القرآن بين الوفاء والإنكار

المسلمون بحاجة إلى أن يعودوا إلى القرآن؛ إذ فيه المخرج من كل هَمٍّ، ومن كل كَرْب وضيق، وفيه النجاة من كل أزمة، وفيه الحل لكل معضلة: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)(الأنعام:38). ولكن الواقع اليوم، أننا -نحن المسلمين- انصرفنا عن القرآن واتخذناه مهجورًا: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)(الفرقان:30).

المسلمون بحاجة إلى أن يعودوا إلى القرآن؛ إذ فيه المخرج من كل هَمٍّ، ومن كل كَرْب وضيق.

المسلمون اليوم هاجرون للقرآن الكريم، وبالأخص في التعليم؛ حيث لم تعد الأمة تعلِّم القرآن كما ينبغي، بينما كانت في القرون الخوالي لا تعلِّم شيئًا قبل القرآن، كان أول ما يعرفه الصغير هو كتاب الله، فيجتهد في أن يأخذ منه أكبرَ حظ، ثم يجتهد في أن يتعلم ما في ذلك من كنوز العلم، وأن يتخلق بالأخلاق المذخورة في القرآن العظيم.

ولكن القرآن اليوم مهجور في التعليم، والإعلام، وفي الواقع العملي.. فأصبحت أخلاقه لا تُعلَّم.

لا علاج لـ”أمة القرآن” إلا بالرجوع إلى القرآن الذي لا تنقضي عجائبه، ولا ينتهي خطابه وهُداه.. ينبغي أن يعود المسلمون إلى كتاب الله عز وجل، يقرأونه وكأنه يتنزّل عليهم من جديد؛ لأن هذا القرآن ليس خطابًا للمهاجرين وللأنصار في مكة والمدينة فحسب،

المسلمون اليوم هاجرون للقرآن الكريم، وبالأخص في التعليم؛ حيث لم تعد الأمة تعلِّم القرآن كما ينبغي.

بل إنه خطابٌ لجميع العصور حتى قيام الساعة، لا يحدّه زمان ولا مكان.

وإن فيه نماذج بشرية يمكن أن تكون في كل وقت؛ حيث يجد القارئ نموذج الجبار الطاغية المجرد عن الزمان والمكان، ويجد كذلك نموذج المؤمن الصابر الثابت المحتسب المجرد عن الزمان والمكان.. أيْ يجد في القرآن نموذجين يتصارعان؛ نموذج الخير ثابت هو نموذج رسول الله صلى الله عليه وسلم العبد الذي صلّى، وكان على الهدى، وأمر بالتقوى، ويجد والعبد الطاغية لا يكتفي بألا يتَّبِع هو الحق، بل يريد أن يمنع غيره من اتّباع الحق فينهى عبدًا إذا صلّى، وكذّب وتولّى.

إذن، القرآن مجرد عن الزمان والمكان، ولكنه صالح لكل زمان ومكان. ولذلك بدأت الآيات بنداء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وليس “يا أيها المهاجرون”، ولا “يا أيها الأنصار”، ولا “يا أيها العرب”، ولا “يا أيها المدَنيّون”، ولا “يا أيها المكّيّون” في ذلك الوقت، وإنما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؛ ويعني ذلك أنه إذا وُجدت رابطة الإيمان بين جَمْع من بني آدم، فإنهم يصيرون مؤهلين لأنْ يخاطَبوا بهذا النداء في أي عصر، وفي أي فترة، وفي أي مكان كانوا.