تعد نظرية الانفجار العظيم، أحد أكثر النظريات شهرة. فمنذ ميلادها على يد الفيزيائي والقس البلجيكي جورج لوميتر، ظلت صامدة على مدى عقود من الزمان؛ وهي تصور نظري تفترض أن الكون ظهر منذ 13.7 مليار سنة، جراء شرارة غريبة حدثت في ذرة صغيرة ارتفعت فيها درجة الحرارة والضغط بصورة لا يمكن للخيال البشري أن يتوقعها أو أن يصفها. وبعد اللحظة صفر المفترضة التي انطلق منها الكون، لم يكن الكون -حسب النظرية- سوى حساء بلازمي ملتهب متمدد، لم يلبث أن برد بسرعة جراء حالة التوسع ليكوّن لنا -فيما بعد بالتكثف- الذرات والنجوم والمجرات. وبسبب بعض المشاهدات التي انتشرت في ستينيات القرن الماضي، خاصة تلك التي رصدت عبر التلسكوبات، استطاعت هذه النظرية أن تصمد أمام بعض الفرضيات المضادة، وبذلك وجدت قبولاً ورواجًا وسط طائفة كبيرة من العلماء.
فتباعد المجرات، وتوسع الكون الذي اكتشفه إدوين هابل، يعد أحد أهم ركائز نظرية الانفجار العظيم. وعزز ذلك، اكتشاف ظاهرة التسارع في توسع الكون الذي نال أصحابه جائزة نوبل للعام 2011؛ بعد دراستهم لعشرات النجوم المتفجرة المسماة بـ”السوبرنوفا”. وحسب هذه النظرية، فإن الكون إذا استمر في تمدده المتسارع، فإنه سيتحول إلى جليد. بالإضافة إلى ذلك، فإن نظرية الحساء الكوني (Mucleosymthese Primrodiale) أيضًا، تدعم نظرية الانفجار العظيم، وتعود هذه النظرية إلى ستينيات القرن الماضي، وتقول إن مادة الكون الحالية تتكون من 75% من الهيدروجين، و24% من الهيليوم، و1% من العناصر الثقيلة، وهو ما يوافق نظرية الانفجار العظيم، كما أن العناصر الخفيفة “الهيدروجين والهيليوم”، هي التي كانت سائدة في بداية الكون، ولم تتكون العناصر الثقيلة إلا بعد ذلك في النجوم وبكميات قليلة. عزز كل ذلك، اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية، وهو بمثابة الصدى الضوئي البعيد للكون بعد الانفجار العظيم. وينظر الباحثون إلى هذا الإشعاع الأحفوري، باعتباره أفضل برهان على صحة نظرية الانفجار العظيم. وتعد هذه الركيزة -بالتحديد- من أهم الركائز التي دعمت نظرية الانفجار العظيم، علمًا بأن هذا الإشعاع الضعيف الذي يغرق الكون برمته، لا تفسير له.
اختبار نظرية الانفجار العظيم
إن نموذج الانفجار العظيم الذي يدرس ويرصد التوسع، والخلفية الإشعاعية الكونية، والتركيب الكيميائي للكون، هو نموذج عرضة للتبديل. صحيح أنه حتى الآن يعد أفضل نموذج يناسب البيانات المتوفرة لدينا، لكن المقلق لأنصار نظرية الانفجار العظيم؛ أنه -وخلال العقود الأخيرة- اتسعت الهوة بين النظرية النسبية وعلم الكونيات، ويجد العلماء في كثير من الأحيان صعوبة في التطابق بين الإثنين -خاصة- في ظل النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. فنجد ظهور مصطلحات غيبية؛ مثل المادة المظلمة، والطاقة المظلمة والتي لا يمكن أن تتكون من أي شيء. ولاختبار هذه النظرية، تم تصميم مصادم الهيدرونات الكبير (LHC) في سيرن، المعروف بمختبر أوروبا لفيزياء الجسيمات، وهو مصمم لسحق الجسيمات، ومعرفة الكثير من النظريات التي أفرزتها نظرية الانفجار العظيم. مصادم الهيدرونات، بدلاً من أن يعزز النظرية بيّن بعض التناقضات العجيبة في النظرية، فنقطة بسيطة واحدة من بعض الدراسات في سيرن يمكن أن تنقض نظرية الانفجار العظيم. وما زالت هناك أسئلة محيرة، ما هو سبب توسع الكون؟ ويعزونه أحيانًا إلى ما يعرف بالتضخم، ولكن هذا التضخم أيضًا يخضع إلى نفس السؤال، كما أن هناك أسئلة أخرى تتعلق بما وراء ما نستطيع رؤيته، وعن معدل تسارع الكون، وغير ذلك العديد من الأسئلة التي لا تفتأ تلوح في الأفق.
مجرة أقدم من الكون
أصيب العلماء بالدهشة والحيرة بعد اكتشاف مجرة (HUDF-JD2) التي اكتشفت في العام 2005. فوفقًا للحسابات الفلكية، تبين أن المجرة تبعد عن الأرض بـ15 مليار سنة ضوئية، ووفقًا للنظرية فإن صورة المجرة تعود إلى 700 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. وعندما حسب العلماء كتلة المجرة المعنية، وجدوا أنها تزيد على كتلة مجرتنا “درب التبانة” بأربع مرات. ولكن المفاجأة الكبرى كانت عندما أراد العلماء تقدير عمر النجوم التي توجد في المجرة المكتشفة (HUGF-JD2) وفقًا لنماذج تشكل النجوم التي يعملون عليها باستخدام أجهزة الحاسوب، فوجدوا أن المجرة تشكلت -في أفضل الحالات- بعد 200 مليون سنة من وقوع الانفجار العظيم، وفي أسوئها قبل 100 مليون سنة من حدوث ذلك الانفجار. بمعنى آخر، يمكننا القول إن المجرة يمكن أن تكون أقدم من الكون نفسه، وهذه المجرة، بمثابة أكبر صدع تواجهه نظرية الانفجار العظيم منذ نشأتها.
لا نعرف عن الكون إلا القليل
تؤكد نظرية الانفجار العظيم، أنه لم يكن ثمة فضاء ولا زمن قبل لحظة الانفجار، وأن الفضاء هو الذي تمدد ويواصل تمدده الآن ساحبًا معه المادة. ولكن أغرب ما في النظرية، أن العلماء القائمين عليها، لم يذكروا ماذا حول الكرة المنفجرة.
فنظرية الانفجار الكبير لا تخبرنا شيئًا عن بداية الكون أو نقطة الصفر، وأن النقطة التي انفجرت كانت في فضاء، ثم انفجرت فيه وتكونت المجرات، وأن النقطة هذه كانت تحتوي على الكون كله بما فيه من فضاء. وحسب النظرية، فإن سؤالنا المطروح؛ ماذا حول الكرة المتفجرة؟ ليس له إجابة، لأن النظرية تقول إنه لا يوجد شيء اسمه خارج هذه النقطة أو خارج الكون. إن أكبر ما يواجه نظرية الانفجار العظيم أن 95% من الكون -حسبما تراه النظرية- غير معروف الطبيعة، وهو ما يعتبر صدعًا كبيرًا في صرح نظرية الانفجار العظيم. فهل يعقل أن هذه النظرية لا تصف إلا 5% فقط من مادة الكون؟
زيادة رقعة المجهول
يمتد اهتمام الإنسان في الكون إلى أقصى حدود، ولكن بدل من أن تزداد رقعة المعلوم ازدادت رقعة المجهول من هذا الكون العجيب. ففي كل يوم يكتشف العلماء قانونًا دقيقًا أخفاه الله في أحد مخلوقاته، فتتفتح لنا جلائل قدرته ومكنونات حكمته في خلقه. إن الكون بامتداته من ما دون الذرة إلى ما هو أبعد من المجرة، لهو كتاب ينبغي تدبره، لنستشعر قدرة الله وجميل صنعه ودقة تدبيره.