لا يستطيع أحد إنكار المدى الذي بلغته الحضارة الحديثة في اكتشاف أسرار الكون، إنها حضارة ذكية العقل، واسعة المعرفة، وقد طوعت ما بلغته إلى تقدم صناعي باهر في شتى المجالات، لكن هناك إحساس عام بأن هذا التقدم البعيد المدى لم يواكبه تقدم روحي، وأن إنسان العصر الحديث لا يختلف عن إنسان العصر الأول في غرائزه وشهواته.
لقد اتسع علم الحضارة الغربية وضاق أدبها، بمعنى أنها طالت ثقافتها وقصرت تربيتها، فهي الآن تصنع أجيالاً لا تعرف الحياة إلا ليومها فوق هذا التراب وتؤمن أنها لن تحيا مرة أخرى، ومن هنا غلب عليها السعار في اقتناص الموجود والركض وراء المفقود(1).

الفطرة هي النور الإلهي الذي أودعه الإنسان ليعرف به الخير من الشر ويميز بين النافع والضار.

الفطرة الإنسانية في الفكر الإسلامي

الفطرة هي النور الإلهي الذي أودعه الإنسان ليعرف به الخير من الشر ويميز بين النافع والضار. فالله سبحانه قد غرس في الإنسان هذه البصيرة الأخلاقية وجعلها غريزة تساعده على جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، يستطيع أن يميز بين الخير والشر والحسن والقبيح، ويصدر بها أحكامًا تقوم سلوكه وتحدد اتجاهه ليسترشد بها في بناء نفسه وترابطه بمجتمعه، وتنأى به عن الانحراف وتعود به إلى حقيقة وجوده ومعدنه الأول، لأن فطرة الإنسان مهما تعلقت بالسراب أو خدعتها الآمال الكذابة لا تموت ولا تتحول، إنها تحن دومًا إلى معدنها الأول ومصدرها الأصيل.
فكل ابن آدمَ ولد على فطرة الإنسانية، وهذه الفطرة تقتضي ميوله نحو أشياء عديدة مثل: حب المال، وحب الحياة، وحب الملكية، وحب الزوجة أو الزوج وحب الولد …إلخ
كما تقتضي نفوره ذاتيًّا مثلاً من ذكر الموت أو الهلاك والفناء، من ذكر الفشل، فإن ذكرت أمام طفل أنه لا يحبه أحد وأنه فاشل أو أنه سيموت فتراه يبكي رغم أنه لم يجرب معنى الفشل أو الموت لكنه جُبِلَ على النفور من تلك الأشياء.
والدين الإسلامي موافق للفطرة. ولا بُدَّ بل هو دين الفطرة السوية لاتفاق الاثنين في المصدر، فخالق الفطرة هو مُنَزِّل الدين وفارضه وهو الله عز وجل، ولكنه قد يضع لها ما يُزكيها ويُقَوِم سلوكها ويضع ضوابط لها حتى لا تسلُك مسلكًا مُنحرفًا يؤدي إلى عواقب وخيمة.
إذا فهناك أشياء قد فُطِرَ الإنسان عليها ليكمل بقاءه، وأشياء لتنظم طرق حياته، وأخرى لتميزه عن الحيوان.
والدين لم يترك الفطرة بلا ضابط أو توجيه بل وضع ضوابط حتى لا تنحرف الفطرة إلى الطرق الحيوانية والغرائز الشهوانية.

إن إنسان العصر الحديث لا يختلف عن إنسان العصر الأول في غرائزه وشهواته.

فقد وضع لفطرة الميول إلى الجنس الآخر “الزواج”، ووَضَعَ لفطرة حب المال “الكسب الحلال والصدقة والزكاة”، ووضع لفطرة حب الحياة “الترغيب في بذل النفس في سبيل الله”.

الأمراض الجنسية “أمراض الزنا واللواط”

إن تطور الحضارة وما جلبت عليه من تلوث لفطرة الإنسانية السليمة بممارسة قبيح العادات والانحراف عن سنن الله تعالى في خلقه يعد مؤشرًا كبيرًا لتطور هذه الطائفة من الأمراض. وغنيٌّ عن الشرح أن نقول: “إن هذا هو الذي حدث للعالم اليوم مع الزنا، فعندما اكتشف الدواء الشافي لبعض أمراض الزنا كالزهري والسيلان “البنسلين” انطلق ليغرق أكثر في الزنا بعد أن حمى نفسه من ويلات الزنا المخيفة. وهذا الذي حدث الآن بمظاهر ردة إفرنجية في العالم مرة أخرى ولكن يا ترى ما هو الثمن الذي سوف يدفعه العالم حتى يكتشف عقارًا جديدًا؟.
يكفي أن نعلم أن اكتشاف الأدوية القاتلة لجراثيم الزنا لم تكتشف إلا منذ قرن بعد أن دفعت البشرية قائمة جبارة من الويلات والعاهات، وأمامها الآن قائمة حساب جديدة، وما عند الله أشد وأنكي. قال تعالي: (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ)(فصلت:16).

الحصاد الحتمي للإباحية

تعتبر الأمراض الجنسية من أخطر الأمراض وأشدها فتكا بالإنسان خصوصا في هذا العصر، حيث تشير آخر التقارير لمنظمة الصحة العالمية أن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض انتشارًا في العالم. وأنها أهم وأخطر المشاكل الصحية العاجلة التي تواجه دول الغرب، فعدد الإصابات في ارتفاع مستمر في كل الأعمار، خصوصًا في مرحلة الشباب. يقول الدكتور (جولد) “لقد حسب أن في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص بالأمراض الجنسية في العالم”. هذا وفق الإحصائيات المسجلة والتي يقول عنها الدكتور (جورج كوس): “إن الحالات المعلن عنها رسميًّا لا تتعدى ربع أو عشر العدد الحقيقي”(2).

تعتبر الأمراض الجنسية من أخطر الأمراض وأشدها فتكا بالإنسان خصوصا في هذا العصر.

لذلك قامت عدة منظمات عالمية لمواجهة هذه الأخطار الماحقة، كمنظمة الصحة العالمية والاتحاد العالمي لمكافحة الأمراض الجنسية، وانتهى خبراء هذه المنظمات من وضع قرارات وتوصيات وتحذيرات.

ومع كل هذا ظلت المشكلة في ازدياد وتعقيد مستمر سواء في أنواع هذه الأمراض، أو أعداد المصابين بها؛ بحيث أصبحت أضعافًا مضاعفة، فما هو السبب الحقيقي للانتشار المريع لهذه الأمراض إنه سبب بدهي معروف ضجت به الشكوى، وبحت به الأصوات واتخذت له إجراءات لكن بدون جدوى.

آثار الفاحشة

إنه التحلل الخلقي والإباحية المطلقة في العلاقات الجنسية، إنه انتشار الزنا واللواط وسائر العلاقات الجنسية الشاذة والمحرمة، لقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم من هذه الوهدة الأخلاقية وهذا الانحراف السلوكي الشاذ، وبين أن انتشار الفاحشة والإعلان بها هو سبب انتشار الأوبئة الكاسحة وتفشي الموت والهلاك بين بني البشر.

قال عليه الصلاة والسلام: “لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا”. (رواه ابن ماجه)، وقال أيضًا: “ولا فشى الزنى في قوم قط إلا كثر فيهم الموت” رواه مالك في (الموطأ).

إن في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص بالأمراض الجنسية في العالم.

لقد تحقق كل ذلك، هذا ما يقرره غير المسلمين من الأطباء يقول الدكتور كنج في كتابه (الأمراض الزهرية) “إن الآمال التي كانت معقودة على وسائلنا الطبية الحديثة في القضاء أو على الأقل الحد من الأمراض الجنسية قد خابت وباءت بالخسران.

إن أسباب انتشار هذه الأمراض تكمن في الظروف الاجتماعية وتغير السلوك الإنساني، فقد: انتشرت الإباحية انتشارًا ذريعًا في المجتمعات الغربية.
ويقول الدكتور “شوفيلد” في كتابه (الأمراض الجنسية) ” لقد انتشر تساهل المجتمع تجاه كافة الممارسات الجنسية ولا يوجد أي إحساس بالخجل من الزنا واللواط أو أي علاقة جنسية شاذة أو محرمة، بل إن وسائل الإعلام جعلت من العار على الفتى والفتاة أن يكون محصنًا، إن العفة بالنسبة للرجل أو المرأة أصبحت في المجتمعات الغربية مما يندى له جبين المرء… إن وسائل الإعلام تدعو وتحث على الإباحية باعتبارها أمرًا طبيعيًّا بيولوجيًّا”(3).

الهوامش:
(1) الشيخ محمد الغزالي مائة سؤال عن الاسلام-نهضة مصر للطباعة والنشر
(2) الأمراض الجنسية د نبيل صبحي الطويل ط 8 مؤسسة الرسالة سنة 1986م
(3) الأمراض الجنسية د محمد علي البار ط2 سنة 1986م دار المنارة.
(4)