التجربة؟ بحيث تقوم بعض الأمهات بعمل جروب على شاكلته وفقًا لتخصصاتهم، فمثلاً الطبيبة لماذا لا تقدم عبر جروب يخصص للأطفال نصائح طبية أو معلومات طبية مبسطة؟ لماذا لاتشرح لهم طرق الاسعافات الأولية للمريض، وغير ذلك…
وبالفعل استشرت الأمهات على (الجروب المدرسي)، وأوضحت لهم أني أنتوي أن أنشىء جروبًا على الواتس بعنوان (رمضان أحلى مع المتنافسين)، هذا الجروب سأقوم فيه بتجميع أبنائهم أو من يرغبون في إضافته، ومن خلال هذا (الجروب) سألتقي بهم يوميًا تقريبًا في وقت محدد لمدة ساعة تقريبا، أحكي لهم فيها قصة من قصص الأنبياء مسجلة بصوتي، أو أي قصة هادفة ثم أسألهم فيها..بعدها أخصص لهم وقتًا لحل الفوازير والمسابقات التي تعتمد على قوة الملاحظة وسرعة البديهة، وكانت هذه الفكرة الرئيسية التي أضيف لها الكثير فيما بعد..وقتها أذكر أن جميع الأمهات وافقت وباركت إنشاء هذا الجروب ورأين فيه فرصة للبعد عن الإلكترونيات التي تشغل أولادهن وبناتهن بشكل كبير.
ولأن المنافسة لابد لها من دافع فقررت أن تتضمن فكرة الجروب عمل مسابقة أسبوعية على مدار شهر رمضان الكريم من يجيب عنها إجابات صحيحة يحصل على جائزة رمزية، فضلاً عن أن كل لقاء يجمعني بهم لا يخلو من اللعب، وحل بعض الفوازير والأسئلة المتنوعة، لنرى أيًا من الأطفال أذكى وأسرع في حلها، وأيهم أقوى ملاحظة في إيجاد الاختلافات بين الصور، والأهم من سيفهم القصة جيدًا ويركز في تفاصيلها ثم يجيب أدق وأسرع، وأيهم سيقرأ في الموضوع الذي أحدده لهم ليكون مستعدًا لحل الأسئلة في اليوم التالي!
تبقى على قدوم رمضان 8 أيام فقط.. تم تنفيذ الجروب واضفت الكثير من البنات والبنين من خارج دائرة الفصل، حيث تم إضافة كثير من معارف وأصدقاء الأطفال الأساسيين، خلال هذه الأيام كنت أجتمع بهم لكن للعب و(الدردشة) والتمهيد لرمضان، وتم الإعلان عن أول مسابقة على الجروب، بعنوان:”أجمل زينة لرمضان” فبعد أن قمت بمساعدة أبنائي بتزيين غرفتهم، والتقطت عددًا من الصور لها عرضتها على (الجروب ) وطلبت منهم أن يبتكروا في عمل زينة لغرفهم (من الفوم والفوانيس الورقية وغيرها) وتلقيت الكثير من الصور على الجروب وشجّع الأطفال بعضهم البعض، ومن المؤكد أن المستويات كانت متفاوتة، فقررت أن أشكر الجميع، وأن أعلن أن جميع الأعمال جميلة.. وأجريت قرعة مسجلة (بالفيديو) حيث اخترت من فريق البنين ولدين فائزين وهكذا مع البنات، وكانت الجوائز عبارة عن (كروت شحن للجوال) يتم إرسالها لهم على أرقامهم الخاصة، ولم يكن هناك فرصة لتنوع الجوائز، خاصة وأن هذه الهدية هي الأنسب مع تباعد المسافات ومع التواصل عن بعد، وقد ساعدني زملائي في تحفيز من لم يفز من المشاركين كمحاولة لإسعاد جميع الأطفال، حيث تم عمل (لوجو) بأسمائهم على شعار الجروب (رمضان أحلى مع المتنافسين)،كجائزة رمزية لهم.. وكان يومًا ممتعًا.
مشكلات واجهتني
ولم يخل الأمر من مشكلات فمن ناحية التنظيم والتحدث مع 20-30 طفل في وقت واحد كان أمرًا ليس باليسير، خاصة مع بدايات الجروب والتعارفات الجانبية، والتكاسل في كتابة الإجابات وإرسال الإجابة في رسالة صوتية، لكن تم وضع بعض القواعد التنظيمية وبالفعل نفذوها وحفظوها وباتوا يكررونها للمستجدين من الأطفال.
وقد كان من الملاحظ أن جمهور البنات أكثر عددًا وحرصًا على التركيز والاستفادة من البنين.
ولعل من أبرز المشكلات كذلك هي أنني لم أكن استعددت بشكل كاف من تسجيل القصص. فالأمر كنت أظنه يسيرًا لكن التبحر في قصص الأنبياء جعلني اكتشف وأقرأ العديد من الروايات منها الصحيح ومنها ماهو من الإسرائيليات، لهذا كثيرا ما كنت ألجأ لدار الإفتاء المصرية وللمتخصصين؛ للتأكد من بعض الروايات، بعدها أُقوم بتبسيط المعلومة لهم، وأحكيها باللهجة المصرية الممزوجة بالفصحى..وتبسيط المعلومة لا يعني أن تكون سطحية لكن معناه أن أنتقي ألفاظي بعناية بعيدا عن التعقيدات وعن أي استثارات قد لا تتناسب مع أعمارهم فمثلا في قصة قصة سيدنا أدم وبداية الخلق لم أركز على أن أبنائه الذكور قد تزوجوا من أخواتهم الإناث.. فعقولهم قد لا تفهم هذا التشريع الذي تم تحريمه بعدما تم تعمير الكون. وكذلك الحال مع قصة سيدنا يوسف وامرأة العزيز شرحت لهم ما يفهمهم ببساطة أنها كانت تلاحقه في كل مكان دون تفاصيل قد تثير أذهانهم.
وبدأ رمضان
مع بداية رمضان والشروع في تنفيذ الفكرة بشكل جيد تم إضافة فكرة جديدة تتيح للجميع المشاركة في ختمة جماعية لمرات عديدة خاصة وأن الأعداد كانت كبيرة، و فكرة ختمة رمضان تتلخص بأن يقرأ الواحد منهم ما تيسر من القرآن ويقوم بكتابة آخر رقم صفحة توقف عندها بجوار اسم (الجروب)، ثم يأتي الذي بعده ويغير رقم الصفحة بعد القراءة وهكذا، بشرط أن يتم القراءة من المصاحف التي تُختتم صفحاتها بأية وتبدأ بآية… ومع الاستمرار والإقبال تم عمل مكافاة رمزية يومية للمجتهدين من القراء، بحيث تم مكافاة الجميع خلال الشهر الفضيل.
ولعل مساهمة كثير من الأمهات في شراء الهدايا للمتسابقين، وإرسالها لي لأمنحها للفائزين أتاح لي التوسع في عمل المسابقات، وبالفعل تم عمل ثلاثة مسابقات أخرى، مع الاستمرار في لقائنا شبه اليومي ..كما ساعدتني بعض الأمهات في البحث عن الفوازير والمسابقات الخاصة بقوة الملاحظة وإرسالها لي لاطرحها عليهم، وقد كانت تضفي جوًا رائعًا من البهجة والمنافسة بين المتنافسين.
و في المسابقة الأولى طلبت منهم أن يقوموا بالدور نفسه الذي أفعله وأن يسجلوا بأصواتهم قصة سيدنا نوح ثم يرسلوه لي على (الواتس الخاص بي) للتحكيم، وقد أُتيح لهم الاستعانة بالانترنت أو سؤال الوالدين.
استشرت الأمهات على (الجروب المدرسي)، وأوضحت لهم أني أنتوي أن أنشىء جروبًا على الواتس بعنوان (رمضان أحلى مع المتنافسين)
تلقيت منهم قصص مسجلة مميزة جدًا، تنم على البحث والقراءة بشكل جيد، وأخرى بها الكثير من الأخطاء لهذا تم عرض هذه المميزة على الجروب بعد إعلان الفائزين بالجائزة الأولى التي كانت عبارة عن كرتين شحن، بينما الذين حصلوا على المركز الثاني فقد حصلوا على كارت واحد فقط دون عرض تسجيلاتهم.
وقد اختلفت المسابقتين الثالثة والرابعة عن السابقتين حيث كانت عبارة عن عشرة أسئلة متنوعة منها ماهو ديني وعلمي وثقافي، ويمكن من خلال الاستعانة بالإنترنت الإجابة على هذه الإسئلة وإرسالها لي للتقييم على (الخاص)، وقبل الإعلان عن الفائزين بالمركز الاول والثاني، يتم تنزيل الإجابات الصحيحة للمسابقة؛ ليعلم كل مشارك أين تكمن أخطائه؟
وبعد هذه التجربة الرمضانية التي أسعدتني وأفادتني قبل أن تفيد الأطفال بل وأمهاتهم اللاتي كثيرًا ما قمن بمراسلتني بأنهن حصلن مع أولادهن على العديد من المعلومات الدينية من خلال هذا الجروب.. كما شاركن أولادهن في ختمة القرآن الكريم عليه… هذه التجربة التي أنتوي تكرارها بإذن الله تعالى…جعلتني أتساءل لماذا لا تعمم هذه التجربة؟ بحيث تقوم بعض الأمهات بعمل جروب على شاكلته وفقا لتخصصاتهم، فمثلا الطبيبة لماذا لا تقدم عبر جروب يخصص للأطفال نصائح طبية أو معلومات طبية مبسطة؟ لماذا لاتشرح لهم طرق الاسعافات الأولية للمريض، ولماذا لا تسهم معلمة الرسم في تعليم بعض الأطفال كيفية الرسم بشكل مبسط، وماذا عن امتزاج الألوان أو الطباعة على القماش أو غيرها من الأمور؟ لماذا لا يكون لمحفظة القرآن دور معهم؟ وكذلك أخصائية الاقتصاد المنزلي والطبيبة النفسية و..و..و..
هذه كانت تجربتي أرجو من الله أن يتقبلها.. وأرجو أن تطبق بشكل أو بآخر فأبناؤنا يحتاجون من يتواصل ويتحدث معهم ويفيدهم ويسعد بتفاعلهم.