المؤمن لا يسقط وإن اهتز 

إن الصورة الحالية للأوضاع صورة مرعبة، ولكنّ تجاوز هذه الأوضاع وتخطيها بالإيمان والأمل والتوجه إلى الله ليس مستحيلاً. فإن سار الإنسان نحو الشمس أو طار فإن ظله سيكون خلفه، ولكن إن أدار ظهره للشمس فإنه يبقى خلف ظله. لذا يجب أن تكون عيوننا مصوبة على الدوام إلى المنبع اللانهائي للضوء. أجل، إن كل شيء كما عبر عنه الشاعر التركي “محمد عاكف” مرتبط بـ”الاستناد إلى الله، والتوسل بالسعي، والاستسلام للحكمة”.
ومما لا شك فيه أننا نعيش أزمات حقيقية متداخلة بعضها في بعض، إلا أنه يمكن تجاوزها بمعرفة أسبابها والنضال ضدها بإيمان وعزم وأمل، وإلا فإن الخيال والأوهام ستضخّم صورة هذه المشاكل. كما أن السياسة إن تدخلت فيها واستغلتها فستكبر، وستبدو أكبر بكثير من حجمها الحقيقي، وتصل -نتيجة آثار التخريبات النفسية- إلى وضع يصعب الخروج منه.

إن اليأس عفريت يقطع عليك الطريق، وفكرة العجز وانعدامِ الحيلة مرض قاتل للروح، والذين برزوا في تاريخنا المجيد برزوا لأنهم ساروا بكل عزم وإيمان.

نحن نعيش اليوم مرحلة من المراحل التي يتكرر فيها التاريخ بعبره. فقد أحاطت بنا المآسي والمصائب والبلايا من كل جانب؛ كالزلازل والفيضانات والحرائق والضغط على الحريات وكتم الأنفاس… ولكن رغم كل هذه المظالم والبلايا لا زلنا نرى الساكتين والصامتين المسلوبي الإرادة الخائفين حتى من التأوه أمام المصائب. ومقابل هذا نرى صنفاً من الظالمين، يظلمون الناس ويغدرون بهم، ثم يتظاهرون بالبكاء والشكوى ليقلبوا الحقائق رأساً على عقب ويظهروا المظلومين وكأنهم هم الظالمون. كما أن هناك بعض الكتل الجماهيرية التي نراها -لأسباب مختلفة- غير متوازنة في تصرفاتها، فهي على الدوام غاضبة ومحتدة. وهناك أوساط مختلفة كأوساط الإدارة الفاسدة والأوساط المتحكمة والأوساط المحرضة، والأوساط اللاهية التي لا يهمها شيء، والذين يعدون الخداع مهارة والسرقة شطارة، والانتهازيون الذين لهم نصيب عند هؤلاء، والذين يتحصنون وراء حصانتهم القانونية، والذين يرفعون شعار “الحق للقوة” ويستخدمونه حتى النهاية، من أئمة الظلم، والمرتشين والآثمين والمختلسين وتجار الأسلحة وشبكات تجارة المخدرات والمدمنين عليها، وتنظيمات ملعونة أخرى لم يعط لها اسم بعد… كل هذه الأوساط تدفع الجماهير الغاضبة التي فقدت اتزانها إلى مزيد من أعمال الشدة والعنف.
أجل، هناك خريف حزين في كل مكان، والقيم الإنسانية سقطت تحت الأقدام. فلا حرمة للفرد، ولا حرمة للقيم الإنسانية. وإذا وُجد هناك بضعة أفراد يتصرفون ببعض الاحترام، فمن أجل الحصول على أجرة وعلى مقابل لهذا الاحترام. والجماهير أصبحت تُعد في كل مكان كتلاً لا قيمة لها، وحالها تفتت الأكباد، في وقت تبذل لها الوعود بالحصول على عمل وعلى لقمة عيش في أوقات الانتخابات فقط. ولكن لم يعد أحد يصدق هذه الوعود لعدم تحققها.. فالعلم لا صاحب له… والمعرفة والعرفان وراء جبل قاف… الفن مجرد حارس للأيدولوجيات… بيوت العلم استسلمت للتقليد… عشق الحقيقة وحب العلم والشوق للبحث أمور لا تستحق الاهتمام والالتفات إليها… أما بعض الجهود المبذولة فربما لا تتعدى نطاق الهواية… مؤسساتنا الحيوية التي أودعْنا فيها حاضرنا ومستقبلنا ميتة ولا حياة فيها… إن استمعتَ إلى الدعايات والادعاءات حسبت أننا نكفي لعوالم عدة، بينما تشير الحقائق صارخة بأننا لا نكفي لمدينة صغيرة. ومن الواضح لكل ذي عينين أن قيمنا الأخلاقية، والشعور بالمسؤولية، والتزامنا بالحق وبالعدل هي دون المستوى العالمي بكثير، فلا تجد عند الكثيرين منا أي حياء أو خجل أو أي احترام للحق ولا أي توقير للفكر… لقد زال منذ زمان بعيد الخشية من الله، وحس الفضيلة… أما الحياء من الناس فنحن الآن نسعى للتخلص من هذا الشعور المزعج(!). لقد تحولنا إلى أكوام بشرية لا قلب لها ولا روح، وانعكس هذا على وجوهنا، فلم يبق عند معظمنا إحساس بالرحمة أوالشفقة، ولا شعورٌ بالاحترام والتوقير. أما عدد الذين يعدون الدين والديانة مؤسسة عتيقة وبالية فلا يستهان بهم… المشاعر الدينية خربة في كل مكان، والتدين مُهان… اللامبالاة منتشرة وكذلك السقوط الأخلاقي… الخيانات متداخلة بعضها مع البعض الآخر في كل جانب، والصرخات والتأوهات تُسمع من هنا وهناك… في هذه الأرواح التي فقدت مشاعرها الإنسانية ترى جموداً في الأحاسيس والعواطف وشللاً… أو معاذير من أمثال “هل أنا المكلف بإنقاذ العالم؟” القلوب الحساسة أصبحت أسيرةَ انفعالاتها وفقدت توازنها… أما عدد الانتهازيين الذين يقولون: “هذا هو يومنا… وهذا هو عهدنا وزماننا” فليس معروفاً… والله تعالى وحده هو الذي يعلم عدد الذين جعلوا الوصول إلى الثروة عن أي طريق هدف حياتهم. في مقابل هذا نرى أن من يفكر ويحس ولو قليلاً يتجرع الآلام من أيدي أصحاب القوة الغاشمة، ونرى أن مصير من يخدم هذه الأمة هو الانسحاق، ومصير من يُخلص لهذه الأمة هو الوقوع في المصايد الشيطانية المنصوبة له في كل منعطف… صحيح أن الساكتين الآن والصامتين لا يصيبهم شيء، ولا يقال لهم شيء، ولكن لا أحد يعرف ماذا سيأتي به الغد.
هناك شرذمة هامشية تثير على الدوام ضجة وجلبة في كل فرصة سانحة لها ضد الإيمان وضد الإسلام. وهي بدرجة عدائها للدين وللإيمان تستهين بالرأي الحر والديمقراطية الحقة وحقوق الإنسان، وتعلن الحرب على كل من يخالفها في الرأي وفي الفكر، وتُدين كل من لا يشاركها وجهة نظرها، وتمسّه في عرضه وشرفه بل ربما توسلت إلى التصفية الجسدية لمن لا تستطيع الصمود أمام فكره وحججه، وهناك من بينهم بعض النماذج والأفراد الذين لا يملكون ذرة من شرف الفكر وعفة الروح. ولا يتردد أمثال هؤلاء القيام اليوم بتكذيب ما قالوه في الأمس، وأن يذمّوا غداً ويخسفوا به إلى سابع أرض مَن يصفّق له ويهتف بحياته اليوم. وإذا كانت هناك صفة لصيقة بهؤلاء من ذوي الوجهين فهي أنهم يطفون على السطح دائماً، ويتلذذون بلدغ الآخرين كالثعابين. أما التعصب الكفري الموجود لدى بعض هؤلاء فحدث عنه ولا حرج، فهم لا يؤمنون لا بالله تعالى ولا برسوله صلى الله عليه وسلم… قد عميت بصائرهم فهم لا يرون، وصمَّت آذانهم فهم لا يسمعون، لا يملكون روحاً ولا قلباً، ولا عقلاً متدبراً، ولا يحملون وقاراً لا لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم. جهالتهم جهالة مركبة، فهم لا يعلمون، ولا يعلمون أنهم لا يعلمون، ويحسبون أنهم يعلمون.

لقد اعتاد الذين نذروا أنفسهم لسلوك طريق السعداء -في الماضي والحاضر- ألاّ يطالهم اليأس والقنوط وألاّ يهتزوا ولا تأخذهم الحدة والغضب حتى وإن تعرضوا من كل جانب لمشاعر العداء والكره

والخلاصة أننا خائضون اليوم حتى الركب في جميع السلبيات التي كنا نتمنى عدم وجودها، والأنكى من هذا هو عدم وجود أي خبر أو علامة مما كنا نأمل فيه كأمة منذ سنوات عديدة. وعندما يكون هذا هو المنظر العام فمن الصعب الحديث عن الأمل وعن العزيمة. ولكننا كأمة يجب أن نتجاوز هذه الصعاب، إذ لا خيار آخر أمامنا. لأن المصائب التي نواجهها حالياً قد تظهر أمامنا في المستقبل وقد تتضاعف، وعندها ينقلب البلد من أقصاه إلى أقصاه إلى ما يشبه مقبرة جماعية، وقد يُلف عزم الأمة وأملها مثل كفن على رأسها، وتنقلب الأنهار إلى “نهروان” والسهول إلى كربلاء والأعداء إلى “شِمِر”(1) والشهور إلى شهرِ محرم. وقد تتتابع المؤامرات الواحدة منها تلو الأخرى، وتحدث حرائق كبيرة فتحرق إلى جانب بيوتنا ومساكننا آمالنا أيضاً وخططنا وتحولها إلى رماد. وقد يتخلى عنا الجميع… أصدقاء كانوا أم أعداء، ونظل وحيدين ومعزولين، بل قد لا يكتفون بهذا، إذ قد نطعن من الخلف من قبل أشخاص لا نتوقع منهم هذه الخيانة. أجل، نحن نعيش في هذه الظروف التي يَطعن فيها الأعداءُ ويجحد فيها الأصدقاء ويتخلون عنا تماما، فعلينا ألا نستسلم أبداً، ولا ننحني، بل نبقى صامدين وواقفين على أرجلنا مستندين في ذلك إلى إيماننا وآمالنا بل مسرعين نطوي المسافات مثل جواد أصيل يغدو حتى النفَس الأخير.
فلو وصلت المصائب والفواجع إلى أضعاف ما هي عليه حالياً، ولو أحاط بنا الأنين والنحيب من كل جانب، ولو بلغ الصراخ عنان السماء… حتى لو تحولت المآسي الحالية إلى حمم بركانية متدفقة نحو القلوب… ولو تلوّت الأمة بأجمعها من الألم ومن اليأس، ورَسمت السيوف أقواساً فوق الرؤوس المفكرة، ولو سُحقت الأدمغة بالمطارق، وانفرد الظالمون وبقوا في الميدان وساد ظلمهم كل مكان، ولو غطى اليأس الأسود أفضل القلوب وأطهرها، ولو انهارت البيوت وتقوضت العوائل وانهدمت… لو غرب القمر وانطفأت الشمس، ولو انغمرت القلوب مع الأبصار في ظلام دامس… ولو طغت القوة وتجبرت… لو انسحق الحق تحت أقدامِ وعجلات القوة الغاشمة… لو كشرت القوى الظالمة عن أنيابها، وانزوى الضعيف في صمت… لو خارت قوى أصحاب القلوب العاجزة عن المقاومة واحداً إثر آخر… لو سقط كل أصحاب القلوب…
لو حدث كل هذا لما كان علينا إلا أن نستمر في موقفنا ونعطيه حقه من الثبات دون أن نغير سلوكنا قيد شعرة… نقف في موضعنا لنكون موضع أمل ومنبع وقوة يلجأ إليها الجميع، ونحاول من جديد إشعالَ جميع المشاعل الخابية.
إن كان إيماننا بالله تامّاً فلابد أن يكون الأمل والعزم شعارنا، وتقديم الخدمة للأمة مهمتنا. يجب أن يكون توقيرنا للحق تعالى وأن ننذر أنفسنا لإسعاد الآخرين بدرجة أن نفضل أن نُطْعِم قبل أن نَطعَم، وأن نكسو قبل أن نُكسَى فيسعد من يرى أسلوب حياتنا الموقوفة للآخرين، وأمانتنا في أداء الأمانة. يجب أن نعيش طاهرين ونزيهين إلى درجة أن أي حرام أو أي أمر غير مشروع لا يستطيع أن يلوث أحلامنا فضلاً عن حياتنا. ومن يدري كم فقدنا وكم خسرنا، وكم هبطنا من علونا جراء بعض هذه التلوثات. فلا يفلح قط من لا يوفي حق موقعه وينحرف عنه. هذا علماً أننا نعد حب الحياة أو المنافع الشخصية انتحاراً فضلا عن الأهواء الدنيوية، بل علينا ألا نجعل حتى الجنة غاية عبوديتنا، لأن علينا أن نربط قلوبنا بالهبات والأفضال الإلهية والسعي لنيل رضاه، واضعين سدّاً منيعاً أمام رغباتنا وأهوائنا الشخصية. نعطي -دون انتظار أي مقابل- ولا نأخذ، بل نحسن على الدوام. وعندما ننطلق نحو “المحبوب” ونسلك سبيل السعداء لا تخطر أنفسنا على بالنا.
لقد اعتاد الذين نذروا أنفسهم لسلوك طريق السعداء -في الماضي والحاضر- ألاّ يطالهم اليأس والقنوط وألاّ يهتزوا ولا تأخذهم الحدة والغضب حتى وإن تعرضوا من كل جانب لمشاعر العداء والكره، وإن قاسوا من جحود الأصدقاء وشماتة الأعداء، وإن أصبحوا هدفاً لهجوم أصحاب الأرواح المملوءة حقداً ونفوراً… فهم لا يقابلون هذا بشعور مقابل من العداء والكره، بل يدفعون السيئة بالحسنة وبالكلمة الطيبة وبسلوك الإحسان وبالقول اللين فيقومون بذلك بإصلاح جميع السلبيات، ويقابلون الأفكار الهدّامة بحملات البناء… ولو انقلب كل شيء في البلد -لا سمح الله- في يوم من الأيام رأساً على عقب، وانغمرت الجماهير في الظلام، وتقطعت الطرق وتهدمت الجسور فلن يضطرب هؤلاء ولن يهتزوا، لأنهم يرون أن هذا الاضطراب والاهتزاز منهم يعد عدم توقير لعقيدتهم ولإرادتهم. فبدلاً من إظهار دلائلِ ومناظر الموت والخراب في جو من اليأس والقنوط يقومون بتحفيز مشاعر الحياة عند الآخرين وتنشيطها وإثارتها، ويهتفون بكل من يستطيع السير: أن الطريق مفتوح.
إنني أعتقد بأن يد العناية ستمتد حتماً إلى أبطال العزم والعزيمة هؤلاء، إن لم يكن اليوم فغداً… وأن العواصف الهوجاء التي تقطع عليهم الطريق ستهدأ وتسكن، وستذوب الثلوج وتزول، وستتحول السهول والوديان القاحلة حولهم منذ قرون إلى جنان نضرة، وسيبتسم لهم الحظ.
إن اليأس عفريت يقطع عليك الطريق، وفكرة العجز وانعدامِ الحيلة مرض قاتل للروح، والذين برزوا في تاريخنا المجيد برزوا لأنهم ساروا بكل عزم وإيمان. أما الذين تركوا أنفسهم لمشاعر العجز والقنوط فلم يقطعوا أرضاً، ولا ساروا مسافة، بل ضاعوا في الطريق. فمن ماتت عندهم المشاعر والأحاسيس، ومن فقدوا قابلية الحركة لن يقطعوا طريقاً، والنائمون لا يستطيعون الوصول إلى الهدف. أما الذين فقدوا عزمهم وإرادتهم فلن يستطيعوا البقاء قطعاً على أرجلهم مدة طويلة.
والآن إن كنا نفكر في غدنا، ونأمل في الوصول إلى المستقبل ونحن ننبض بالحركة والحياة، فعلينا ألا ننسى أبداً بأن الطرق تُقطع بالسير، وأن الذرى تبلغ بالعزم والإرادة والتخطيط. إن الذرى التي تبدو مستحيلة الوصول، قد تم الوصول إليها مراراً. وقَبَّلت القممُ الشاهقة أقدامَ العزم والإرادة وأنارت في أصحابها عزماً جديداً.
والحقيقة أن من عرف طريقه في أي عهد من العهود وعرف الهدف الذي يتوجه إليه، وكان واثقاً من القوة التي يستند إليها استطاع بفضل هذا الشعور وبفضل هذه الديناميكية التي يشعر بها في أعماقه أن يرقى إلى هذه الذرى ويتجاوزها فيصل إلى الشاهقة مرات ومرات، وتصغر الأرض تحت أقدامهم، وتَفتح السماواتُ صدرها لعرفانهم، وتقف لهم المسافاتُ تحيةً وإكباراً وتقف لعزمهم وجهودهم احتراماً، وتتحول العوائق والموانع إلى جسور تنقلهم إلى أهدافهم. أجل، إن الظلام يندحر دائماً أمام هؤلاء الشجعان، وتنقلب المصائب إلى شآبيب رحمة وتتحول المشقات إلى طرق نجاة، والضوائق إلى حوافز انطلاق.
لو أبادوا حاضر مثل هذا الشخص نراه ييمم وجهه نحو المستقبل ويستمر في طريقه المتوجه إلى الغد. ولو هدموا مستقبله أيضاً لما تردد في نخس جواده نحو مستقبل أبعد، أي لا يملكون حيلة حيال أمثاله، ولم يستطيعوا هذا حتى الآن، لأنه حتى لو عاش هزائم، أو سقط على الأرض، فإنه بفضل عزمه وإيمانه وأمله يستمر في وضع خطط جديدة للفوز وللنجاح ويجد فيها السلوى والعزاء. كما أنه عندما يجابه بموجات من الحقد والعداء، وعندما تدلهم أمامه الخطوب، وتتكاثف الظلمات بعضها فوق بعض لا يسقط في وديان اليأس والقنوط، ولا يضطرب أو تهتز منه شعرة، لأنه لا يمثل الأمسَ فقط ولا اليومَ ولا الغدَ، بل هو في موقع يَسرِي كلامه إلى الأزمنة جميعا فهو “صاحب الوقت” و”ابن الزمان”. يعرف إضافة إلى لغة عصره روح الدين وأسرار القرآن.. كل من يراه ويتلمس شخصيته يتذكر عصر النبوة والخلفاء الراشدين، وهو بمشاعره وأفكاره وبعفته ونزاهته وبوفائه وبصدقه وخلقه المتين يبدو كأنه صرح من الجلمود أو الجرانيت، إن تهدم كل من حوله وانهار، فلا يتفتت ولا يسقط منه مقدار قلامة ظفر واحدة.
نحن نأمل -بفضل هذه الأخلاق العالية والقوية والراسخة- أن تجد الصدور التي تشتكي الغربة والهجران الشفاء والسلوان إن لم يكن اليوم فغداً، وأن تستقيم أصلاب أولئك الذين عاشوا منحني الظهور منذ عصورٍ ظهورَهم، ويهتفوا مؤكدين وجودهم، وأن تحيا الأرواح التي غشيها الظلام وتقوم بتبديد الظلمات التي تحيط بهم وتحاصرهم، وأن يصرف الجميع جهوداً استثنائية ويقوموا -تحت إرشاد المعاني المركوزة في جذورهم وأعماق نفوسهم- بتجاوز جميع العقبات فيتّحدون مع ذواتهم وماهيتهم ويصلون إلى ذروة الحظ والسعادة.
ــــــــــــــ
(*) الترجمة عن التركية: أورخان محمد علي.
الهوامش
(1) شِمِر بن ذي الجوشن: قاتل سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه. (المترجم)