الماء بالنسبة للإنسان نهر الحياة الدافق، يجري في عروقه حاملاً أسباب بقائه حيًّا من أكسجين وغذاء ودواء وهرمونات ومواد المناعة، إذ كل العمليات الحيوية في جسم الإنسان لا تتم بدون الماء. ويحتوي جسم الإنسان على 60% من وزنه ماء. ويمثل الماء من عضلات الإنسان ما نسبته 75%، ومن الدماغ 90%، والعظام 22%، والدم 83%. والماء إن غاب عن جسم الإنسان فإنه لا محالة يجف وترتفع حرارته ويذبل ويموت. وإن تمكن الإنسان من البقاء حيًّا بدون طعام فترة طويلة، فإنه لا يمكنه البقاء حيًّا بدون الماء أكثر من أربعة أيام.

وظيفة الماء

يقوم الماء بوظائف حيوية وصحية عديدة لجسم الإنسان، فينظم درجة حرارة الجسم، ويعمل على تخليص الدم من السموم والمخلفات، وهو عنصر مهم في عملية بناء الخلايا، كما يساعد على سرعة التئام الأنسجة عند إصابتها بالجروح أو الأمراض.

وأغرب خاصية للماء هي قدرته على استقطاب وتخزين الطاقات النفسية والروحية، مما يجعله عنصرًا أساسيًّا في المعالجات الروحية. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الماء عالج أيوب عليه السلام حينما ابتلي في ماله وولده وفي جسده بمرض شديد، فقال له الله عزو جل: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)(ص:42)، أي اضرب بقدميك تلك الأرض، فنبعت عين ماء، فقيل: “هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ”، أي هذا ماء باردٌ تغتسل منه وتشرب فيبرأ باطنك وظاهرك.

يمثل الماء من عضلات الإنسان ما نسبته 75%، ومن الدماغ 90%، والعظام 22%، والدم 83%.

إن شرب الماء أمر ضروري لصحة الإنسان على العموم، ويؤدي شرب كميات قليلة من الماء إلى عرقلة الأيض، وخفض الأداء البدني والعقلي.

الشرب دون الشعور بالعطش

ما كمية الماء الضرورية التي يحتاج إليها الجسم يوميَّا؟ اختلف الباحثون والأطباء في الإجابة عن هذا السؤال منذ القدم، إلا أن الكمية الموصى بها طبيًّا هي 2.2 لتر للمرأة يوميًّا، ونحو 3 لترات للرجال كما يفيد القسم العلمي في مجلة “فوكوس” الألمانية.

إلا أن البعض لا يلتزم بتلك الكمية معتبرًا أنها مبالغ فيها، ويمكن أن يصدق هذا بالفعل على الأشخاص الذين لا يبذلون جهدًا جسديًّا أو لا يتعرقون كثيرًا، فالشرب دون الشعور بالعطش، وإنما فقط للالتزام بالمعايير الصحية، يبدو نوعًا من الإجبار الذي لا يرغب فيه البعض.

ولكن هل يمكن أن يكون إجبار المرء على شرب الماء دون الشعور بالعطش صحيًّا فعلاً؟ إجابة هذا السؤال نقلته مجلة “فوكوس” الألمانية عن باحثين أستراليين درسوا هذه المسألة، وتوصلوا خلال بحوثهم إلى أن القواعد الشائعة المتعلقة بالكمية التي يجب أن يشربها الإنسان يوميًّا، يمكن مخالفتها.

ففي تلك الدراسة جعل الباحثون -في جامعة موناش الأسترالية- مجموعة من الأشخاص، يشربون كثيرًا من الماء في موقفين مختلفين: بعد الشعور بالعطش إثر ماراثون رياضي، أو بدون الشعور بالعطش في وقت متأخر من النهار.

وعندما سُئل الأشخاص عن شعورهم عند شرب الماء وتقييمهم له، كانت النتيجة أن المشاركين في الاختبار اعتبروا شرب الماء دون الشعور بالعطش أكثر صعوبة منه عند الشعور بالعطش إثر الماراثون الرياضي.

كما فحص الخبراء المشاركون في الدراسة -بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي- ما يحدث في المخ قُبيل الشرب، سواء نتيجة الشعور بالعطش أو بدونه. ولاحظوا أنه عند الشرب دون الشعور بالعطش، يحدث نشاط كبير في قشرة فص المخ الأيمن من الجبهة، وهذا يدل على أن الجسم يريد تعطيل الاستجابة للبلع.

كما أنه -بحسب الدراسة- هناك حالات توفي فيها متسابقو الماراثون لأنهم اتبعوا بدقة الكميات الموصى بشربها من الماء. ويرى الخبراء أن شرب المتسابقين لكميات من الماء أكبر من حاجة جسمهم الفعلية له، أدت إلى وفاتهم، محذرين من أن شرب كميات كبيرة من الماء، يمكن أن يؤدي إلى خفض كمية الصوديوم في الدم بشكل خطير، ويتبعه شعور بالغثيان والتشنجات والإغماء، ويقود في النهاية إلى تورم مميت في الدماغ.

الماء قبل الطعام أم بعده؟

ومن الأسئلة -كذلك- التي أثارت جدلاً كبيرًا في الأوساط الطبية، قضية شرب الماء في أثناء وبعد الطعام، وهل هو مضر أو صحي؟ فالبعض يرى أن شرب الماء في أثناء الطعام أو بعده مباشرة، يمكن أن يتسبب في الأضرار الآتية:

1- تعطيل نزول اللعاب إلى الريق، والريق ضروري جدًّا في حركة التغذية؛ فاللقمة التي لا تمتزج جيدًا في الفم باللعاب، يصعب هضمها أو يقل انتفاع الجسم بها.

ينظم الماء درجة حرارة الجسم، ويعمل على تخليص الدم من السموم والمخلفات، وهو عنصر مهم في عملية بناء الخلايا، كما يساعد على سرعة التئام الأنسجة عند إصابتها بالجروح أو الأمراض.

2- تآكل غشاء المعدة، الناتج عن بطء عملية الهضم؛ فالمعدة عند البدء في تناول الطعام تُفرز عصارات تكفي لهضمه وتحويله إلى طاقة، ولكن شرب الماء بعد الانتهاء من تناول الطعام مباشرة، من شأنه أن يقلل من تركيز هذه العصارة الهاضمة، أو يحول دون وصولها إلى الطعام، وبطء عملية الهضم تبعًا لذلك.

3- تقرُّحات في المعدة، نتيجة زيادة الغازات في الجهاز الهضمي.

4- صعوبة وصول الأكسجين إلى المخ، مما يؤدي إلى زيادة الخمول والكسل لدى الفرد، ومن ثم التقليل من القدرة على التركيز، وزيادة الرغبة الشديدة في النوم.

5- زيادة حجم المعدة وتدليها، وعلة ذلك أن شرب الماء بعد الطعام، يؤدي إلى طول المدة التي تحتاجها المعدة لهضم الطعام، وهذا ما يسبب ظاهرة الكرش ويؤدي إلى زيادة الوزن.

6- إمكانية زيادة مستويات الأنسولين في الجسم، فعندما لا يستطيع الجسم هضم الطعام جيدًا، يميل لتحويل جزء منه إلى جلوكوز وتخزينه كدهون، ويتطلب ذلك زيادة نسبة الأنسولين في الجسم، للتعامل مع كمية الجلوكوز الزائدة.

ويبدو أن بعض هذه الافتراضات العلمية، كان لها تأثيرها على بعض الفقهاء الذين حذروا من شرب الماء أثناء الطعام أو بعده، فمن ذلك ما ذكره أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين: “لا يكثر الشرب في أثناء الطعام إلا إذا غص بلقمة، أو صدق عطشه، فقد قيل: إن ذلك مستحب في الطب، وإنه دباغ المعدة”.

ولعل هؤلاء يجدون ما يقوي حججهم في الطب الصيني الذي يرى أنه من الأفضل ألا تكون المعدة ممتلئة بالسوائل خلال عملية هضم الطعام، فشرب السوائل خلال الأكل أو بعده مباشرة، يُسبب شعورًا بثقل المعدة وبانتفاخ البطن والحرقة والتجشّؤ واضطراب بالتنفس.

ويؤكد المتخصصون في الطب الطبيعي البديل نفس الرأي، فيرون أن شرب الماء أو السوائل بشكل عام خلال الأكل وبعده مباشرة، يخفّف من تركيز العصارات الهضمية في المعدة ويصعّب عملية الهضم، ويشعر الإنسان بسببه بالشبع بعد مدة قصيرة.

وعلى العكس من هذا الرأي تمامًا يرى بعض المتخصصين أن شرب الماء أثناء تناول الطعام أو بعده مباشرة، لا يسبب أيًّا من الأضرار السالفة الذكر.

وفي الدراسات العلمية الحديثة هناك اتجاه يؤكد أن شرب الماء لا يؤثر على مستوى الحموضة في المعدة أثناء تناول الطعام أو بعده. ففي عام 2004 درس الباحثون ما إذا كان شرب الماء على الريق يغير من الحموضة في معدة أشخاص يعانون من السمنة المفرطة، وأظهرت الدراسة أن شرب الماء لا يؤثر في حموضة المعدة؛ وذلك لأن حمض المعدة يكون أكثر حمضية بمليون مرة من الماء، وبالتالي فإن تخفيف حمض المعدة يحتاج إلى شرب كميات كبيرة للغاية من الماء، وهذا مستحيل لأن حجم المعدة محدود. وحتى حين تخف الحموضة في المعدة بعد الأكل، فإن مستوى هذا الحمض يكون كافيًا تمامًا لهضم الطعام. أضف إلى ذلك أن المعدة تغيّر حموضتها بحسب الحاجة، “وحين تتوسع المعدة تزيد خلايا جدار المعدة من إنتاج الحمض تلقائيًّا” وفق ما ينقل موقع دير شبيغل الإلكتروني عن كريستيان تراوتفاين من الجمعية الألمانية لأمراض الجهاز الهضمي. كما أن المضغ يحفز إفراز الحمض، بل وحتى رائحة الطعام ورؤية وجبة لذيذة والتفكير في طعام لذيذ، يجعل المعدة تفرز المزيد من الحمض. ومن ثم فإن شرب الماء بعد تناول الطعام يُبقي مستوى الحموضة مناسبًا تمامًا لهضم الطعام، كما أن المعدة تغير من مستوى الحموضة وفقًا للحاجة فتتوسع المعدة ويزيد إفراز الحمض بشكل تلقائي. فالماء وحتى الشاي والعصائر وغيرهما من المشروبات، تدعم عملية الهضم سواء شربها المرء أثناء الطعام أو بعده، لأن الطعام المهضوم يتحرك بشكل أفضل من المعدة إلى الأمعاء عبر الجهاز الهضمي. بالإضافة إلى أن شرب الماء أثناء الطعام يقلل أساسًا من الإحساس بالجوع، لأنه كلما زاد امتلاء المعدة قل الشعور بالجوع، ومن ثم كان شرب الماء مساعدًا على انخفاض الوزن.

يقول البروفسور “ميشيل ف. بيكو” (Michael F. Picco): “ليس هنالك أي قلق من تخفيض العصارات الهاضمة أو أن يكون شرب الماء بعد تناول الطعام له أي أثر سلبي على عملية الهضم، بل على عكس ما تناقله الناس، فإن شرب الماء بعد الانتهاء من تناول الوجبات يساهم في عملية الهضم ودفع الطعام للمعدة، ويساعد كذلك على منع الإمساك”.