النسيان هو عبارة عن فَقْد التذكر، أو عدم إمكانية استرجاع المعلومة عند الحاجة إليها. وقد أنعم الله على الإنسان بذاكرة قوية وقدرة خارقة على الحفظ، ووهبه عقلاً لم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة أسراره. فيحتوي مخ الإنسان على قرابة عشرة بلايين خلية عصبية، وكل خلية منها على علاقة بما يقارب العشرة آلاف نقطة عصبية. وهناك مقولة معروفة تقول إن “العقل السليم في الجسم السليم”، هذه المقولة أطلقها الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون، وكان يقصد بها أن سلامة الجسم هي المحرك الأساسي لعقل يتميز بالذكاء والحكمة.
ولمخ الإنسان سعة محددة لا تسمح بتزاحم وتكدس المعلومات والأحداث بداخله، ولذلك عند إضافة معلومة جديدة للعقل يبدأ تلقائيًّا بمحو أول معلومة تم تخزينها فيه. لذا فمخ الإنسان مثل سائر أعضاء الجسم؛ يحتاج إلى مواد خاصة تساعده على إتمام عملياته الحيوية، وتجديد نشاطه، والقدرة على التذكر واسترجاع المعلومات المخزنة فيه.. كما أن المخ يحتاج إلى عوامل تساعده على تنشيط الذاكرة، وتقلل من درجة النسيان التي قد تصبح مرضية بسبب إهمالنا لاحتياجات المخ الغذائية، أو اتباع العادات السيئة؛ مثل عدم النوم لساعات كافية ليلاً، والتدخين، وإدمان الكحولات.. وكذلك الاعتماد على الأجهزة الحديثة في تذكر الأعمال الهامة اليومية، مما يؤدي إلى إهمال تنشيط خلايا المخ، ومن ثم يؤدي ذلك إلى كثرة النسيان.
كيف ننشِّط الذاكرة؟
أ- ممارسة الرياضة: والمقصود هو ممارسة أي نشاط بشكل منتظم ليحرك الدم في الجسم، ويصفي الذهن والعقل، وينقي الجسم من السموم.. وأيضًا ممارسة الرياضة تزيد من كمية الأكسجين الواصل إلى خلايا الجسم ومن ضمنها خلايا المخ. وأبسط هذه الرياضات هي ممارسة المشي -على الأقل نصف ساعة يوميًّا- أو ممارسة التمارين الرياضية الاعتيادية اليومية في البيت، أو ممارسة أي نشاط رياضي في النوادي الرياضية بمعدل نصف ساعة يوميًّا على الأقل.
بـ- النوم: يشكل النوم -لساعات متواصلة، وفي وقت محدد قدر الإمكان ليلاً من 6-8 ساعات- وسيلة إيجابية للجسم وللمخ وبالتالي للذاكرة. أكد العلماء أهمية النوم العميق في شحن الذاكرة ودعم القدرة على تعلم اللغات. وقدم باحثون بجامعة “شيكاغو” دليلاً يبين أن نشاط الدماغ أثناء النوم، يعزز من قدرات ومستويات التعلم. وإن للنوم تأثيرين اثنين -على الأقل- على التعلم، فهو يقوي الذاكرة ويحميها من التشويش أو التآكل، بالإضافة إلى أن النوم ينعش أو يستعيد المعلومات القديمة.
جـ- القراءة: يتم تنشيط الذاكرة وتمرينها بالقراءة والمطالعة أيضًا، ومحاولة حل بعض الألغاز العامة، وممارسة بعض الألعاب التي تحتاج إلى التفكير وتنشيط المخ مثل لعبة الشطرنج والكلمات المتقاطعة، والألعاب التي تعتمد على الأرقام وحفظها شفويًّا دون كتابة.
د- التقرب إلى الله: وذلك بالصلاة، وقراءة القرآن، وزيادة التسبيح.. فإنها تساعد المخ على حفظ المعلومات بشكل جيد، واسترجاعها وتذكرها وقت الحاجة إليها.
هـ- الغذاء: مخ الإنسان مثل سائر أعضاء الجسم، يحتاج إلى مواد غذائية تساعده على إتمام عملياته الحيوية وتجديد نشاطه، والقدرة على التذكر واسترجاع المعلومات المخزنة فيه. بالتالي فإن المخ يتأثر بالعناصر الغذائية التي يتناولها الإنسان في غذائه عن طريق إنتاج ما يسمى بـ”الموصلات العصبية”، وهي مواد كيميائية تنقل الإشارات والتعليمات بين الخلايا العصبية، وتؤثر في الذكاء والتفكير والإبداع والمزاج والقدرة على الاستيعاب والاحتفاظ بالمعلومات، وتذكر واسترجاع المعلومات المختزنة في المخ. وقد تَبيّن أن عند نقص أو عدم توازن هذه الموصلات العصبية، يعاني الإنسان من الاكتئاب أو قلة التركيز أو ضعف الذاكرة.. كما أن المخ بحاجة إلى كميات وافرة من بعض العناصر والمركبات الكيميائية الطبيعية الغذائية المهمة لنشاط خلايا المخ ولإنتاج الموصلات العصبية. أهم أنواع العناصر الغذائية اللازمة لنشاط المخ وقدرته على التركيز هي:
1- الأحماض الأمينية: وهي الوحدات البنائية للبروتين، مثل “التريبتوفان”، وحمض “الليسين”، وحمض “الفينيل ألانين”. والمعروف أن حمض “التريبتوفان” هو أهم الأحماض الأمينية التي تنظم عملية النوم وتساهم في تقوية الذاكرة. أما حمض “الليسين” يؤدي نقصه إلى القلق والعصبية الزائدة. كما أن حمض “الفينيل ألانين” هام جدًّا لإنتاج هرمونات السعادة والموصلات العصبية، وإن نقصه يؤدي إلى الخمول.
2- فيتامين “ب1”: ويدخل في تكوين الخلايا العصبية للمخ، وهو هام للذكاء والقدرة على التعلم. وفيتامين “ب2″، و”ب3″، و”ب12” ينشط الذاكرة. كما أن فيتامين “ب9” وهو حمض الفوليك، يدخل في تكوين الخلايا العصبية للمخ والجهاز العصبي.
3- فيتامين “هـ”: وهو مضاد للأكسدة، يحمي المخ من التلف.
4- فيتامين “ج”: ويحتاجه المخ كمضاد للأكسدة أيضًا.
مجموعة من المعادن التي تمنع النسيان: يأتي في مقدمتها الزنك، والسيلينيوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والفوسفور، واليود، والماغنسيوم.
1- مركب “أوميجا3”: وهو حمض دهني يدخل في تركيب خلايا المخ. وأثبتت الأبحاث أن نقصه يؤدي إلى الإصابة بمرض الخرف (الزهايمر).
2- مادة “الكولين”: وهي من مشتقات فيتامين “ب”، ومن المواد المهمة أيضًا لخلايا الذاكرة.
3- الماء: يشكل أكثر من 80% من أجسامنا، ويلاحظ أن الذين يقل تناولهم للماء في الصحراء، أول ما يعانون منه؛ تشوش أذهانهم ورؤيتهم لأشياء لا وجود لها.
4- الأوكسجين: فيكفي أن نعرف أن خلايا المخ تموت إذا انقطع عنها الأكسجين لأكثر من خمس دقائق.
5- سكر الجلوكوز: فهو المصدر الأساسي لطاقة المخ.
أغذيةٌ تحارب النسيان
عصير العنب: أظهرت دراسة جديدة أن عصير العنب قد يحسن الذاكرة قصيرة الأمد، ويساعد على تذكر الأشياء والأحداث بوضوح، وذلك لاحتوائه على أعلى مستويات من المواد المضادة للأكسدة أكثر من أي نوع آخر من الفواكه والخضروات، ولاحتوائه على نسبة عالية من السكريات اللازمة لنشاط المخ.
عصير القصب: يعالج عصير القصب الاكتئاب، كما أنه يعطي الراحة النفسية، والهدوء، والسعادة؛ حيث يؤدي إلى زيادة تكوين “السيروتونين” وهي المادة الطبيعية المهدّئة التي يفرزها المخ. ويعتبر عصير القصب سهل الهضم وسريع الامتصاص، كما أنه مدرّ للبول فيطرد السموم من الجسم، وبالتالي يحمي المخ من التلوث، كما يساعد على زيادة القدرة على تحمّل المواقف الصعبة، كالضيق والقلق والتوتر والإرهاق.
الزنجبيل والقرفة والشاي الأخضر والمريمية وحبة البركة: تعتبر جميعها من الأعشاب التي تساعد على زيادة التركيز وتحسين أداء المخ. ويتم تناولها كمشروبات ساخنة بدون غلي حتى يستفاد من الزيوت الطيارة النافعة الموجودة فيها، ويفضل أيضًا تحليتها بعسل النحل لزيادة الاستفادة منها.
الزعفران: وهو من النباتات المشهورة على مستوى العالم، حيث يؤخذ ملعقة صغيرة منه مع ملء ملعقة كوب من الحليب المغلي، ثم يترك لمدة 15دقيقة، ثم يشرب، وذلك بمعدل مرة واحدة فقط في اليوم ولمدة شهر.
اللبان المر (الكندر): وهو من المواد التي تساعد على الحفظ وجلاء الذهن، ويذهب بكثرة النسيان كما ذكر الإمام ابن القيم وغيره. والطريقة أن يؤخذ منه ملء ملعقة وتوضع في كوب ماء، ويترك مدة ثلاث ساعات، ثم يشرب بمعدل كوب واحد مرة واحدة في اليوم.
عين الجمل والصنوبر والزبيب والفستق والفول السوداني: تقوّي الأعصاب، وتزيد الانتباه عن طريق تنشيط الموصلات العصبية الضرورية للحصول على المعلومات.. ولعلاج ضعف الذاكرة الذي يشكو منه الأبناء خلال فترة الدراسة، ينصح بالإكثار من تناولها.
زيت الزيتون: وهو غني بمركب أوميجا3 الذي يدخل في تركيب خلايا المخ، ونقصه يؤدي إلى الإصابة بمرض الزهايمر. كما أن زيت الزيتون يعمل على التوازن بين نسبة الكوليسترول النافع، ويقلل من الكوليسترول الضار.
البصل: يفيدنا البصل عندما نكون تحت ضغط ذهني وعضوي شديد لفترة طويلة، كما أنه يخفف من لزوجة الدم فيحصل المخ على الأوكسجين بشكل أفضل.
الجزر: يعد من أغنى أنواع الخضروات بعنصر “البيتاكاروتين” المعروف بكونه مضادًا للتأكسد وواقيًا لجهاز المناعة بالجسم. وقد أكدت دراسة أمريكية أن الذين يأكلون الجزر بكثرة وبصورة يومية، أقل عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية من الذين يأكلون الجزر مرة واحدة في الشهر مثلاً. ويعتبر عنصر البيتاكاروتين، المصدر الطبيعي لفيتامين “أ” وهو مهم جدًّا للصحة.
السبانخ والفراولة: يؤكد العلماء أن المواد الكيميائية المضادة للتأكسد الموجودة في الفراولة والسبانخ بكثرة، قادرة على زيادة كمية السائل في أغلفة خلايا المخ، مما يسمح للمزيد من المواد الغذائية بسرعة الوصول إلى أنسجة المخ، فتحمي المخ من الضعف والوهن وفقدان الذاكرة المرتبط بالتقدم في السن.
الجمبري والأسماك: وهي غنية بمركب أوميجا3، التي يحتاجها المخ، وتنشط الحالة الذهنية وتطيل القدرة على الانتباه بشكل جيد، كما أنها غنية بعنصر السيليونيوم اللازم لتنشيط المخ.
البيض: تناول بيضتين يوميًّا، تمد الجسم بنصف جرام تقريبًا من مادة الكولين وهي الكمية الموصى بها؛ ففي دراسات علمية جديدة أجريت مؤخرًا، تَبيّن أن مادة الكولين الموجودة في البيض تساهم في تحسين قوة الذاكرة، وتساعد النساء الحوامل على إنجاب أطفال أذكياء.
التمر: يعتبر التمر من الأغذية المتكاملة الغنية بالعناصر المعدنية والفيتامينات، وكذلك غني بالسكريات اللازمة لتنشيط المخ.
حبوب اللقاح: استخدمت حبوب اللقاح بنجاح تام في علاج الاضطرابات العصبية -ومنها التوتر العصبي، الإرهاق والتعب الشديد- وحالات الانهيار العصبية واضطرابات الذاكرة.
عسل النحل: وهو شفاء لكل الأمراض ومنها النسيان، وينصح بشربه على الريق بعد تخفيفه وإذابته بالماء.
(*) قسم الحيوان الزراعي، كلية الزراعة، جامعة المنصورة / مصر.