امرأة العزيز

فوجئتْ به يرفض.. أشاح بوجهه عنها.. ليس في وسعها غير الابتسام.. غِرٌّ ساذج.. لم يفهم للدنيا معنى بعدُ.. أعرض عليه نفسي فيمتنع!؟ لو علم أي إنسان بذلك لملأت الحسرة قلبه.. كل البلاط يرقد تحت قدمي.. أمراء.. خدم.. لو سألتهم أين الشمس؟ أين القمر؟ السماء.. الأرض.. لما تحولت عيونهم عن وجهي.. أسرى لتلك العيون موثقون لذلك الثغر السحري.
طلعتها تثير البهجة والسعادة.. تنبض بها القلوب.. تحلق نشوى.. من يجهل الملكة! بل من يأبى أو يتمنع! ازدادت ابتسامتها سخرية.. أقبلت الخادمة:
– سيدتي.. الملك يسأل عنك.
– فليأت.
جاء الملك.. ابتدرها متلهفًا:
– أين كنت؟ بحثت عنك في كل مكان.. غبت عني ساعة.. عشتها بدونك، بل لم أعشها.. ماتت ساعة.. اقترب منها يتملى جمالها؛ عيناها تتألقان. الفَراش يسبح في الضوء الأحر، يذوب عشقًا.. لَسَعات الكهرباء تسري في بدنه.. ينتفض.. اللهيب يكاد يحرق الفَراش الملتصق.. جَنّ الليلُ.. راحت ترتدي ثياب الحفل.. نظرت إلى المرآة انبهرت المرآة من حسنها.. نطقت:
– لم يخلق الله أبدع منك.
ابتسمت في تيه.. أجابت:
– أعرف ذلك.
جاءت الخادمة:
– سيدتي.. الجميع في انتظارك.
خرجت إليهم.. غمرتهم بنورها.. خروا ساجدين.. ملأت أشعتها الأرجاء.. هرول إليها الملك.. طبع على جبينها قبلة.. استنشق فيها الضوء والعبق.. انحنى الوزير على يدها.. نهل من ذات الضوء والعبق.
لثم الساجدون قدميها.. ارتووا أيضًا بنفس الشيء.. تفحصتهم جميعًا.. ما زالت الفَراشات تسبح في هالة ضيائها.. طاف بذهنها ما حدث بالأمس.
ذلك الفتى الذي لو يجيء الآن.. لو يشاهد عبدة الشمس والقمر.
انفرجت شفتاها.. تطلب الفتى..
تسابقوا ليحضروه.. ولم يصدقوا أعينهم!. الفتى الجَسور لم يسجد لها!. حدقوا فيه مذهولين.. راحوا يطوفون حولها.. نظر إليهم.. شاهد ذيولهم تهتز بشرى وسعادة.. حول بصره إليها.. يتأملها في أناة.
انتابها الغيظ.. ما شأنه هذا.. فاحت رائحة كريهة.. زكمت أنفها.. اقشعر جسدها.. صرخت تأمره بالانصراف.. لم تستمتع باللهو مع الباقين.
وحدها.. تفكر فيه.. من يكون؟ هل ملك أمري؟ إنه خادمي!. ولكن.. لو أحكم قبضته قد أموت.. لا.. لن يكون..
ذهبت إليه.. اقتحمت عليه الغرفة.. جفل منها.. خطت نحوه.. صوبت إليه نظرها.. أغمض عينيه يتفاداها.. أنفذت عطرها إلى خياشيمه.. صاح قائلاً:
– يا إلهي!
سيطر عليها الغضب.. من تنادي يا وقح؟ من أنت؟ وكيف تمتنع عليّ؟ أنا أنا.. الكل يسجد لي.. أم تتمرد عليّ؟ صرخت فيه.. تحول صوتها إلى عواء.. تبدت أسنانها أنياب ذئب.. فزع منها.. راح يردد:
– يا إلهي!
ازداد هياجها.. أنشبت أظافرها في عنقه.. غرزت أنيابها في جسده.. تنهش وتمزق وهو يقاوم.. دفعها بقوة.. وقعت على الأرض.. أسرع يدوس رأسها بقدمه.. سقطت مصابيحها فوق أرض الغرفة.. انطفأت أضواؤها.. فاحت تلك الرائحة الكريهة.. ملأت أرجاء القصر.. أقبل أفراد الحاشية.. تساقطوا فوقها.
– مولاتي.. مولاتي.. مولاتي.. ماذا بك؟
انهمرت منهم الدموع.. تحولت الفراشات إلى ديدان.. تسبح في ماء آسن.. أشارت إليه وقالت في إعياء:
– هذا الفتى.. اقتلوه أو أموت.