منزل زينب خاتون

منزل فريد من نوعه، جمع بين فنون العمارة المملوكية والعثمانية في آن واحد . يقع منزل زينب خاتون في القاهرة عند زاوية تقاطع زقاق العيني مع شارع الأزهر، أو خلف الجامع الأزهر بالتحديد. كان المنزل للأميرة “شقراء هانم” ابنة السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، التي توفيت -كما يذكر المقريزي- سنة 1388/هـ791 م. ويرى علماء الآثار الفرنسيون أن هذا المنزل بني في أواخر العصر المملوكي، وتم تجديده في القرن الثامن عشر الميلادي ليظهر عليه الطابع العثماني وتؤول ملكيته إلى ” زينب خاتون”.

 وتذكر المصادر أن زينب خاتون كانت وصيفة محمد بك الألفي، وبعدما أعتقتْ تزوجت أميرًا يدعى الشريف حمزة الخربوطلي فأصبحت أميرة ذات شأن ومكانة. لم تكن زينب خاتون بعيدة عن السياسة في ذلك الوقت، فقد لعبت دورًا هامًّا إبان الحملة الفرنسية، حيث آوتْ الفدائيين (1798) على مصر في القرن الثامن عشر عام المصريين الذين لاحقهم الجنود الفرنسيون، وهذا ما ذكره الجبرتي في تاريخه.

النمط الفني والمعماري

عندما نلج المنزل من مدخله المنكسر -وهو ما يميز العمارة الإسلامية العربية عن غيرها- نشعر وكأننا دخلنا عالمًا من الهدوء والسكينة. ولعل الميزة الأساسية لهذا المدخل المنكسر منع مَن في الخارج رؤيةَ مَن في الداخل. هذا الممر ينقلنا إلى الصحن؛ الحوش الكبير المحيط بأركان البيت الأربعة. وأما الهدف من تصميم البيت بهذا الشكل، هو ضمان وصول الضوء والهواء لواجهات المنزل وما يحويه من حجرات.

 من المعلوم أن الصحن سمة أساسية لعمارة البيوت في العصرين المملوكي والعثماني، وهو مكشوف، يحتوي على مندرة يتم فيها استقبال الضيوف من الرجال من جانب، ومن جانب آخر يُتَمكَّن من الحفاظ على حرمة الرجل وأهله في القصر. يوجد في هذا الصحن أيضًا مكان لخيل الأمير وضيوفه، وكذلك المزيرة المفتوحة على الهواء الطلق، إذ وضعت في مكان لمصدات الهواء لتبريد الجو والماء معًا، ثم المطبخ والطاحونة ومخزن الغلال.

 أما الطابق الثاني فيتألف من السلامْلِيك المخصَّص لجلوس الرجال وهو عبارة عن غرفة واسعة كبيرة مطلّة على صحن المنزل، ومن الحرَمْليك الخاص بالحريم. بالإضافة إلى دورٍ كامل خاص بالأميرة يتميز بزجاجه الملوَّن بالأزرق والأخضر اللذين يمنحان النفس الراحة والطمأنينة. أما الحمام فهو يتكون من ثلاثة أقسام؛ الحمام نفسه، ثم غرفة التدليك وفيها ملحق للاستراحة، وغرفة للبس.

 أهم ميزة المنزل

لقد نجح المعماري المسلم، بعقيدته وأخلاقه، أن يحقق تقنين الضوء باستخدامم المشربية ونوافذ الزجاج المعشق بالجص، وذلك كحلول مبتكرة وفعالة تتلاءم مع العقيدة الدينية السمحة والمحافظة على القيم والتقاليد، وكذلك استخدام وتوظيف ما وهبته له البيئة المحيطة، كما يتجلى ذلك في الفناء الداخلي للمنزل. فهذا الفناء يحجب الساكن عن أنظار العالم الخارجي ويحميه من تقلبات الطبيعة، كما يتيح له التمتع بالسماء، وبالتالي تقوي الروابط الأسرية، وتقوي الشعور بالانتماء للأرض، كما تعني الكثير من الخصوصية. وبذلك يكون المعماري المسلم قد نجح في إدخال الطبيعة إلى منزله، المتمثلة في السماء المفتوحة على صحن المنزل.

والمقصود بالمشربية هنا، ذلك الجزء البارز عن سمت حوائط المباني التي تطل على الشارع، أو على الفناء الأوسط للمنازل الإسلامية، ويستند هذا الجزء على كوابيل أو مدادات من الحجر أو الخشب تربط الجزء البارز من المبني، بينما تغطي الجوانب الرأسية الثلاثة لهذا الجزء البارز حشوات من الخشب الخرط المكون من “برامق ” مخروطية الشكل دقيقة الصنع تجمع بطريقة فنية، بحيث ينتج عن تجمعها أشكال زخرفية هندسية وبنائية مستوحاة من الطبيعة؛ كأوراق الشجر من بعض التحوير الذي أضفى عليها جماليات غير مسبوقة، وهي تعبير عن المطلق والمجرد وصولاً للقيمة الإيمانية .

وسميت المشربية بهذا الاسم حيث كانت توضع بها أواني الشرب “القلل الفخارية”. وتعرف المشربية في بعض البلدان الإسلامية باسم “روشن” أو “روشان ” ، وهي تعريب للكلمة الفارسية “روزن”؛ وتعني “الكوة” أو “النافذة”. تستعمل المشربيات قي الجزء السفلي من السكن لكسر حدة الضوء والمحافظة على خصوصية المكان، أما الأجزاء المرتفعة فتستعمل لها مشربيات أوسع تساعد على التهوية.

 ويعتبر المعماريون والفنانون، أن المشربيات الموجودة في منزل زينب خاتون، هي أعلى ما وصلت إليه درجة الإتقان في العصر المملوكي، وكذلك القطوع الخشبي المنقول من مدرسة السلطان حسن إلى متحف الفن الإسلامي.

القباب ورمزيتها

 يرى مؤرخو الفن، أن القبة التي لجأ إليها المعماري المسلم من ناحية البناء، هي تنقية وترطيب للمكان؛ حيث يصعد الهواء الساخن إلى أعلى، وبفعل جوانب القبة الدائرية تحدث مصدات للهواء فتبرد الهواء، ومن ناحية أخرى وبما أن العربي كان متصلاًبالطبيعة، فقد حوَّل الطبيعة داخل بيته في صورة عناصر معمارية. وقد رأى بعض الدارسين أن القبة هي رمز روحاني لإحاطة دائرة الوجود التي تكتنف المسلم داخل البيت متمثلة في القبة، وخارج المنزل متمثلة في السماء، وكأن المسلم يحيا بإرادة أن يكون في كنف خالقه دائمًا .

(*) كاتبة وباحثة مصرية .