“هُوجَا أفندي” السيد الأستاذ أو حين تصوغ التربية نموذجًا مجتمعيًّا

ليست هذه الكلمات قصة معتادة ينسجها كاتب مع مكتوب تبدأ ثم تنتهي بانتهاء الكتابة، لتندرج بعد ذلك في رصيد الغيب وذمة القارئ.. ذلك أن ليس من اليسير أبدًا على مَن عرف “نموذج” الأستاذ فتح الله كولن سواء قرأه فكرًا أو تتبّعه مسيرًا أن يكتب حوله نصًّا عابرًا؛ ولو كان ذلك محاولة إضاءة جانب واحد من جوانب هذه الشخصية المركبة.
لكن لنبدأ قبل المحاولة بالسؤال: هل يمكن في الأساس الإحاطة بالمشروع الذي يمثّله الرجل ولو في إحدى تجلياته؟ الحق أنه صعب غاية الصعوبة اختصار مشروع الأستاذ فتح الله كولن في مثل هذه السانحة، ليس لأنه تجلى -ولا يزال- من خلال تجربة مديدة وغنية فحسب، بل لأنه مشروع مركّب متعدد الأبعاد كذلك. لذلك يحسن الوقوف الموجز عند جانب واحد منه، وليكن المسار التربوي، في سياق السعي إلى بناء نموذج إنساني مجتمعي خاص.
يكتسي الحديث عن ثلاثية: “الشخصية/الفكر/النموذج” (التي تتّحد في الدلالة هنا) بالنسبة للأستاذ فتح الله كولن أهمية استثنائية في هذه اللحظة الشاهدة من عمر مشروعه التربوي، ذلك أن نقاشًا واسعًا دار ولا يزال في منهج دراسة مدارس الإصلاح في عالم المسلمين إجمالًا، ومنها مدرسة/نموذج الأستاذ كولن. ولكي لا نستعيد نقاشًا واسعًا ليس هذا مجاله، نحاول أن نتعرض لما يسمّى بـ”عنصر الامتياز في المشروع”، أو “دراسة النموذج” بناء على نقطة جوهرية كامنة فيه، قادرة أكثر من غيرها على الإمداد بالمعنى المراد.

لنبدأ بسيرة مختصرة لنموذج التربية عند هذا العالم، الذي مثّل امتدادًا للميراث العلمي والتربوي العميق في بلاده تركيا، وهو الميراث الذي لم ينفصل لا في صلاته بعالم المسلمين ولا في أبعاده ومضامينه.
ولعل بعض المحطات في حياته تكون أولى من غيرها للاستدعاء في هذا السياق، إذ تجسد معالم في شخصية الأستاذ ومفاتيح في استيعاب نموذجه كما ترجمته –جزئيًّا حتى الآن- مسيرته في العمل التربوي والمجتمعي على امتداد خمس وأربعين سنة. هذه المحطات هي اختيار بيئة عمل الواعظ الشاب، ومنهج العمل ومداه، والمثال الإنساني الكامن في النموذج المنشود، القادر على كسب معارك القيمة والمعنى والمثال في عالمنا.
لقبُ الأستاذ فتح الله كولن عند مَن عرفه مِن قومه هو “هُوجَا أفَندي” أي السيد الأستاذ.. ولا أرى أن اللقب ولا الصفة جاءت اعتباطًا، بل هما تعبير موجز بليغ عن استحقاق المكانة من خلال السيرة والمسيرة.
“الواعظ” الفنان في نحت الصخر
يعتبر الأستاذ فتح الله كولن بألاّ حدود أمام القيمة والفكرة، على تعدد البيئات في عالم واحد، حتى تلك التي تبدو بالمعايير الظاهرية “صعبة” و”إشكالية” يراها أولى بالخطاب وأجدر بأن يتّجه إليها المربون بخطابهم ويبلغوا رسالتهم، بل أن يقصدوا إليها فعلاً لتكون مجال عملهم الطبيعي مهما بدت “غير متقبلة”، أو أن أصحاب الدعوة لا زالو أصغر من مواجهة تعقيداتها وأقل خبرة، وهذه قيم تستبطن إيمانًا قويًّا بقوة الأسوة (لسان الحال)، كما تجلّت من خلال حضورها العملي على امتداد مسيرة تربوية بالغة الغنى، وهنالك مثال حي بليغ يجسّد من خلاله الأستاذ هذه المعاني بسلوكه.
كان عمره 20 سنة حين أنهى الخدمة العسكرية الإلزامية، وكان الأستاذ “يَشَارْ تُونَاغُور” الواعظ الشهير في مدينة إزمير قد عُيّن حديثًا في منصب آخر وكيلاً للشؤون الدينية بالعاصمة، فتأسف أهل المدينة الذين كسب الرجل محبّتهم وإعجابهم بمواعظه في مساجدها، فما كان منه إلا أن أجابهم بأنه سيُعيّن مكانه في كرسي الوعظ مَن لن يخيّب معه ظنّهم قاصدًا الأستاذ فتح الله كولن الذي كان يعرفه ويقدّره. المفاجأة كانت أنه حين فاتح الأستاذ في الأمر طلب منه أن يعيّنه في مكان لم يخطر للأستاذ يَشارْ على بال.. مدينة “سمَنْدَاغ” المشهورة بصعوبة الحالة الدينية فيها، وتعقد الوضع الفئوي والطائفي بها. ورغم إلحاح الأستاذ كولن على طلبه، إلا أنه اضطر في النهاية للنزول عند أمر الأستاذ يَشَار تُونَاغُور الذي كان يقدّره بالذهاب واعظًا في إزمير.. بداية بليغة في الإصرار والتحدي بمقدار الإيمان بخيرية الناس.
أما تجربة “الواعظ” فكانت تشجيعًا دؤوبًا على احتضان النشأ وتربيته. هكذا بدأ فتح المبِيتات (اليُورْت) في نهاية الستّينيات، حيث فتح أول مَبِيت سنة 1967، بينما فتح أول سكن للطلاب سنة 1970، وما إن عرفتْ هذه الإقامات بنموذجها التربوي اللافت حتى أخذ المجتمع التركي المبادرة في إنشائها، فانتشرت انتشارًا كبيرًا مع نهاية السبعينيات في مختلف مدن تركيا.
بعد انقلاب سنة 1980 في تركيا، فتح المجال لأوّل مرة أمام التعليم الخاص في البلاد، من خلال شعار شهير للحكومة في تلك المرحلة هو “افْتحْ مدرستك”. اعْتبر الأستاذ هذا الانفتاح فرصة كبيرة، فدفع المحبّين إلى تأسيس مدارس خاصة، وكذلك تم في هذه المرحلة فتح سكن ومدارس للبنات، حيث لم يوجد لهن سكن ولا تعليم خاص قبل تلك الفترة، بل إن تعليم الفتيات لم يكن شائعًا في كثير من البيئات الاجتماعية، التي فضلت “أمية البنت على فساد أخلاقها” بتأثير من جو التعليم ومناهجه. وفي بداية الثمانينيات جاءت مدارس التقوية (المدارس التحضيرية للجامعة التي ذاع صيتها لاحقًا).
في تلك المرحلة ظلّ الأستاذ فتح الله كولن مطارَدًا بسبب وضع اسمه على لائحة المطلوبين، بعد الانقلاب لمدة ست سنوات، إلى أن اعتقل سنة 1986، فثبت أنه لم يكن مطلوبًا للعدالة ولا لأي جهة أمنية، وأن وضع اسمه في لائحة المطلوبين بعد الانقلاب، كان لأسباب سياسية طارئة، فأخلي سبيله. وكان خلال هذه الفترة يتنقل -رغم ظروفه- لبناء المدارس، ويسهر على نجاحها وتأهيل الأساتذة فيها تربويًّا، والحرص على تميزهم في بناء نموذج لمدرسة متميزة وناجحة.
بعد ذلك وخلال السنوات الأربع اللاحقة 1986-1989 بدأ يدعو بشكل واسع إلى محاربة الأعداء الثلاثة الألداء :الجهل والفقر والفرقة (الخلاف) بشكل عملي، وطبّق نموذج المدارس على نطاق واسع.
خارج تركيا بدأ فتح المدارس في دول أخرى منذ بداية التسعينيات، حيث تأسّست أول المدارس خارج البلاد سنة 1991، وذلك في آسيا الوسطى إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. ففي صيف عام 1990 وجّه الأستاذ فتح الله كولن دعوة إلى الشعب التركي من على كرسي الوعظ في المساجد السلطانية إلى “نجدة إخوانه في الدم والدين الذين خرجوا من الاستعمار، قبل أن يدخلوا تحت سيطرة استعمار ثان”، وبأثر من تلك الدعوة استضاف الشعب التركي في تلك السنة ما يناهز الثلاثين ألف عائلة من آسيا الوسطى، وهو ما أعطى المدارس فيما بعدُ قاعدة شعبية من كل الناس بعد موجة التعاطف والانخراط الشعبي في المبادرة. ألاّ تستصعب بيئة للعمل، مقتضاه إتقان فن النحت في صخر الواقع على صفحات الأنفس والعقول.
“المربي” سالك الطريق الأطول والأصعب
في نهاية الستينيات، كان الأستاذ الذي بدأ يلتف حوله مجموعة من المتأثرين بخطابه وسلوكه، ينظم مخيمًا تربويًّا لبضعة عشر من “الأصدقاء”، كما لا زال يدعو من تأثر بفكره وانسلك في مشروعه؛ عندها جاءه واحد ممن أصبحوا بعد ذلك شخصيات عامة مشهورة في تركيا، طالبًا إليه أن ينضم إلى مجموعته في مشروعهم السياسي الإسلامي الواعد، محدثًا عن تأسيسهم حزبًا جديدًا، وعن الانتخابات القريبة التي ستحملهم إلى الحكم… مؤكدًا أن ذلك كله أولى من حصر جهد رجل محبوب ومؤثر مثله في بضعة عشر طفلاً، وأهم من هدر طاقة كبيرة في نفع قليل. كان جواب الرجل واضحًا وصارمًا، اعتذر بأدب لكنه أكّد أن ذلك ليس طريقه، وأنه يفضّل عملاً صبورًا وطويلاً مع هؤلاء ومَن يأتي بعدهم على أيّ طريق آخر.
واحدة من أزمات “النموذج الإسلامي” في عصرنا، خاصة من جهة معيار تقويمه والحكم على فعاليته في تحقيق أهدافه، نزوعه المتسارع إلى المعايير المادية السائدة، بحيث تسود هذه المعايير بشكل متدرج في الحكم على مدى نجاحه؛ هذه الخاصية وإن كانت تتلبس بالعواطف الجماهيرية، إلا أنها تؤدي إلى تآكل حضور النموذج المعرفي القائم على أساس الوحي ومقاصده في الأنفس والآفاق، أو الإنسان والعالم. تمامًا كما تعبر عن تسلط النموذج المادي على الوعي، حتى لدى فئات من المتدينين، بل ممن تحركهم الآمال والعواطف الدينية لتغيير واقعهم.

وبقدر ما تتجلى خطورة هذا المسار على اتجاهات الإصلاح في عالم المسلمين، تتجلى أهمية “نموذج كولن” في المجال التربوي، ذلك أنه نموذج يعيد الاعتبار بدأب وإصرار لقيم الوحي في حياة الإنسان والجماعة، مركّزًا على بناء الإنسان هدفًا مركزيًّا، ليكون مؤهلاً لصياغة عالمه على مقتضى رسالته في الكون كما قررها الوحي، بمقاصدها الكبرى في بناء العمران، فتصير تلك المقاصد الكلية محددًا لأهداف حركته في الواقع. لذا نجد أن أهدافًا كبرى بسعة العلم مقابلاً للجهل، والكفاية مقابلاً للفقر، والحوار والتفاهم مقابلاً للفرقة والصراع، ظلت أهدافًا قارة لهذا النموذج؛ بل هي المؤهلة وحدها –كما أكد حديثًا- لتوجيه مساره في المستقبل المنظور كما يبدو، لأن المقاصد الكلية الحاكمة لها، والكامنة في النموذج واضحة ثابتة.
علاقة بذلك كله؛ تبدو الدراسات الكثيرة والمتتالية التي أنجزت حول “المشروع/التجربة” التربوي التعليمي لنموذج كولن، كما تجلت في المدارس التي تأسست بناء عليه عبر العالم، مهتمة بشكل واضح بالنجاحات التعليمية لهذه المدارس، إنْ على مستوى الانتشار في أغلب دول العالم، أو في تصدرها تصنيفات الجودة في مجالاتها، وذلك في أغلب تلك الدول يستوي في هذا الغني منها والفقير.
إن هذا المقترب في دراسة النموذج التربوي على أهميته التي لا تخفى، لا يفسر لوحده قوة النموذج، ولا هو جدير ببيان أبعاده الكاملة. القيمة الأهم التي ينفرد بها هذا النموذج هو مثاله الإنساني. صحيح أنه يشترك مع كثير غيره من نماذج الإصلاح في إنزال النبوة في مقام الاستمداد، واعتبار شخصيته -صلى الله عليه وسلم- المثال الأكمل للاقتداء، غير أن هذه المقولات وتلك الدعاوى كثيرًا ما تسقط على محك الواقع ومكابداته إخفاقًا في مستوى التمثل العام. هذا مكمن الصعوبة في الطريق وتفسير سالكيه لطوله.
ألا ما أصعب التحدي بـ”المثال الإنساني”
المقصود بالمثال الإنساني هنا، هو نوعية العنصر الذي يحرك هذه المنظومة، فتعيد إنتاجه على امتداد الأمكنة والبيئات والظروف؛ المعلّمون المهاجرون والمضحّون بمصائرهم الشخصية والأسرية والمهنية، الأساتذة المتفانون في رسالتهم حد التماهي، الرجال والنساء الباذلون من أموالهم في تسابق عجيب تشهد عليه “مجالس الهمّة” لبناء هذه المدارس والجامعات والمؤسسات ورعايتها في تركيا وعبر العالم، خرّيجوها من الطلاب الذين يعيدون إنتاج هذه الدائرة الصالحة من الخدمة والبذل… هؤلاء الذين يشكلون جميعًا “جزُر سلام” حقيقية في عالم مضطرب، كلهم عنوان صلاحية النموذج، ومعيار دقيق في الحكم، لا على الأداء التربوي والتعليمي وفعاليته فحسب، بل على قوة النموذج الكامن في المنظومة المؤسسية، الذي أنتج هذه المدارس وصنع هذه التجربة الإنسانية الحية في عالمنا.
يمكن حقًّا لنموذج فكري أو تربوي أن يقدم نفسه للعالم اليوم، معتمدًا على مؤشر قوي من مؤشرات الجودة، ويمكن لهذا النموذج أن يعرف الانتشار والقبول سعيًا للإفادة الجزئية من هذا المؤشر. وليس صعبًا أن نجد أمثلة عديدة على ذلك في زمن الإنتاج والاقتصاد والمعرفة المعولمة. لكن الصعب حقًّا هو أن يكون التحدي بالمثال الإنساني… أن تكون علامتك المسجّلة موضع الثقة والفعالية، إنسانًا مؤهلاً تتحدى به ظروفًا معقدة في بيئات صعبة عبر العالم، واثقًا من نجاعة مسلكه القيمي والتربوي، وكفاءته في التعامل معها في كل مكان. أما الاستثناءات البشرية هنا فمؤكدات للقاعدة العامة.
ولعل وضوح الرؤية بالدقة المتناهية في هذا النموذج، يتبين في أنك لا تجد فروقًا بين تجاربه المختلفة عبر العالم، لا في مستوى الأداء، ولا فيما يمكن أن يعتريه من الاتجاهات المذهبية أو الفئوية، ولا في ثوابت فهمه لقيم الإسلام اليوم، والتعامل معها من منظور إنساني رحب. وبهذا يمكن أن تجد من ينتقده بوصفه محافظًا في بيئة وأنه متحرر في بيئة أخرى، أو أنه نصي في بلاد أو روحاني في بلاد أخرى، صارم في منطقة متساهل في منطقة أخرى… والواقع أنه نموذج ثابث رغم مرونة تغيره في الأشكال والوسائل بما يناسب تعدد البيئات والمناطق، مع حفاظه على جوهر ثابث كامن في نواة العمل التربوي الصلبة… إنه الـ”نموذج كولن”.
وإذا كان لنا أن نعد التغيير الأكبر لنموذج كولن فهو أنه صيَّر تربية الإنسان وتعليمه غاية مجتمعية، تتجه إليها طاقات المجتمع كلها، لا بوصفها أولوية مجتمعية فحسب، بل فريضة شرعية ورسالة حضارية. ثم إن اتخاذ التربية والتعليم مركب القيمة والرسالة والمثال إلى العالم، هو الذي أدى إلى تقويض سلطة الجغرافيا على الفكرة، وهي -كما لا يخفى- واحدة من أهم التحديات التي واجهت رسالة الوحي في تاريخنا، بل ولا زالت تواجهها إلى اليوم. نحن بإزاء دفقة حضارية تنفتح أمامها عوالم “دار الخدمة”، عنوانها “أنك لكي تثبت وجودك في مكانٍ ما، يجب أن تكون في كل مكان”.
ربما استحق الأستاذ فتح الله كولن أن يكون “هُوجَا أَفَنْدي” عند الأتراك الذين خبروه أولاً، فهذا الرجل الذي لم تتقو صلته بمتعلقات الحياة الدنيا يومًا، والعالم الذي شكل امتدادًا لميراث المعرفة الإسلامية، والواعظ الذي تفنن في نحت الصخر صانعًا منه آيات من الجمال الإنساني… لا يشغل نفسه بما يقال عن نموذجه، ولا يحتفي أبدًا بنجاحه. لكنه يقدم مثالاً تربويًّا صعبًا غاية الصعوبة تقديمه في عالمنا، قائمًا على الإيمان بالله، ثم الثّقة في أجيالنا وتوحيد مقاصد الفعل كلها لإعداد الإنسان، خدمة للإنسانية وعمرانًا للعالم.
ختامًا
“قال الأعرابي لأهل البصرة: مَن سيدكم؟ قالوا: الحسن (البصري) قال: بمَ سادكم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم. فقال: ما أحسن هذا”.
أما الأمل من الكلمات السابقة، فهو أن تكون ثمرتها هدية لكثير من ذوي النهى، المعانين واقعًا أليمًا؛ ثمرة قوامها نموذج حضاري حي وفاعل، يستمد الحياة من مصدر معنوي عميق الغور، ومن مكابدة واقع مركب ومتعدد المستويات رحب الآفاق.
(*) رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية – وجدة / المغرب.

المصدر: مجلة حراء العدد 42