في إطار نداوتها الدورية مع الكتاب والقراء واحتفاءً بمرور أربعة عشر عامًا على صدور مجلة حراء الغراء، وبمناسبة صدور العدد 68، عقدت مجلة حراء بقاعة الندوات بمقر دار البروج للطباعة والنشر بالقاهرة ندوة قبل أمس الثلاثاء 26 -9 -2018 بعنوان: “قراءة في العدد 68”.
استضافت المجلة كاتبين من أبرز كُتَّاب هذا العدد وهما، الأستاذ/ السنوسي محمد السنوسي الكاتب والباحث المتخصص في الفكر الإسلامي. بالإضافة إلى الأستاذ/ محمد السيد محرم الباحث والخبير التربوي وباحث ومدرب التنمية البشرية.
كما استضافت المجلة لفيفًا من الطلبة الوافدين من جنسيات مختلفة، وعددًا من باحثي الماجستير والدكتوراه، وبعض المفكرين والمثقفين المهتمين بقضايا الفكر الإصلاحي الإنساني، من داخل مصر وخارجها.
أدارة الندوة الدكتور/ صالح القاضي الباحث المتخصص في الفكر الإسلامي، وأحد العاملين في مشروع نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية.
بدأت الندوة بكلمة للأستاذ السنوسي محمد السنوسي حول مقالته في العدد 68 والتي كانت بعنوان “الغرباء.. جدائل من الوعي والمعاناة”، واشتملت على خمسة محاور:
المحور الأول: الفرق بين الغربة والاغتراب، وكيف حوَّل الأستاذ كولن في كتابه “الغرباء” مفهوم الغربة من مفهوم سلبي يعني الانعزال وفقدان الأمل، إلى مفهوم إيجابي يدعو إلى الإصلاح والتعمير والبنا، والتواصل مع الآخر.
المحور الثاني: توضيح الرؤية الوسطية المتوازنة بين العقل والقلب التي يطرحها كتاب “الغرباء”، ودعوته إلى عقد صلح بين العقل والقلب، وإنهاء عداء بينهما جرى لا موجب له، وأن هذه المصالحة المرجوّة شرط أساس للانبعاث المترقَّب بعد خمود طويل.
المحور الثالث: تركيز كتاب “الغرباء” على جعل التخطيط الاستراتيجي وفتح مساحة للمتغيرات منهجًا راسخًا في تَلمُّس الغرباء لطريقهم، حتى يمكن أن يحققوا الآمال المرجوة، ويبتعدوا عن العشوائية والفوضى.
المحور الرابع: بين التقليد الأعمى والاقتباس المُبصِر، فالأستاذ كولن وإن دعا للإفادة من الآخرين؛ إلا أنه حذِّر من الانخداع في النقل الذي يكون محاكاة وتقليدًا أعمى، لا تلاقحًا ونقلاً مبصرًا. فلا تعني الدعوة إلى الإفادة مما لدى الآخرين من حكمةٍ التنكرَ لماضينا، ولا ازدراء تجربتنا.
المحور الخامس: بين استغراق الحاضر واستشراف المستقبل، حيث نبه كولن على أن إحدى الآفات القاتلة التي عرقلت العقل المسلم ومنعته من الخروج من الأزمات التي ألمت به، هي عدم قدرته على مدِّ البصر خارج حدوده الزمانية والمكانية.
أما الكلمة الثانية فقد ألقاها الأستاذ محمد السيد محرم حول مقالته “عقد المحبة”، وقد حلَّق خلال كلمته حول عدد من الوقفات المهمة التي ترعى الانتباه في المقالة.
الوقفة الأولى: دارت حول ثراء السنة النبوية وخصوبتها بالعديد من الأفكار التي يمكن من خلالها إثراء علم الاجتماع، واستنباط المزيد من المواقف التي تفيدنا في تغيير السلوكيات المغلوطة في مجتمعاتنا المعاصرة، وبهذا لا تقف حدود الاستنباط من السنة النبوية على الأحكام الفقهية وتفسير القرآن الكريم فقط، بل يمكن الإفادة منها في علم الاجتماع أيضًا.
الوقفة الثانية: كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع مقتنيات زوجته باحترام وذوق رفيع؛ ليقدم بهذا التعامل عربون المحبة الدائم عبر تلك المواقف التي يحسبها الزوج صغيرة، بيد أنها تقع موقعًا كبيرًا في نفوس الزوجات. والرجل الفطن هو الذي يستغل كل فرصة ليقدم هذه الإشارات واللفتات.
وشتان الفارق بين ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وما يفعله بعض الأزواج الآن من إهمال متعمد للزوجة وعدم تقدير لاحتياجاتها.
الوقفة الثالثة: واقعية المجتمع في عصر النبوة، فقد كان مجتمعًا حرًّا واقعيًّا يتعامل مع الأحداث والأشخاص بواقعية تامة، ويظهر ذلك جليًّا من غضب الصحابة من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالبحث عن العقد؛ إذ ليس معهم ماء يشربون منه أو يتوضؤون، فضلًا عن خُلوِّ المكان من الآبار والعيون.
الوقفة الرابعة: نزول رخصة التيمم، واعتراف الصحابة الكرام وعلى رأسهم أبو بكر وأسيد بن حضير بفضل عائشة رضي الله عنها، حيث قال لها والدها: والله يا بنية ما علمت إنك لمباركة!! ما جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر!!. وفي رواية قال لها أسيد: جزاك الله خيرًا، فو الله ما نزل بك أمر تكرهينه قط إلا جعل الله لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بركة.