القواعد الأخلاقية ودورها في تحقيق الأمن الاقتصادي

 إن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط استقرار القوة الاقتصادية بتحقق شرط الايمان بالله. فليس في الدين الاسلامي اقتصاد منفصل عن  الايمان بالله و عن القيم الجماعية وعن صلة الرحم، وليس في ديننا اقتصاد منخرم عن أخلاق الإسلام الفاضلة. نعم كما أنه ربط النجاح الاقتصادي بالابتعاد عن المعاملات الاقتصادية الفاسدة التي تؤدي الغير بأكل حقوقهم بالباطل، وتجعل الربح الاقتصادي يتضخم عند فئة قليلة من المجتمع. 

جدير بالتذكير أن مظهر الأمن الاجتماعي تجلى لنا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجعل التجارة علاقات تجارية جافة، بل جعل حركتها تدور مع حركة الجماعة، وجعل القوة الاقتصادية متوقفة على توفر مجموعة من القيم الاجتماعية مثل قيم التكافل و التعاون. وسنحاول معرفة بعض تجليات الأمن المتعلقة  ببعض هذه القواعد.

أولاً: مظهر الامن  من خلال ربط الاقتصاد بصلة الرحم 

  إن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على صلة الرحم وربطها بالرزق الكبير، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ“. من خلال هذا الحديث يتجلى لنا مظهر الأمن في كونه صلى الله عليه وسلم ربط  توسعة الرزق بتحقق صلة الرحم. أي أنه صلى الله عليه وسلم بين لنا أن الزيادة في القوة الاقتصادية التي تشكل نوعًا من الأمن الاقتصادي مرتبطة بتحقق التواصل مع الأرحام الذي هو يدخل في نطاق الأمن الاجتماعي. فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى قاعدة مهمة وهي أن الأمن الاقتصادي للأفراد مرتبط بتحقيق أمن اجتماعي من خلال صلة أفراد المجتمع لأرحامها.

ثانيًا: مظهر الأمن من خلال ربط الاقتصاد بسياسة التقاسم والتشارك

إن المتأمل في المجهودات النبوية في المجتمع المدني الموجهة لتحقيق أمن اقتصادي، يتبين له أنه نهج سياسة التقاسم والتشارك بين أفراد المجتمع المدني و الحديث التالي يؤكد لنا هذا الأمر “الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ و النار “. و يتجلى لنا مظهر الأمن في هذه السياسة في كونها تحدث نوعًا من اللحمة الاجتماعية و نوعًا من التعاون والترابط رغم أنها قد تنتج عنها بعض المشاكل أو النزاعات. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع ضوابط ضابطة لحدوث مثل هذه الأمور. والمتأمل في تجليات الأمن لهذه القاعدة يتبين له أنها تؤدي إلى تحقيق أمن اقتصادي لأن سياسة التعاون والتشارك تؤدي إلى ربح  في الوقت وزيادة في الانتاج. 

ثالثًا: مظهر الأمن من خلال ربط الاقتصاد بفلسفة الإنفاق  

إن الرسول صلى الله عليه وسلم حث المجتمع المدني على الإنفاق وإغناء الفقراء، كما أنه وضح لنا أن القوة الاقتصادية تتضاعف بالإنفاق في سبيل الله تعالى. وقد وردت مجموعة من  الآيات بخصوص هذا الأمر.

وفيما يلي بعض الأمثلة  

أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ” إن المتأمل في هذه الآية يتبين له أن صورة الأمن تتجلى في أمره عز وجل بالإنفاق على الآخرين , أي أن صورة  الأمن هنا تتجلى لنا في كونها تحقق أمن اقتصادي ونفسي للآخرين بواسطة هذا الانفاق.

“مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” يتجلى لنا الأمن  الاقتصادي في هذه الآية في كون الله تعالى يضاعف لنا  مقدار ما نتصدق به .كما أن مظهر الأمن يتجلى لنا في كون الله تعالى ربط لنا القوة الاقتصادية بالإنفاق في سبيل الله تعالى، و بهذا فإن الانسان قد يصل إلى درجات لا حدود لها من الأمن الاقتصادي بالإنفاق في سبيل الله تعالى. ومما ينبغي الإشارة إليه أن الإنفاق يحقق لنا نوعًا آخر من الأمن، و هو الأمن النفسي للشخص الذي تم الإنفاق عليه، حيث يشعر بالاطمئنان و الأمن نتيجة إنفاق الأخر عليه. كما أن صورة الأمن في هذه الاية تتجلى لنا في تحقيق الأمن الاجتماعي بإشاعة روح التعاون و التواصل مع أفراد المجتمع بفلسفة الإنفاق.

“الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” يمكن  ملاحظة تجليات الأمن هنا حيث يعد فيها الله عباده المنفقين في سبيل الله بالأمن و عدم الخوف . كما أن مظهر الأمن هنا يتجلى لنا في تحقق أمن اقتصادي للأفراد بالانفاق، يدل عليه “لهم أجرهم “. لكن ينبغي الالتزام بعض الآداب الاجتماعية كعدم المن بالصدقات. 

رابعًا: مظهر الأمن من خلال ربط الاقتصاد بالتسامح 

 من المفيد أن نذكر بأنه صلى الله عليه وسلم وجه المسلمين في هذه المعاملات إلى قيم التسامح، والأحاديث التالية تؤكد لنا ذلك : عنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ “. يتجلى لنا مظهر الأمن هنا  في كون الله تعالى قد حقق لهذا التاجر الأمن  , بسبب تحقيقه الأمن لهذا المعسر. 

مما سبق يتبين لنا بأن الإسلام ربط الاقتصاد بمجموعة من القواعد الأخلاقية الاجتماعية، لتحقيق  الأمن لجميع الأفراد، ولتبيان أن المال مال الله لا ينبغي أن ننسى فيه حق الفقراء والمحتاجين فيه. ولم يجعل الاقتصاد خالي من الروح  متحجر لا صلة له بالدين بل جعل أن الكفر بأنعم الله سبب في انعدام الأمن الاقتصادي على الإنسان، وجعل لنا قوة المدخل الاقتصادي مرهونة بتحقق صلة الرحم والإنفاق وتحقق قيم التكافل والتضامن وتقوى الله تعالى وذكره.