فقه واقع الأمة (2) : دراسة في الشروط والعوائق

راسة في الشروط

ما هي الشروط اللازمة لمشروع فقه واقع الأمة؟ وما هي العوائق التي تقف في الطريق؟
1-شرط الشهود: الشهود في لسان العرب ضد الغياب، ولا يمكن لغائب عن الواقع أن يشهد بله أن يفقه. ومن ثم لابد لتحقيق الشهود والحضور من أمور:
أ- الرصد لما يجري بمختلف الحواس، شرط سلامتها عبر مراصد كافية مجهزة معدة لذلك.
بـ- التوثيق الأمين الدقيق المنظم لكل ما حقه التوثيق.
جـ- التكشيف الأمين الدقيق الشامل لكل ما حقه التكشيف.
د- إعداد قواعد لمختلف المعطيات، وبنوك لما يلزم له ذلك من المعلومات.
هـ- المشاركة الفعلية فيما يجري كلما أمكن ذلك.
ذلك ومثله، من أجل إعداد المادة اللازمة للشروع في الدراسة اللازمة لتحصيل الفقه، وذلك بـ:
أ- التحليل الدقيق العميق المتنوع للمعطيات.
بـ- والتعليل الراجح للظواهر في مختلف الصور والاحتمالات.
جـ- ثم التركيب المحكم للكليات من الجزئيات.
د- ثم البناء العام للمراد حسب الحاجات.
لا جرم أن هذا الشهود يحتاج إلى جهود وجهود. ولكن هل يتصور فقه لواقع الأمة وهي على ما هي عليه دون بذل لمثل تلك الجهود؟
2-شرط الميزان: الميزان في لسان العرب آلة الوزن. ويستعار للعدل، وهو في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾(الحديد:25)، مُنْزَلٌ كالكتاب مع الكتاب لضبط الأمور ووزنها بالقسطاس المستقيم؛ إذ لابد لقياس كل شيء من ميزان، ولابد لقياس أي حق أنه حق، من ميزان للحق هو الميزان، وذلك الذي أنزل مع القرآن، وجَلَّتْه السنة البيان, ولم يُقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد اتضح الميزان وثبت، ولم يبق للبشرية إلا أن تدع جهلها وأهواءها لتذعن للميزان، وتزن بالميزان.
لابد من ذلك الميزان ليقوم فقه واقع الأمة بالقسط؛ لابد من ذلك الميزان لإحكام الأداة وإلا اختل الفهم، ولابد منه للتمكن من الوضع وإلا اضطرب الأمر، ولابد منه لرصد ما يجري ويتفاعل في الظرف المعيش والمجال المحيط وإلا كان إخسار في الميزان أو طغيان، وكلاهما مانع من فقه واقع الأمة في ميزان الميزان، قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾(الرحمن:7-9).
وذلك يعني أن الطاقم البشري -على سعته- ولاسيما النخبة المرجع، والدماغ المفكر المنظر، والجهاز المحلِّل المعلِّل المركِّب، أي مختلف الأطر المشغَّلة في مشروع فقه واقع الأمة، لابد أن يكونوا ممن استقام لديهم أمر الميزان، وإلا ضاعت الأموال والأوقات والطاقات ولم تُفْقَه أمةٌ ولا واقع ولا فقه، وتلك خسارة ما أفدحها من خسارة.
3-شرط الفرقان: الفَرْقُ في لسان العرب مداره على الفصل والتمييز، “وفرقتُ بين الشيئين: فصلت بينهما… سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر أو بفصل تدركه البصيرة. والفُرقان أبلغ من الفَرْق، لأنه يستعمل في الفرق بين الحق والباطل… وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾(الأنفال:29)، أيْ نورًا وتوفيقًا على قلوبكم يُفْرَقُ به بين الحق والباطل. فكان الفرقان هنا كالسكينة والروح في غيره”. ذلك فرقان من الفرقان الذي أوتيه المحقق “الراغب”.
ومن الفرقان الذي أوتيه صاحب المنار قوله عن الآية: “وكلمة الفرقان فيها كلمة جامعة ككلمة التقوى في مجيئها هنا مطلقة، فالتقوى هي الشجرة، والفرقان هو الثمرة، وهو صيغة مبالغة من مادة الفرق، ومعناها في أصل اللغة الفصل بين الشيئين أو الأشياء. والمراد بالفرقان هنا العلم الصحيح والحكم الحق فيها، ولذلك فسروه بالنور، وذلك أن الفصل والتفريق بين الأشياء والأمور في العلم، هو الوسيلة للخروج من حيز الإجمال إلى حيز التفصيل، وإنما العلم الصحيح هو العلم التفصيلي الذي يميز بين الأجناس، والأنواع، والأصناف، والأشخاص، وإن شئت قلت بين الكليات والجزئيات، والبسائط والمركبات، والنسب بين أجزاء المركبات، من الحسيات والمعنويات، ويبيّن كل شيء من ذلك ويعطيه حقه الذي يكون به ممتازًا من غيره… وكما يكون الفرقان في مسائل العلوم وموادها، وفي الموجودات التي استنبطت العلوم منها، يكون في الأحكام والشرائع والأديان وفي الحكم بين الناس في المظالم والحقوق وفي الحروب… فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ معناه: إن تتقوا الله في كل ما يجب أن يتقى، بمقتضى دينه وشرعه، وبمقتضى سننه في نظام خلقه، يجعل لكم بمقتضى هذه التقوى ملكة من العلم والحكمة تفرقون بها بين الحق والباطل، وتفصلون بين الضار والنافع، وتميزون بين النور والظلمة، وتُزَيِّلُون بين الحجة والشبهة… وهذا النور في العلم الذي لا يصل إليه طالبه إلا بالتقوى هو الحكمة التي قال الله فيها: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ﴾(البقرة:269)”.
هذه “الملكة” “من العلم والحكمة”، التي هي “الثمرة” لشجرة التقوى، وهي النور في آية الحديد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(الحديد:28)، وهي التي بها يكون الفصل والتمييز والتزييل، والفرقان… هذه الملكة هي الفرقان الشرط، والشرط الفرقان، مَن أوتيه فقد أوتي خيرًا كثيرًا، ومن حرمه فقد حرم حرمانًا كبيرًا. ولا ينتظر من المحرومين المنطفئين المظلمين المختلطين أن يأتوا في فقه واقع الأمة بشيء. وكيف يزيل الظلمة مَن لا نور له؟ أم كيف يبصر مَن لا بصيرة له؟
إن واقع الأمة ليل سادف، وإن فقهه يحتاج إلى نور كاشف: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾(النور:40).

دراسة في العوائق
1-ضعف العلمية: العلمية مصدر صناعي من العلم، ويقصد بها هنا؛ ما يجعل البحث في موضوع ما علميًّا حقًّا، أي مستوفيًا للشروط اللازمة “في البحث التي تتمثل في: صحة المنطلقات، وصحة المقدمات، ومن ثم صحة النتائج”.
ذلك بأن الدرس -أيّ درس- ينطلق من النص بمفهومه العام للنص، أي من المادة الخام التي يقوم عليها البحث، وهذه يُشترَط فيها:
أ- الصحة، وإلا انهار البناء كله، وللمحدّثين في هذا الباب ومَن حذا حذوهم قصب السبق. وفي الإعلام اليوم وهو المصدر الأول للمعلومات، فساد كبير واختلال عظيم لا يسلم من شر سلطانه إلا الراسخون في العلم.
بـ- الكفاية، وإلا تعذرت الأحكام كلها أو بعضها، وكان النقصان في النتائج بقدر النقصان في المعطيات.
ثم إن النص -أيّ نص- بالمفهوم العام للنص، لا يستخرج منه ما فيه إلا بعد الدرس، وفق منهج خاص هو الأنسب للنص. وتتنوع المناهج لتنوع النصوص والمناهج، ولكن علميتها جميعًا تقوم على:
• إخضاع المادة المحكوم عليها كلها للدرس، للسلامة من آفات التعميم.
• تحليل تلك المادة تحليلاً كافيًا يسمح بالإدراك التفصيلي للجزئيات والعناصر المكونة لها بحسب الهدف من البحث. ومعلوم أن ذلك يتطلب أدوات وأدوات، حسب طبيعة المادة ونوع الهدف، بدونها يتعذر النفوذ إلى خلايا المادة لاستخلاص المراد.
وما لم يتم ذلك فستظل المادة المبحوثة، في الظرف نفسه، بحاجة إلى بحث.
• إلقاء الأسئلة المحتملة على كل الظواهر التي كشف عنها التحليل ومحاولة الإجابة عنها، ولاسيما السؤال: لماذا كان هذا هكذا؟ وذلك لتحصيل الفقه التعليلي بعد العلم التفصيلي، والتمهيد للتركيب الابتكاري بعد التحليل المختبري.
وهذه الخطوة في الدرس، هي مناط فقه النص، وبدونها يقال للباحث: اذهب بسلام، فليس معك حتى الآن كلام.
• تجميع ما نجح في الاختبار من نتائج جزئية، وما صح من إجابات وثبت من فروض أولية، ثم تركيبها تبعًا لإشكال البحث والهدف منه في قضايا كلية، ثم بناء النسق العام منها الذي هو حل الإشكال وفصل المقال، بناء منطقيًّا لا دعوى فيه بغير دليل، ولا حكم بدون حجة، ولا ذكر ولا حذف، ولا إيجاز ولا إطناب، إلا وله في حل الإشكال نصيب ومن تحقيق الهدف موجب.
هذه المعالم الكبرى للعلمية في النص والدرس، غائبة أو كالغائبة في معظم ما خبرته من دراسات في مختلف المجالات.
ولا حل شامل قبل حل “معضلة النص”، ولا حل سليم قبل حل “معضلة قراءة النص”، ولا حل حاسم قبل حل “معضلة المنهج”.
والخطر كل الخطر، أن يستمر البحث أو يقدم عليه من جديد في واقع الأمة لفقهه، في غيبة مثل هذه المعالم.
والخوف كل الخوف أن لا تحدث توبة علمية نصوح فيستمر تبذير الأموال والأوقات والطاقات، وما أحوج الأمة إلى أي قدر من الأموال والأوقات والطاقات!
2-ضعف المنهجية: منذ ست عشرة سنة خلت، رُفع ما يمكن تسميته بـ”نداء المنهج”، ولأن زمن الأمة شبه واقف وفي آذانها وَقْرًا أو شبه وَقْر، فإن النداء ما زال بحاجة إلى أن يرفع عاليًا، وذلكم هو:
“مشكلة المنهج هي مشكلة أمتنا الأولى، ولن يتم إقلاعنا العلمي ولا الحضاري، إلا بعد الاهتداء في المنهج للتي هي أقوم، وبمقدار تفقهنا في المنهج ورشدنا فيه يكون مستوى انطلاقنا كمًّا وكيفًا. ولأمر ما ألزم الله عز وجل الإنسان ممثلاً في المسلم بهذا الدعاء، سبع عشرة مرة في اليوم: ﴿اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾(الفاتحة:6).
إن حرصنا على استقامة المنهج في كل شيء، ينبغي أن يكون فوق كل حرص، وإن المجهود الذي نبذله من أجل تقويم المنهج، ينبغي أن يكون أكبر من كل مجهود، إذ العلم -كما هو معلوم- ليس هو القناطير المقنطرة من المعلومات يتم تكديسها وخزنها في أدمغة بني آدم، وإنما هو صفة تقوم بالشخص نتيجة منهج معين في التعلم والتعليم، تجعله قادرًا على علم ما لم يعلم. والعالِم ليس هو الذي يحمل في رأسه خزائن ومكتبات، ولكنه الذي يعرف كيف يوظف ما في رأسه وما في الخزائن والمكتبات، من أجل إضافة بعض الإضافات.
حقًّا إنه لابد من الاستيعاب أولا -وهو جزء من المنهج- ولكن المهم هو ما بعد ذلك من تحليل وتعليل وتركيب.
والناظر في أحوال الأمة عامة، والحال العلمية منها خاصة، يلحظ بيسر أن مسألة المنهج لمّا تعط حظها من العناية والرعاية، وأن كثيرًا من الأموال والأوقات والطاقات تضيع بسبب فساد المنهج. وإذا جاز الترخص في شيء، فإن البحث العلمي لا ينبغي أن يكون من ذلك بحال، لأنه بمثابة القلب من جسد الأمة، إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله. والأمة دائمًا بخير ما دام فيها بعث علمي حقًّا، ينير ويشق لها الطريق، ويحقق ويؤكد لها ذاتها التاريخية، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً. وبغير المنهج القويم لا يمكن أن يستقيم للبحث العلمي سير.
إن الحال العلمية عندنا، تشكو من عديد من الأمراض، منها التكديس بدل البناء، والاستهلاك بدل التصدير، والجمع بدل البحث، والارتجال بدل التخطيط، والفردية بدل الجماعية، والتسرع بدل التأني، والتعميم بدل التدقيق، والفوضى في عدد من المجالات بدل الضبط… ومرد ذلك كله -عند التأمل- إلى فساد المنهج.
فهل ستولى هذه المسألة حظها من الاهتمام؛ فنفكر -قبل السير- في الهدف من السير، ومراحل السير، وكيفية السير؟ أم سنظل سائرين وكفى؟ وحسبنا أننا نسير”.
أجل، مشكلة المنهج هي مشكلة أمتنا الأولى، ولن يتم إقلاعنا العلمي ولا الحضاري إلا بعد الاهتداء في المنهج إلى التي هي أقوم.
ومن ذلك الاهتداء، أن لا نقدم ما حقه التأخير، ولا نؤخر ما حقه التقديم.
ومن ذلك الاهتداء، أن لا نقدم فقه الواقع على فقه الدين، لتوقف الفقه الأول على الفقه الثاني.
ومن ذلك الاهتداء، أن لا نشتغل بدرس النص قبل الإعداد العلمي للنص.
ومن ذلك الاهتداء، أن لا نقدم الدراسة التاريخية على الدراسة الوصفية.
ومن ذلك الاهتداء، أن لا نشتغل بالأحكام عن الحِكم، وبالقواعد عن المقاصد، وبالسطوح عن الأعماق، وبالنوافل عن الفرائض… إلى غير ذلك مما يدرأ كثيرًا من المفسدات لسلم الأولويات، ويصحح كثيرًا من الموازنات بين الثوابت والمتغيرات.
ولا سبيل إلى فقه واقع الأمة اليوم أو غدًا، إلا بعد الاهتداء في المنهج للتي هي أقوم.
وإذا كانت العلمية تحل إشكال صحة النتائج لصحة المقدمات، فإن المنهجية تحل إشكال ضبط المراحل لضبط الأولويات، ومن أصول المنهج الصبر وانتظار الفرج، وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
3-غياب التكاملية: التكاملية مصدر صناعي كالعلمية والمنهجية. والمقصود بها أن يكون وضع الباحثين وهم يبحثون، والمشتغلين وهم يشتغلون، مؤسَّسًا على أن جهودهم -أفقيًّا وعموديًّا- يكمل بعضها بعضًا، أفرادًا كانوا أم مجموعات، ومراكز كانوا أم منظمات، ومجامع كانوا أم جامعات… وهذه التي بحضورها يحضر خير كثير، وبغيابها ينفتح باب للتبذير كبير.
فإن لم يكن التأسيس السابق فليكن التنسيق اللاحق، وإن لم يكن التنسيق في كل فليكن التنسيق في بعض، وإن لم يكن التنسيق الدائم فليكن التنسيق المؤقت… لكن أن لا يكون تنسيق قط، وتقع الحوافر على الحوافر، وتُكَرِّر ما فعلت الأوائلُ الأواخرُ، ويشتغل بالموضوع الواحد عشرات، ولا يشتغل أي واحد بعشرات المواضيع أو مئات… فذلك منكر في الدين والعلم والمنهج كُبَّار، يجب على الواقع فيه التوبة منه، وعلى رائيه التغيير بحسب الاستطاعة له.
نعم، إن غياب “العلمية” أو ضعفها، عائق من أكبر العوائق، وغياب “المنهجية” أو ضعفها كذلك عائق من أكبر العوائق، ولكن غياب التكاملية أو ضعفها ليس فقط عائقًا من أكبر العوائق، بل هو رأس العوائق وأمّ العوائق.
ذلك بأن التنسيق يمثل ضربًا من “الشورى” في الطريق، فينتج عنه آليًّا تصحيح الأعلم للعالم، وترشيد الأكثر منهجية للأقل، بحكم الرفقة العادية في الطريق، والتلاقي المتكرر في التنسيق. “والجهد إذا أحسن صرفه -وفق خطة علمية منهجية متكاملة- كفيل أن يثمر في نابتة الأمة اليوم ثمارًا ستكون في غاية النضج، ثمارًا تخرجها من الحيرة والاضطراب المنهجي إلى الاهتداء للتي هي أقوم، ومن الكلام عن العلم إلى الكلام بعلم، ومن السير الفرداني -فرديًّا كان أو مؤسسيًّا- إلى السير الجماعي المنسق المتكامل، ومن المواجهة الانفعالية الآنية -التي لا ينقصها حسن الظن- إلى التوجهات الإستراتيجية الشاملة التي لا يشوبها -وإن بعدت الشقة- سوء الظن. وعلى الناشئة من الباحثين بعد الله تعالى المعوَّل: أن يؤثروا الآجلة على العاجلة، ويسلكوا الطريق على وعورته صابرين محتسبين”.

خاتمة في المقترحات
وأحسب أن أهمها خدْمة لما نحن فيه، سبعة:
1- إنشاء “بنك الأمة” للمعلومات، يخزّن فيه كل ما يتعلق بالأمة كُلاًّ أو بعضًا، في الداخل والخارج، ذاتًا وظرفًا ومجالاً.
2- إنشاء “مركز الأمة” للتوثيق، يخصص لجمع الوثائق عن الأمة وتصنيفها وتيسيرها للباحثين، ذاتًا وظرفًا ومجالاً.
3- إنشاء “مكتب الأمة” للتنسيق، يخصص لربط العلاقات بين الباحثين والمهتمين بواقع الأمة أفرادًا ومؤسسات، وتنسيق جهودهم، ودفعهم إلى التكامل فيما بينهم في خططهم ومشاريعهم وإنجازاتهم.
4- إنشاء “مجمع الأمة” الفقهي، يخصص للنظر في “فقه واقع الأمة”، وما يلزم للتمكن منه والانتفاع به. ويكوّن من أئمة الأمة في فقه الدين وفقه الواقع وفقه التنزيل.
5- إنشاء مجلة “لسان الأمة”، تخصص للبحوث العلمية المنهجية المتخصصة في فقه واقع الأمة.
6- إنشاء “دار الأمة”، تخصص لنشر البحوث القيمة المتعلقة بفقه واقع الأمة.
7- إنشاء “جائزة الأمة”، تخصص لأكثر الناس خدمة للأمة، وأكثر البحوث نفعًا في فقه واقع الأمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
(1) مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان عدنان داوودي، ط1، 1412هـ- 1992م، دار القلم، دمشق، والدار السامية، بيروت.
(2) تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا، ط1، 1999م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت.
(3) نحو منهج لدراسة مفاهيم الألفاظ القرآنية، بحث قدم في ندوة “القرآن المجيد وخطابه العالمي”، كلية الآداب بأكادير بالمغرب، بتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي، في تاريخ 14-19/1/1418هـ، الموافق 21-26/5/1997م.
(4) البحث العلمي في التراث ومعضلة النص، عرض ألقي في ندوة “تحقيق التراث المغربي الأندلسي: حصيلة وآفاق”، المنظمة بكلية الآداب بوجدة تكريمًا للأستاذ محمد بن شريفة، في تاريخ 9-10-11 نوفمبر 1995.
(5) نظرات في المصطلح والمنهج للشاهد البوشيخي، ط1، 2002، فاس.
(6) مشكلة المنهج في دراسة مصطلح النقد العربي القديم، ضمن ندوة “المصطلح النقدي وعلاقته بمختلف العلوم”.