من حين لآخر تهزنا جميعًا صفعات الوداع، فنفقد عزيزًا أو صديقًا أو رفيق طريق فنبكي ونحزن، نأخذ يوم إجازة من العمل، نسافر في الذكريات أو نسافر لحضور الجنازات، بعد يوم أو يومين أو أسبوع أو أسبوعين ننسى كل شيء، نعم! هكذا أيامنا، هو شيء رائع جدًا أن نملك نعمة اسمها النسيان وإلا ما استقامت الحياة…
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(آل عمران: 185)، حقيقة عظمى يقرها الوحي، إننا جميعا ميتون لا محالة..لكن في الآية الكريمة ملمح عجيب -سبحان رب الوحي ومنزله-، فالوحي يخبرنا مباشرة أن بعد الموت هناك شيء اسمه الأجر والثواب، وهو ما يحيلنا مباشرة على مبدأ العمل..، فمصيرنا الأبدي رهين بما قدمته أيدينا هنا في هذا المعبر الزمني الذي هو الحياة -الحياة مجازًا- وإلا فالقرآن الكريم نفسه يخبرنا أن الحياة ليست هنا: (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(سورة العنكبوت:64).
الذي يحدث عمليًّا وتطبيقيًّا هو أننا بعد كل هذا الموت لم نفهم فقه الموت، صرنا كثيرًا ما نختزل الموت كأنه الفناء أو النهاية وهذا بالضبط كان تصور الناس في الجاهلية، يجب أن تصحح بعض المفاهيم الخاطئة عندنا على نور من القرآن وهديه، حينما نتذكر الموت فيجب علينا بذلك لزوما أن نتذكر الحياة، حياة الخلود الأبدي، فعوض أن نغرق في الألم علينا أن نبحر في الأمل، أمل في وعد الله وفيما عند الله. تستقيم الحياة بالوسطية والوسطية تعني التوازن في كل شيء، والرشد أعلى هذه المعاني كلها، الرشد هو أن تكون بين الناس فردًا من الناس، بكل مقتضيات عقل المعاش فيك من بيع وشراء وإنفاق وإعطاء وكل شيء؛ لكن أن تحتفظ بصوت في قلبك دوما يذكرك:
يا أنا ويحك! لاتغفل، قريبا ما ينادى عليك، فلا تغفل عن الموعد الذي لن تخلفه، سدد وقارب وأر ربك من نفسك خيرًا كما كان أهل النهى والتقى والعفاف، أولئك الكرام البررة الذين كان يعيشون بوتيرتين، وتيرة الغد ووتيرة الأبد، لو رأيتهم في حوانيتهم لقلت هم أهل الدنيا ولا دين لهم، ولو رأيتهم في محاريبهم لقلت أهل الدين لا دنيا لهم، نعم هو شيء عسير إلا على من يسره الله عليه، وليس عبثًا أن هذه الكلمات هي كنز من كنوز الجنة “لاحول ولا قوة إلا بالله”، فاللهم فقهنا في دينك حتى نفهم ما استشكل علينا…