العلم والتهذيب

أخو الــعــــلم حي خـالــد بعـد مــــــوتــه *** وأوصــاله تحـت التـــراب رحــــــــــــيم

وذو الجهل ميت وهو عاش على الثرى ***    يُظـــن من الأحيـــــــــاء وهـــــو عــــديم

الإنسان يملك الحواس الخمسة ويتمتع بها كما أن الحيوانات تملكها وتستفيد منها، فالإنسان يستطيع أن يرى، ويسمع، ويذوق، ويلمس، ويشمّ والحيوانات والبهائم كذلك. ولكن الشيء الوحيد الذي يفرق بينهما هو العلم الذي أعطاه الله تعالى الإنسان أولاً قبل كل شيء، فالعلم نعمة قيّمة أنعم الله تعالى على الإنسان شرفًا وتعظيمًا له، فمن وفق بالعلم كان عند الناس ذا مرتبة عالية وكان عند الله من المقربين.

الــعــــــــلم:

العلم هو حجر الأساس الذي قامت عليه الإنسانية وهو يوسّع مدارك الإنسان وآفاقه، والعلم هو الشيء الوحيد القادر على حل المشاكل الاجتماعية التي تواجه البشرية، وهو نور ينوّر عقل الإنسان وأفكاره وقلبه ويزيل ظلمات الجهل والغي، فالعلم النافع به يصلح القلب وبه يصلح العمل ولهذا لم يأمر الله تعالى نبيّه صلى الله تعالى عليه وسلّم وأمّته من بعده أن يزدادوا من شيء شيئا إلا أن يزدادوا من العلم قال تعالى: (يَرْفَعِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(سورة المجادلة-11)، بيّن المفسّرون في هذه الآية: أن الله تعالى رفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “مدح الله تعالى العلماء في هذه الآية، والمعنى: أن الله تعالى يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا بما أمروا”. العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان، والنحو للسان.

العلم هو حجر الأساس الذي قامت عليه الإنسانية وهو يوسّع مدارك الإنسان وآفاقه، والعلم هو الشيء الوحيد القادر على حل المشاكل الاجتماعية التي تواجه البشرية، وهو نور ينوّر عقل الإنسان وأفكاره وقلبه ويزيل ظلمات الجهل والغي

وكذلك مخارج العلوم أربعة: علم رافع: وهو العلم الشريف من التفسير والحديث والفقه. وعلم ساطع: وهو علم الأدب والأخبار الرفيعة، وعلم نافع: وهو علم الطب والهندسة والحساب، وعلم واضع: وهو علم الكهنة من السحر وما أشبه.

العـــــــــالـم:

قد أحطنا العلم بأن العالم بالشرع له فضائل لا تحصى وأنه يصهر الإنسانية في بوتقة التهذيب وهو يهديهم من أسفل دركات الذل والجهالة إلى أسمى درجات العز والثقافة وينفخ روح التطلع والنشاط في المسلمين. فالعالم يستطيع أن يحل كل المشاكل العقائدية، والعملية، والإقتصادية، والسياسية، والإدارية. وهذا هو الإنسان الوحيد الذي يتعطش إليه العالم كله غربيًّا كان أم شرقيًّا، ولذا بين الله سبحانه تعالى العالم والجاهل مع التضاد قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)(سورة الزمر-9)، فالعالم إذا عمل بعلمه مع حسن نيته فربما يكون أعظم من الشهداء.

العالم بالشرع له فضائل لا تحصى وأنه يصهر الإنسانية في بوتقة التهذيب وهو يهديهم من أسفل دركات الذل والجهالة إلى أسمى درجات العز والثقافة وينفخ روح التطلع والنشاط في المسلمين

وأما مجلس العلم فله فضيلة أيضا كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده، أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من صاحبه. أما هؤلاء فيدعون الله عز وجل ويرغبون إليه، وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه ويعلمونه الجاهل فهؤلاء أفضل، وإنما بعثت معلمًا، فهذا هو فضيلة العالم ولهذا يقال: “إذا زل العالِم زل بزلّته العالَم” و “موت العالِم موت العالَم”.

المـــتعــــلـم:

حياة المتعلم مملوءة بالبركة فإنه ما كان في دور التعلم والتدريس يُنزل الله تعالى عليه بركات ورحمات من السماء عليه وينصره في أموره كله كما روى قيس بن كثير رضي الله عنه فقال: “قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال ما أقدمك يا أخي؟ فقال حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: أما جئت لحاجة؟ قال: لا. قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا وقال ما جئت إلا في طلب هذا الحديث. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقًا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، و إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.

والمتعلم ما دام منغمسا في التعليم يكون في رحمة الله وإذا مات كان شهيدًا وكان في الآخرة على درجة عالية كما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: “من جاءه أجله وهو يطلب العلم لحيي به الإسلام لم يفضله النبيون إلا بدرجة واحدة”.

ولكن من الأسف البالغ كثير من العلماء والناس قد أساءوا ظنًا بالعلم في أن العلم الديني لا يجعل لصحابه شأن وأن الشأن يكون لغيرهم، ولكن هذا كله من سوء الظن، فالواجب على طالب العلم أن يحسن ظنه بالله العزيز الرحيم وأن يحسن ظنه في عمله للعلم وأن يحسن ظنه بالعلم والعمل جميعًا.

وفقنا الله تعالى جلّ وعلا لخدمة العلم والدين، والهداية إلى الدين المتين والمنهج القويم.