إن أجمل الأحياء الإنسان، ولعل أجمل ما في الإنسان عيناه، فإذا كان لكل شيء خلاصة، فخلاصة الإنسان عينه، وهي مستودع سره، وهي النافذة التي يطل منها غيره على ما في أعماق نفسه، وهي الترجمان الذي يعبر أصدق تعبير عما يجول في نفسه من عواطف تعد وتتوعد، وترغب وترهب مرة شواظًا من نار، ومرة شآبيب من عطف وحنان. والعين هي نعمة الإبصار عند الإنسان والتي يرى بها كل شيء من حوله، أي أنها المصدر الأكبر لمعرفته في هذه الحياة.
فما هذه العين التي تحمل كل هذه الأسرار؟
عندما يبلغ عمر الجنين أربعة أسابيع يظهر تجويفان في جانبي الرأس، تبدأ العين بالتكون في اليوم 22 على هيئة أخدود بصري optic groove و في اليوم 28 تتكون الحوصلة البصرية optic vesicle ثم تغلظ العدسة lens placode وفي الاسبوع السابع يتكون بؤبؤ العينpupil، حيث تبدأ الخلايا بصنع الأجزاء المختلفة من العين .
تبدأ الخلايا بصنع الأجزاء المختلفة من العين طوال عدة أشهر ضمن خطة خارقة لا يتصورها العقل، فبعض الخلايا يقوم بصنع قرنية العين وبعضها بؤرة العين وبعضها عدسة العين، وعندما تصل الخلية إلى حدود نهاية ذلك القسم تتوقف عن العمل. كل خلية تعمل لصنع جزء من العين، ثم يتم الاتحاد بين هذه الأجزاء بشكل رائع: من أين تعرف هذه الخلايا أن عليها إنشاء طبقات مختلفة ؟ وكيف تقرر بدايات هذه الطبقات ونهاياتها ؟ ليس لهذه الأسئلة إلا جواب واحد، وهو أن هذه الخلايا تتحرك حسب الإلهام الإلهي، ولذلك تستطيع التصرف بوعي .
لا شك أن إنجاز هذا العمل لا يعود إلي الخلايا لأن هذه الخلايا إنما تتحرك بإلهام من قبل العليم الخبير،والعين كرة صغيرة تسكن في تجويف في الجمجمة يسمى محجر العين. ويختفي أكثرها في محجرها فلا يظهر منها سوى ذلك الجزء الصغير الذي يرى في الوجوه.وهذا الجزء الصغير الظاهر قد يوحي ببساطة التركيب، وهو في واقع الحال يخفي وراءه من روعة التصميم ومحكم النسيج ما يفوق كل تصور.
هل نظرت إلى التراكيب المختلفة التي يحويها هذا الحيز الصغير، وتأملت ذلك التناسق في عمل تلك الأجزاء المختلفة، فكل تركيب معجزة في حد ذاته، ومع ذلك يؤدي عمله في تناغم بديع، فلا اختلاف ولا فتور!. وتأملت إبداع الصانع الذي لم يفته شيء فكل شيء عنده بمقدار.
وقفة تأمل
والعين أجمل تراكيب الوجه، وأجمل من العين صنعة الخالق فيها، هل نظرت إلى الأهداب كيف تضفي على العين جمالاً يثير قرائح الشعراء، ولكنها في ذات الوقت تحمي العين وتقيها من الأتربة.
وانظر إلى الجفون كيف تنطبق لاإراديا في الدقيقة الواحدة عدة مرات، لتمكن الدموع من غسل العين، ولكن دون أن يؤثر ذلك على الرؤية المستمرة ودون شعور من الإنسان بحركة سائل في العين!.
وتأمل كيف تنزلق الجفون فوق العين دون احتكاك، بفضل المادة الزيتية التي تفرزها الغدة في غضروف الجفن، حركة متسلسلة لا يكاد يشعر بها الإنسان.
ثم هل نظرت كيف تتحرك العين حركة سريعة خاطفة وهي في محجرها لتتبع المرئيات عن يمين وشمال، دون جهد يذكر، ودون شعور من الإنسان، فلا تفوته رؤية شاردة ولا واردة!. وأعجب من حركة العين حركة إنسان العين سعة وضيقا تبعا لمقدار الضوء وبعد الجسم المرئي من العين، وهي كذلك حركة لا يشعر بها الإنسان، ثم هل أمعنت النظر إلى عدسة العين وهي تتفلطح تارة وتتقلص تارة أخرى حسب بعد الجسم المنظور من العين، وتأملت الانسجام في حركة إنسان العين مع حركة العدسة دون توجيه أو إشراف من الإنسان، بل دون وعي منه !.
تركيب شبكية العين في الإنسان
وإن تعجب لشيء فاعجب للشبكية وهي طبقة رقيقة ذات مساحة محدودة كيف حوط ذلك الحشد من ملايين الخلايا، وانظر كيف تمايزت خلايا الشبكة فاختص كل نوع بعمل لا يقوم به غيره ! ثم هل تأملت الإبداع في تحويل طاقة الضوء إلى تنبيه للخلايا العصبية، من خلال عمليات كيميائية معقدة تتم في زمن يكاد لا يذكر !. فإذا تتبعت الأعصاب في طريقها من مؤخرة العين إلى المخ، فإنما تتبع معجزة في الخلق منقطعة النظير.
وأعجب من كل ما تقدم إدراك المخ لصور المرئيات،أشكالها وأحجامها وألوانها على اختلافها وتعددها الهائل، وأعجب من ذلك كله تداعي المعاني والأحاسيس التي يثيرها إدراك مرئيات بعينها!.
هل تعلم أنك أثناء قراءتك هذا الكلام، تكون قد استعملت جميع أجزاء عينيك عشرات بل مئات المرات، وتكون مئات العمليات الكيميائية قد حدثت في عينيك بسرعة خيالية. فهل شعرت بشيء من هذا كله؟
فهل شكرنا الله تعالى على هذه النعمة العظيمة؟.