مرحبًا أيها الإنسان.. أنا الضفدع.. اسمح لي بدايةً أن أشكرك على منحك لي فرصة أصحح بها صورتي التي تشكّلتْ وترسخت في ذهنك، ثم أغيّر نظرتَك الاشمئزازية صوبي لسبب لا أعرف مغزاه حتى هذه اللحظة! لو تأملت قليلاً فستدرك حتمًا أنني لست قبيح الشكل والهيئة كما تظن، بل فيّ من العجائب والبدائع ما لا يخطر على بال. كلِّي فخر واعتزاز أنْ جعلني ربي إحدى النوافذ التي تطل على أسمائه الإلهية في هذا الكون المديد. ولكن لا بأس.. استمع إلى قصتي التي سأحكيها لك أولاً، ثم احكم بما تشاء.

المعروف -عزيزي الإنسان- أن الحيوانات تعيش إما على اليابسة وإما في الماء، بينما وهبني ربي النعمتين معًا؛ فأنا أتمتع بخصائص بيولوجية وفسيولوجية تمكنني من العيش على اليابسة وفي الماء العذب في آن واحد ودون أي صعوبة، كما منحني ربي ساقين خلفيتين طويلتين تتمتعان بأصابع مترابطة بأغشية رقيقة تساعدني على السباحة، وكساني جلدًا ناعمًا أملس يسهّل على رئتي عملية التنفس تحت الماء.

التسلّق على الأشجار

معظمكم يعرف نوعنا المسمى بـ”ضفدع البرَك”(Rana Ridibunda)  الذي كثيرًا ما تسمعون نقيقه في البرك والمستنقعات، وثمة أنواع كثيرة لنا تتحلى بخصائص متميزة وأعضاء متنوعة وفقًا للمحيط الذي تعيش فيه؛ فمثلاً، “ضفدع الشجر” (Hyla Arborea) الذي يقضي معظم أوقاته على أوراق الشجر، يملك أقدامًا غشائية مزوَّدة بأقراص لاصقة عريضة في مقدمة أصابعه، تساعده على التشبث بأوراق الشجر والتسلق عليها. أما نوعنا “ضفدع الأرض” فيمتاز بأقدام قوية على شكل نتوء يستخدمها كمجرفة في حفر الأرض ليدفن نفسه ويختبئ تحت التربة للاستجمام والراحة، أو للحفاظ على نفسه من المخاطر.

نحن الضفادع لا نأكل الجيفة والأجسام المتحللة، بل نصطاد المتحركة فقط كالديدان والحشرات، والسبب في ذلك أننا لا نملك القدرة على رؤية الأجسام الهامدة.

اعلم عزيزي الإنسان أن  الضفدع المائي يحظى بمكانة مرموقة داخل نظام التوازن البيئي؛ حيث يقوم بدور ضبط عدد الحشرات والبعوض والديدان في البيئة من خلال أكلها والتغذّي عليها، ومنع نموَّها المفرط 

حالتان لا نقدر على تحمّلهما نحن الضفادع، الأولى الملوحة، والثانية الجفاف. لذلك لا نقترب من مياه البحر المالحة أبدًا، بل نسعى إلى العيش دائمًا بالقرب من المياه الحلوة العذبة. أما في المناطق الحارة المهيمن عليها الجفاف، فنلجأ إما إلى الأحجار الرطبة لنتفيأ تحتها، أو إلى جذور الأشجار الخضرة، أو إلى أوراق الشجر الطرية المتساقطة على الأرض.. نفضل الاصطياد ليلاً لنتجول براحة بالٍ دون قلق من جفاف جلدنا، طبعًا أستثني من ذلك زملائي الضفادع الذين تعيشون داخل المياه.

سمٌّ قاتل

لقد زوّد خالقنا الرحيم أنواعنا التي تعيش على اليابسة بجلد سميك مغطى بالثآليل يحميها من الجفاف. ولكن أنصحك عزيزي الإنسان، أن لا تقترب كثيرًا من هذا الجنس، لأن السمّ الذي ينتجه جلدها أكثر مما ننتجه نحن الضفادع المائية، إنه سمٌّ مؤلم جدًّا، ورائحته كريهة للغاية. أراك ارتعبتَ! ولكن لا حيلة له سوى هذا السلاح لحماية نفسه من المخاطر ومواصلة حياته المكتوبة له في هذه الدنيا. إن مَن وهب الأسد مخالب، والثيران قرونًا، والقنافذ لباسًا من شوك.. منحنا نحن أيضًا هذا النوع من السلاح كي لا نكون فريسة للغادي والرائح.

وهناك نوع آخر يسمى “ضفدع سهم السمّ” (Dendrobate sp)، وهو يملك سمًّا قويًّا يؤدي إلى الموت في كثير من الأحيان، حتى إن بعض القبائل في أمريكا الجنوبية، قاموا بوضع هذا السم على رؤوس الأسهمة والرماح أثناء صيدهم واقتناصهم الفرائس. كما قام بعض العلماء والباحثين بفحص هذا السم ودراسته، إلى أن استخرجوا منه مضادًّا حيويًّا للأورام قوي التأثير.

اعلم عزيزي الإنسان أني أحظى -أنا الضفدع المائي- بمكانة مرموقة داخل نظام التوازن البيئي؛ حيث أقوم بدور ضبط عدد الحشرات والبعوض والديدان في البيئة من خلال أكلها والتغذّي عليها، فأمنع نموَّها المفرط من جانب، ومن جانب آخر أقدِّم نفسي غذاء للطيور والأفاعي وبعض الثدييات من الحيوانات، فأكون قد أديت دوري في هذا التوازن فلا أتكاثر بعشوائية، ولا أُحدِث اختلالاً في النظام العام؛ أي أتغذى من جانب، ومن جانب آخر أضحِّي بنفسي غذاءً للآخرين من أجل الحفاظ على التوازن البيئي في الطبيعة. سأضرب لك مثلاً حتى يتضح الأمر جيدًا؛ إن التطور الصناعي المفرط في بعض الدول، أدى إلى تلوث المياه ومن ثم إلى موت زملائنا، الأمر الذي أخلى الميدان للبعوض ليزداد عددًا ويتحوّل إلى مخلوق مزعج يحمل أمراضًا خطيرة. فهل فهمتَ الآن قيمتنا نحن الضفادع في توازن الطبيعة، ووعيتَ مدى الفائدة التي نقدّمها إليك أيها الإنسان دون أي مقابل؟

تكاثر داخل الماء

نحن والأسماك ننمو ونتكاثر داخل الماء؛ نضع بيوضنا في الماء لنمنعها من الجفاف ونُبقيها على قيد الحياة. وقد غُطِّيت هذه البيوض بطبقة جيلاتين شفافة كي تحميها من المخلوقات الأخرى. وحين يحين الوقت تفقس هذه البيوض داخل الماء وتخرج اليرقات منها بجسم كبير وذيل طويل من دون أرجل وعنق، وهذا ما يجعل الأطفال يظنونها سمَكًا.

هل تعلم  أننا الضفادع تمتلك لسانًا يبلغ نصف طولنا، وهو سلاحها الوحيد لاقتناص الفرائس؟

إذا كنتم -أنتم البشر- تقضون مرحلة التطور الجيني في أرحام أمهاتكم، فصغارنا نحن الضفادع تقضي هذه المرحلة سابحةً في الماء. أما التحوّل أو المرحلة الانتقالية عندنا فتستغرق شهرين تقريبًا، وذلك وفقًا للنوع، حيث تبدأ أرجلنا الخلفية بالظهور أولاً ثم تنمو الأماميات، وتختفي الخياشيم وتتكون رئتنا، بعدها نخرج مباشرة للسطح ونبدأ الحياة على الأرض.

هناك بعض الناس يؤيدون نظرية داروين ويدّعون أننا انحدرنا من الأسماك ثم تحوّلنا -مع الزمن- إلى زواحف! لكن هذا كلام لا أصل له؛ فنحن الضفادع نتمتع بأرجل وأصابع خلافًا للأسماك التي تتمتع بالزعانف فقط، ثم قلبنا نحن يتكون من ثلاث حجرات، بينما قلب الأسماك فيتكون من حجرتين فقط. ثم إننا نملك رئة تساعدنا على التنفس أثناء وجودنا على الأرض، أما الأسماك فلديها خياشيم تتنفس من خلالها في الماء. بالإضافة إلى أن جلدنا نحن الضفادع أملس، وجلد الأسماك مغطى بقشرة قاسية. ثم تم نحن مزوّدون بعضلات متميزة في الذراعين والساقين تمكّننا من المشي والقفز والهروب عند الشعور بالخطر. ونتمتع كذلك بأعصاب مختلفة تمتد ضمن شبكة داخل هذه العضلات، وهي تختلف كل الاختلاف عن أعصاب وعضلات الأسماك.

خبرة في الصيد

هل تعلم عزيزي الإنسان، أننا نحن الضفادع نملك لسانًا يبلغ نصف طولنا؟ إنه سلاحنا الوحيد لاقتناص الفرائس، حيث أُعدَّ من مادة لزجة لصيد الذباب والحشرات، وهو مطوي داخل فمنا، مثبت من الأمام وسائب من الخلف بعكس لسانكم أنتم البشر، نطلقه بسرعة فائقة على الفريسة لنصطادها ونبتلعها بهناء. كما أن لسان بعضنا كلسانكم، مثبت من الخلف سائب من الأمام. وهناك نوع لا يملك لسانًا أبدًا.

لكل واحد منا طريقته الخاصة في الدفاع عن نفسه؛ فمثلاً، الضفدع أحمر البطن، والضفدع أصفر البطن (Bombina bombina, B.Variegata) ينقلبان على ظهرهما ويبدوان كالميت حالَ شعورهما بالخطر. أما الضفدع رشيق (Rana dalmatina) فإنه صاحب الرقم القياسي بيننا في القفز، حيث زُوِّد بساقين طويلتين منذ اليوم الأول من ولادته، يقضي حياته تحت أوراق الشجر الخضراء. أما أنا، فأملك قدمين غشائيتين تمكِّناني من العيش في الماء. وأما بعض الضفادع المُثأللة التي تعيش على اليابسة والتي تنتسب إلى فصيلة البوفو، فتفرز سمًّا مؤلمًا من الغدد النكفية المتموضعة وراء رأسها. وهناك نوع يتحلّى ببقعة كالعين الجاحظة على ظهره، عندما يشعر بالخطر يحدب ظهره قدْر ما يستطيع ويُظهر بقعة العين هذه بجلاء فيخدع العدو بها ويُرعبه.

وهناك نوع غريب يختلف عن باقي أنواعنا نحن الضفادع، وهو الضفدع الحاضن للبيض (Alytes obstetricans)؛ هذا النوع لا يترك بيضه في الماء مثل ما نفعل نحن، بل يلفّ البيض حول رجليه الخلفيتين ويجوّلها في الماء حتى تفقس وتخرج اليرقات منها، فيحفظها بذلك من التلف من جانب، ومن جانب آخر يوفر لها الأكسجين النقي الذي يلزمها تحت الماء.

عزيزي الإنسان، اسمح لي قبل الانتهاء من الحديث معك، أن أصحح خطأً عرفه الناس منذ القِدم وساروا عليه، وهو قولهم بأني أطلق الثآليل على يد الإنسان.. صدِّقني هذا غير صحيح.. وأنا واثق أنك إذا قمت بالتحقيق والتدقيق في هذا الأمر فسترى أن ما يقال هو افتراء عليّ وبهتان لا أصل له.

على كل حال فلا يسعني في هذا المقام إلا أن أشكرك الشكر الجزيل أن منحتني هذه الفرصة لأعرفك عن نفسي وأبرز لك الحقائق المكنونة في ثنايا خلقي.. اعتن بنفسك وتأمل جيدًا في هذا الكون لتجد حقائقه وتكتشف أسراره. طابت أيامك، وإلى اللقاء.

(*) باحث وأكاديمي تركي. الترجمة عن التركية: نور الدين صواش.