من المعروف أن كسوة الكعبة يتم تغييرها كل عام وسط احتفال مهيب بحضور الحاكم وأعيان وسادة مكة المكرمة، وتشير بعض المصادر إلى أن سيدنا إسماعيل عليه السلام هو أول من كسا الكعبة، وأن (تُبَعْ) ملك حمير كساها بالخصف سنة 220 قبل الهجرة ثم بالمعافير (كسوة يمنية) ثم بالملاء (قماش لين رقيق) وجعل لها بابًا ومفتاحًا، إلى أن جاء أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي – أحد أثرياء قريش – وقام بمهمة كسوة الكعبة سنة وقريش سنة، إلى أن مات، ويذكر أن أول امرأة كست الكعبة كانت (نبيلة بنت حباب) أم العباس بن عبد المطلب إيفاءً لنذر نذرته، وكساها الرسول في حجة الوداع بثياب يمنية.
وقد اهتمت مصر بأمر الكسوة منذ زمن بعيد، فقد أرسلت الكسوة المصنوعة من القماش القباطي – نسبة إلى الأقباط الذين أجادوا صنعه – بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، وكذلك فعل الخليفة عثمان بن عفان، واشتهرت مدن : شطا وتونة وتنيس بدمياط بصناعة منسوجات الكسوة ، وكُتبت عليها عبارة (بسم الله بركة من الله) في عهد كل من الخلفاء : المهدي وهارون الرشيد والمأمون ، وذلك حسبما جاء في كتاب (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) لأبي الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي. وشهدت مصر في عهد الدولة الإخشيدية إنشاء دار خزائن الكسوة، كما أن العصر الفاطمي كان عصرًا ذهبيًا للمنسوجات المصرية عامة والكسوة خاصة، حيث أنشأ الفاطميون ديوان خزائن الكسوة، كما أن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي بنى دار الكسوة 362 هـ، وكانت الكسوة تصنع من الديباج الأحمر بها اثنا عشر هلالا مذهبًا ومزخرفة بالياقوت الأحمر والأزرق والأصفر مع كتابة آيات الحج بزمرد أخضر.
أول امرأة كست الكعبة كانت نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبد المطلب إيفاءً لنذر نذرته، وكساها الرسول في حجة الوداع بثياب يمنية.
وتخصص حي الخرنفش بالجمالية بالقاهرة في صناعة الكسوة، التي كان يتم تسليمها في احتفال كبير يشارك فيه كبار رجال الدولة، وكانت جزءًا من المحمل، وكان أول سوق يقام له في عهد الملك منصور سيف الدين بن قلاوون المملوكي 681 هـ حيث كانت تُحمل الكسوة ويطاف بها في كل أنحاء القاهرة. وكان المحمل يخرج من أمام المشهد الحسيني ثم صحراء الريدانية إلى منطقة بركة الحاج التي كانت محطة لاستراحة الحجيج قبل السفر وعند العودة. وعندما تولت السلطانة شجرة الدر مقاليد الحكم بعد وفاة زوجها السلطان نجم الدين أيوب آخر السلاطين الأيوبيين أمرت بوضع الكسوة في صناديق خاصة على ظهر جمل (هودج) حتى يصل إلى القلزم – السويس . حيث تنقل بحرًا عن طريق ميناء عيذاب على البحر الأحمر إلى الأراضي الحجازية. وتعد شجرة الدر أول من بالغ في تزيين الهودج. ومن المعروف أن الهودج كان أشبه ببيت على ظهر الجمل لحماية وراحة النساء والأطفال، وكان يصنع من الأخشاب الرطبة تثنى على شكل قوس ويُكسى بنسيج صوفي وهو أشبه بالخيمة.
وهناك وقائع طريفة في عالم المحمل، منها واقعة الشيخ مرزوق اليماني وجمل المحمل، حيث برك الجمل أمام المشهد الحسيني ، وعندما حضر أمير الحج ليتسلم المحمل لم يقف الجمل رغم كثرة المحاولات من جانب الأمراء وعلية القوم، فتقدم الشيخ مرزوق اليماني – ولد باليمن واستقر بمصر وله مسجد بحي الجمالية – وتناول مقود الجمل من أمير الحج فهب الجمل واقفًا وأخذ يسرع الخطى والشيخ مرزوق يقوده حتى وصل إلى القلزم عام 648 هـ، وظل يقود المحمل حتى وفاته 677 هـ وقد بقي هذا التقليد في ذريته حتى توقف موكب المحمل بعد قيام ثورة يوليو 1952م ، ومنذ عام 1962م اقتصرت صناعة الكسوة على المملكة العربية السعودية.
ويذكر أن حيدر باشا وزير الحربية – قبل قيام ثورة 1952م كان حريصًا على المساهمة بأكبر قدر من أسلحة الجيش وقواته في احتفال خروج المحمل من القاهرة، كما يذكر أن محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء آنذاك كان يسلم مقود جمل المحمل إلى سعد جودة – رئيس مجلس النواب باعتباره أمير الحج.
أما رسوم الحج على جدران منازل الحجاج المصريين في العاصمة وقرى الدلتا والصعيد تميزت بطابع فطري أصيل، وكان فنًا يمكن أن يطلق عليه منمنمات مصرية، كانت تعد ولا زالت أيقونات تشع بهجة وفرحة. وكانت تلك الرسوم على يد فنانين بسطاء من أبناء القرية أو الحي، وربما كان بعضهم لا يجيد القراءة والكتابة، لكنهم على دراية بمفردات الحج فيعبرون عنها تعبيرًا صادقًا ليصبح في النهاية فلكلورًا مصريًا خالصًا. شملت الرسوم : الكعبة الشريفة حولها لفظ الجلالة وبعض الآيات المرتبطة بالحج، وعبارات الترحيب والتهنئة بأداة فريضة الحج والعودة سالمين، وفارس معتليًا جمل، ولقد اهتم بعض الفنانين الغربيين بهذا الفن، وذلك منذ مئات السنين، ومن أمثلة ذلك تلك اللوحة التي نشرتها جريدة الجرافيك الإنجليزية في 2 مارس 1902م للفنان الإنجليزي (بويد ستيوارت) وتجسد الفنان المصري البسيط الذي يرسم بعض مشاهد رحلة الحج على واجهة منازل الحجاج بألوان بسيطة وتلقائية أبسط ، وكانت مفردات هذه اللوحة : صحراء وجمل وقطار وباخرة، ورجال ونساء يهنئون الحاج، وإلى جانب ذلك سجل الفنان الإنجليزي آفون نيل بعدسته عبر رحلة استغرقت عشر سنوات، مصورًا مظاهر فريضة أداء الحج في العديد من قرى الدلتا والصعيد، وضمنها في كتابه (يوميات الحج).
المصادر
- عادات وتقاليد موسم الحج: هند باغفار، المجلة العربية، السعودية ، العدد 443، ذو الحجة 1434هـ-أكتوبر 2013ن ص 22.
- أخبار مصر: محمد بن علي بن ميسر، جزء 2 ، تحقيق هنري ماسيه، المعهد العلمي الفرنسي، 1919م، القاهرة، ص 44.
- مساجد مصر وأولياؤها الصالحون: د. سعاد ماهر ، جزء 2 ، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر، 2017م ، ص 313 ، 314 بتصرف.
- رحلة الحج وتاريخ الكسوة: عمرو عبد العزيز ، مجلة العربي، الكويت، العدد 671هـ – أكتوبر 2014، ص 50.
- إمارة الحج في العصر العثماني: سميرة فهمي عمر، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 1983م.
- الحج فرض مرسومه على الجدران: أمل الجيار، جريدة الأهرام المصرية، 2/9/2016، ص 4، ملحق الجمعة فنون .
- رحلة بعدسة غربية لتوثيق رسوم الحج: ماجدة الجندي ، جريدة الأهرام المصرية، 1/9/2017، ص 3، ملحة الجمعة فنون.