إن الكتابات الغربية التي انبهرت بعظمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، جسدت شهادات لكبار الكتاب في حق خير البشرية، إذا اعتبروا أن نبي الإسلام أحسن البشر لحسن أخلاقه وعدالته، لذلك اعتبر بحق القائد العادل الذي لم تعرف البشرية مثله، ومن أمثلة ذلك.
– سير توماس أرنولد
يعتبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في نظر أرنولد نموذجًا للداعي للإسلام، يقول: “..لعله من المتوقع، بطبيعة الحال، أن تكون حياة مؤسس الإسلام ومنشئ الدعوة الإسلامية صلى الله عليه وسلم، هي الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين. وإذا كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم هي مقياس سلوك عامة المؤمنين، فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة الإسلام؛ لذلك نرجو من دراسة هذا المثل أن نعرف شيئًا عن الروح التي دفعت الذين عملوا على الاقتداء به، وعن الوسائل التي ينتظر أن يتخذوها. ذلك أن روح الدعوة إلى الإسلام لم تجئ في تاريخ الدعوة متأخرة بعد أناة وتفكر، وإنما هي قديمة قدم العقيدة ذاتها. وفي هذا الوصف الموجز سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم نموذجًا للداعي إلى الإسلام…”، ثم يضيف أيضا بالقول: “..من الخطأ أن نفترض أن محمدًا صلى الله عليه وسلم في المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره، انقطع عن دعوة المشركين إلى اعتناق الدين”.
وعن معاملته صلى الله عليه وسلم يقول أرنولد: “..إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه بالنظر في شكاياتهم، والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه مألوفًا لديهم، كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه الجزيرة سيدًا عظيمًا ورجلاً كريمًا. وكثيرًا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيًا إلى الإسلام جادًا في تحويل إخوانه إليه”.
– سير توماس أرنولد، على عكس بعض الدراسات الاستشراقية المشككة في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، نجد توماس أرنولد يقر بأنه النبي محمد عليه الصلاة والصلاة خاتم النبيين، يقول في هذا الصدد: “جاء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، النبي العربي وخاتمة النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد…، كانت الشريعة في دعوته لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضًا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين.. ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبُض النبي العربي صلى الله عليه وسلم، عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرًا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل..”، وهكذا بوفاته صلى الله عليه وسلم حسب توماس أرنولد كان قد ترك أمة، أمة ذات وحدة دينية متماسكة.
– مارسال بوازار يقول عن النبي محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم: “سبق أن كتب كل شيء عن نبي الإسلام [صلى الله عليه وسلم]، فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق تفاصيلها. والصورة التي خلفها محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه تبدو، حتى وإن عمد إلى تشويهها، علمية في الحدود التي تكشف فيها وهي تندمج في ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية”.
ثم يضيف كلامًا في غاية الأهمية معترفًا بأن النبي محمد عليه الصلاة والسلام مؤسس سياسية غيرت مجرى التاريخ: “لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم على الصعيد التاريخي مبشرًا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى التاريخ، وأثرت في تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق”.
كما أكد مارسال كذلك على أن الرسول محمد رجل دولة صريح قوي الشكيمة ديمقراطي ولقد استطاع بديبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات وذلك في قوله: “ويبدو أن مزايا النبي الثلاث الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي إبان قيامه، وجسدت المناخ الروحي للإسلام… ولا تنفك الأحاديث الشريفة والسيرة النبوية تصور في الأذهان كرم الرسول وتواضعه كما تصور استقامته ونقاءه ولطفه وحلمه وكما يظهره التاريخ قائدا عظيما ملء قلبه الرأفة ويصوره كذلك رجل دولة صريح قوي الشكيمة ديمقراطي ولقد استطاع بديبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي بدأ فيه النصر العسكري يحالفه”.
– أرنولد توينبي يقول عن النبي محمد عليه ازكى الصلاة والتسليم: “لقد كرّس محمد صلى الله عليه وسلم حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية وهما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم. وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا..، فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطلسي إلى شواطئ السهب الأوراسي..”. وعن مكانته صلى الله عليه وسلم يضيف توينبي قائلا: “..لقد أخذت سيرة الرسول العربي صلى الله عليه وسلم بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فآمنوا برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرًا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددًا”
– د. شيراك النمساوي عميد كلية الحقوق في جامعة فينا يقول: “على البشرية أن تفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، وذلك في قوله: “إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ أنّه رغم أمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنا أن يأتي بتشريع، سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته”.
لو نظرنا لكل ما سبق من كلام المستشرقين وغيرهم الذي لم نذكره، نخلص إلى أن شخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شخصية حظيت باهتمام الدراسات الغربية، وهو اهتمام فرض نفسه بحكم عظمة هذا النبي على مستوى جميع المجالات الدينية والسياسية والعسكرية، كل هذا دفع بالكثير من الكتاب الغربيين إلى ابراز مدى اعجابهم به صلى الله عليه وسلم؛ إذ اعترفوا بأنه نبي مرسل من عند الله وهو ختام النبيين، والذي استطاع جمع وحدة القبائل المتفرقة محققا بينهم الأخوة والتآلف.