اتسمت العلاقة بين الإسلام والغرب -عبر قرون طويلة- بالصراع وعدم الثقة، وهذه الإشكالية كان سببها الموروث السلبي عند الغرب، وذلك نتيجة عدم الإقرار بالإسهام العربي الإسلامي في حضارة الغرب تارة، وبفعل عوامل الصراع العربي الإسرائيلي تارة أخرى، ناهيك عن صور المعاملة السيئة للنساء في أفغانستان والجزائر على أيدي جماعات تدعي الإسلام وهو منها براء. الأمر الذي ساهم بتشويه صورة العرب والمسلمين في العالم الغربي عمومًا، لكن هل نترك الحوار مع الكارهين لنا، مع العلم أن الكثير من الحروب والصراعات البشرية كان سببها انقطاع الحوار وعدم التواصل مع الآخر؟
فالعرب تفاعلوا مع الغرب عبر علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وبظهور الإسلام أصبح العرب والمسلمون أكثر احتكاكًا بالعالم الغربي
بداية ليس من الضروري أن تشكل صورة العرب والمسلمين السلبية عائقًا أمام التواصل والتفاعل بين الإسلام والغرب، فمعظم البلاد العربية والإسلامية –كما هو معلوم- تتمتع بعلاقات طيبة وجيدة مع الغرب سواء أكانت هذه العلاقات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
ويعود التواصل بين الشرق والغرب إلى عصور سابقة على بداية الدعوة الإسلامية، فالعرب تفاعلوا مع الغرب عبر علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وبظهور الإسلام أصبح العرب والمسلمون أكثر احتكاكًا بالعالم الغربي، وانتقلت الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا، لتفتح آفاق المعرفة والتحضر فيها، واستمرت أوروبا تنهل من حضارتنا الإسلامية حتى ما بعد سقوط الأندلس 1492م.
ونحن في حوارنا الجديد المتوازن مع الآخر لا نريد تقبل معطياته بالكلية، وكذلك لا نريد الرفض المقفل لتلك المعطيات، وإنما يجب علينا أن نتعامل مع هذه المعطيات في ضوء التمحيص العلمي المتأني القائم على المنهج الموضوعي الدقيق، ولا بد من القول أن هناك ثمة فرق بين مستشرق وآخر، فنحن إذا نظرنا إلى ماكتبه “مونتغمري وات montgomery watt” وما كتبه” هنري لا منسhanrilammens” نجد هوة واسعة تفصل بينهما، حيث نجد الأول منهما يقترب حتى ليبدو أشد إخلاصًا لمقولات التاريخ الإسلامي من بعض أبناء الإسلام نفسه، ويبتعد الثاني حتى ليبدو شتامًا لعانًاوليس باحثًا جادًا يستحق الاحترام.
إن من أهم شروط نجاح الحوار البدء بالقضايا المتفق عليها كالوحدة الإنسانية والقيم الأخلاقية، وبيان القواسم المشتركة بين الشعوب الإنسانية جميعًا
إن من أهم شروط نجاح الحوار البدء بالقضايا المتفق عليها كالوحدة الإنسانية والقيم الأخلاقية، وبيان القواسم المشتركة بين الشعوب الإنسانية جميعًا، حيث أكد القرآن الكريم على أنّ أصل بني البشر واحد، وأنّهم متساوون في الإنسانيّة والحقوق، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13).
وصح أنّ جنازة مرّت بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقام، فقيل له: إنّها جنازة يهودي، فقال: “أليست نفسًا”. ويحرم الإسلام امتهان الكرامة الإنسانيّة، ومن فعل ذلك عوقب عليه، ومن ذلك قصّة القبطي الذي ضربه محمد بن عمرو بن العاص، وقال له أنا ابن الأكرمين، فذهب القبطي إلى المدينة المنورة، وشكا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصابه من الهوان، فاستقدم عمرُ عمرًا وابنه معه، وطلب الخليفة من القبطي أن يقتص، وقال له:” دونك الدرة، فاضرب بها ابن الأكرمين”، فضرب القبطي محمد بن عمرو بن العاص، وقال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمته الخالدة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.
لا بد من التركيز أثناء الحوار مع الآخر على الجوانب الإيجابية، والاعتماد على شهادات علماء أوروبا فيما ذكروه عن الإسلام والحضارة العربية الإسلامية، بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية لصورة العرب في الغرب، ومن هذه الشهادات:
لا بد من التركيز أثناء الحوار مع الآخر على الجوانب الإيجابية، والاعتماد على شهادات علماء أوروبا فيما ذكروه عن الإسلام والحضارة العربية الإسلامية
– يقول “ول ديورانت”: “لقد كان أهل الذّمّة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون في عهد الخلافة الأمويّة يتمتعون بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحيّة في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابده”.
– تقول المستشرقة الألمانية زيغريدهونكه: “العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتيون واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها سمح لهم جميعًا -دون أي عائق يمنعهم- بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى. أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟”.
– يقول جوستاف فون جروينباوم:” ليس ثمة ميدان من ميادين الخبرة الإنسانية لم يضرب فيها الإسلام بسهم، ولم يزد ثروة التقاليد الغربية فيها غنى”.
لذا كان من الأهمية الإقرار بالتبادل الحضاري واحترام إنسانية الشعوب، والإقبال على الآخر بروح جديدة أساسها العلمية والموضوعية، بعيدًا عن سياسة قلب المفاهيم والاستنتاجات الخاطئة، والعمل على إقامة المؤتمرات واللقاءات والتركيز على الجوانب الإيجابية أثناء الحوار، بما يعزز ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والثقافات الإنسانية.