يتجلى طيف أندلس في المدائن، ينسكب دمعها في المآقي، يبعث الومضات ومضة تلو الأخرى عسى فارس يلتقط الإشارة. تنتقل بين الشطآن والخلجان تنثر عصافير من روحها، وتعزف إيقاعات في لون قوسِ قزح، تستنهض حضورًا بهيًّا، يختزل الزمن إلى معنىً في رحابة الكون وعمق الهدى.
قيل إنه قمر يغازل بنفسج الحروف، وقيل إنه البحر يسكّن هدير الصمت ورعشة الصخب، وقيل إنه لهيب غربة مارقة من أعراف القبيلة.
وقالت: إنه السندباد يزفّ لأندلسية الحلْم نوارس اليقين؛ تتسلل أشعّة وصله إلى عمق الروح، تزرع ظلالاً بنفسجية، تعيد للزمن الأخرس بهجته، تحتضن أبجدياتي المبعثرة، تعيد تشكيل أزهارها لونًا فلونًا، ويخبّئ في أحضاني رياحين الوجد والسؤال.
ويأتي السندباد من عبق تسبيح الأرواح في ملكوت النور، فقد آن للمولود أن يرى النور بعد أن ظل يزلزل الجوى طيلة عقود من الزمن، وآن لخبث الواقع الذي يتخلق شائهًا يومًا بعد يوم أن يتطهر في شلالات الوحي وأنهار الحبيب صلى الله عليه وسلم.
ويقول لأندلس: “تكبرين في أعماق الروح دهرًا فدهرًا، فاكتبيني أحرفًا نورانية التشكيل، وامنحيني تأشيرة الإبحار في خضرة المعلوم. أنا قبّرة ليس يأويها سوى غصنِ ظلّك الظليل، أنا قطر الندى موطنه وجنتا زهرك العليل”.
وتقول أندلس: “إني آنست وجدًا يشتعل في الروح فكتبتكَ نبضًا يركض في بساتين الآتي، يشتّت أوصال الزمن العسير، ويهب للقلب نخيل إيمان. وأكتبك كل فجر في محاريـبي الشاردة عساها تزهر بمفاتن اليقين، وتدخلها بسلام وأمان. وأصير غيمة تسرح في فضاءاتك، جناحًا يحتوي دفء صلاتك.. وأحبك.
أحبك نَورسًا يعبر أمواج العمر، يعانق بياض الروح، يرشف دموع صمت وشوق تساقطت فوق جمار النسيان حتى يتفصد كَوني عشقًا.
فإلى أي مدى تتوغل أندلس فيك، وتغدو أُمّة تنتفض بك… فإذا الأرض سكينة وسلام، وإذا النفوس آمنة مطمئنة، وإذا الحب يوغل حتى يصير في عمق الآذان، والأرواح تعد أن تظل في عنفوان التئامها تحذّر الانزلاق جهة التشظي، ولا ترضى إلا بالإقبال على السموّ والصفاء.
(*) جامعة عبد المالك السعدي، تطوان / المغرب.