الحاسة التي لا تنام

تعدّ حاسةُ السمع الحاسّة الأولى التي تبدأ بالعملِ عند الطفل بعد ولادتِه مباشرة، حيث تتكوّن الأذن لدى الجنين في الشهر الخامس من الحمل، وتبدأ مهامها فورًا في التقاط الذبذبات الخارجيّة الواصلة له عبر السائل الأمينوسي المغلف له في الرحم، كصوت المشيمة، والمعدة، ونبضات قلب الأم، بذلك تكون حاسّة السمع أول الحواس التي تعمل فعليّاً في جسم الإنسان. فقد أثبتت الأبحاث أن الطفل في بطن أمه يستطيع أن يميز الأصوات، كما أنه يتأثر بالأصوات الخارجية حتى أن سرعة دقات قلبه تتغير حسب نوع الصوت الذي يسمعه وشدته.

كما تعتبر حاسّة السمع الوسيلة التي يتم من خلالها تعلم النطق، والتواصل مع العالم الخارجي، فإذا ولد الإنسان وهو أصم، فهو سيحرم من النطق حتماً، لعدم قدرته على اكتساب أي مخزون لغوي أثناء فترة حياته.

 وللأذن وظيفة أخرى بالإضافة للسمع وهي حفظ التوازن، فهي تحتوي على أعضاء خاصة تستجيب لحركة الرأس فتعطي الدماغ معلومات عن أي تغيير في وضع الرأس، فيقوم الدماغ ببعث رسائل إلى مختلف العضلات التي تحفظ الرأس والجسم ثابتين، كما هو في حال الوقوف أو الجلوس أو السير أو أي حركات أخري.  

ترتبط حاسّة السمع بمراكز التفكير العليا في المخ ارتباطاً وثيقاً، وهذا ما جعلها تتقدم الحواس في الأهمية، إذ إنّ مركز السمع في المخ أكثر تقدمًا، وتطورًا من مركز البصر، وبقية الحواس الأخرى، وفي المجمل تعتبر هي الحاسة المتحكمة في جسم الإنسان كله، من توازن، وتنسيق للحركة، وتنظيم العمليات الحيوية، كما أن لها دورًا كبيرًا في التحكم بالجهاز العصبي، والتأثير على وظائفه.

آلية عمل حاسة السمع

تعتبر عمليّة السمع عملية معقدة، فكل شيء يتحرّك يُحدث صوتًا، وهذه الأصوات تتكوّن من اهتزاز جزئيات الهواء التي تنتقل في موجات إلى الأذن، حيث يتم تحويلها إلى اهتزازات مرّة أخرى لتنتقل إلى الأذن الداخلية، ثم إلى العصب السمعي، ثم إلى الجزء المسئول عنه في الدماغ، والذي يقوم بدوره بترجمة هذه الإشارات العصبية إلى ما نسمعه من أصوات.

أهميّة حاسّة السمع 

الأذن هي الحاسة الوحيدة التي التي تبقى قيد العمل أثناء النوم، بينما الحواسّ الأخرى ساكنة، كذلك لا تستطيع أن تعطلها بإرادتك، فأنت تستطيع أن تغمض عينيك أو تشيح بوجهك بعيدًا إذا لم ترد رؤية شخص معين، وتستطيع أن لا تأكل، وأن تغلق أنفك عن رائحة معينة، أو لا تلمس شيئًا معينا لا ترغب بلمسه… و لكن الأذن لا تستطيع تعطيلها حتى لو وضعت يديك عليها… فحتمًا فسيصلك الصوت.


ولما كانت الأذن الداخلية هي الحاسة الوحيدة المكتملة لدي المولود، فهذا يفسر لماذا توجهنا السنة الى أن نؤذن في أذن المولود مباشرةً وليس في المكان الذي يوجد فيه المولود طالما أن الأذن تكون مكتملة تشريحيا ووظيفياً؟ والجواب أنه من المعروف وجود السائل الأمنيوسى amniotic fluid عند الولادة والذى يملأ تجاويف الجنين ومنها الأذن الخارجية والوسطي, ومن ثم يحدث ضعف في السمع من 20 إلي 40 ديسيبل فربما لو أذن في المكان لا يسمع المولود. 

عندما يولد الطفل فاقدا لحاسة النظر، فإنها لا تؤثر على باقي الحواس على عكس حاسة السمع، فعندما يولد الطفل فاقدا لحاسة السمع، أو إذا افتقدها فى سنوات عمره الأولى، فإن الطفل يكبر دون أن يستطيع الكلام، أي أن اللغة لا تتكون بدون حاسة سمع سليمة.

قصور الأذن البشرية

يتكون الصوت من ذبذبات تسير في موجات عبر الهواء أو الأرض أو مواد أو أسطح أخرى. وتختلف الأصوات من حيث التردد والشدة، فالتردد هو عدد الذبذبات التي تحدث كل ثانية وتقاس بالهرتز، والهرتز يساوي ذبذبة واحدة كل ثانية، والصوت ذو التردد العالي له درجة نغم عالية، وبالمقابل فإن الصوت ذا التردد المنخفض له درجة نغم منخفضة، ويتراوح مدى السمع الطبيعيّ للإنسان ما بين 20 و20،000 هرتز، وتقل قدرة الإنسان على سماع الأصوات ذات التردد العالي مع التقدم في العمر، أما شدة الصوت فهي كمية الطاقة في موجة الصوت وهي تقاس بالديسيبل. 

تتفوق أذن الحيوانات على أذن الإنسان كثيرًا حتى إن الخفافيش والدلافين تستطيع أن تسمع حتى 120000 ذبذبة لكل ثانية. فالخفافيش تستطيع سماع الأصوات ذات التردد العالي جدًا بدرجة أفضل من الإنسان، ويعتمد الخفاش على السمع في حركته وذلك من خلال الاستعانة ببروز يسمى محدد موقع الصدى،إذ يُطلِق نبضات فوق صوتية تنعكس من أي شيء يقع في طريقه أثناء الطيران فيسمعها بأذنيه الكبيرتين، ويقرر بكل دقة بُعد الأشياء والفريسة تماماً، وكذلك يحدد بشكل رائع اتجاهها، وقد قلده البشر، وقلده العلماء ودرسوا هذه الظاهرة، وكانت هي القاعدة الأساسية التي أقاموا عليها فكرة الرادار في اكتشاف الطائرات، فسبحان رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى. 

لماذا نسمع الأصوات أثناء نومنا؟

نحن لا نفقد حاسة السمع أثناء النوم إلا أن هناك قدرة على التمييز بين الأصوات أثناء النوم والتي تقرر ما هي الأصوات التي تستحق الاستيقاظ، وهذا جزء من عمل منظومة اليقظة التي تقع في الفص الجبهي للدماغ. فالأم مثلا تسمع أصواتا كثيرة أثناء نومها ولا تستيقظ، لكن بمجرد سماع صوت طفلها تقفز من سريرها لتتفقده.

يقول خبراء الصحة إن حواسنا تبقى في حالة يقظة حتى أثناء النوم، فرغم أن الجفون تغطي العيون خلال النوم، فإنها تملك مستقبلات صغيرة تدرك عبرها ما إذا كان هناك ضوء في الخارج أم ظلام مثلا، ويفسر خبراء الصحة الأمر بأنه أثناء النوم يقوم الدماغ بعملية تخفيض لمنبهات الحواس عبر تصفيتها، ويعد المهاد الموجود في الدماغ البيني هو المسئول عن ذلك بصفة أساسية، ويطلق عليه “بوابة الوعي” التي يصعب اجتيازها عند النوم. 

ووفقا لتفسير كلام الخبراء، فإنه كلما كانت الإشارة الضوئية قوية أو الإشارة الصوتية صاخبة، كان من الأرجح لنا إدراكها ونحن نائمون،علاوة على ذلك فإن الدماغ يستيقظ عند وجود إشارات جديدة بالنسبة له أو عند غياب حافز مألوف كضجيج حركة المرور مثلاً.

وبالنسبة لما يُعرف بـ”نوم القابلات“، تنتبه الأمهات والآباء أحيانا مع كل همسة لأطفالهم الرضع، ويفسر خبراء الصحة ذلك بأن غريزة الحماية ومشاعر الأمومة تسمح للمحفز باختراق بوابة الوعي.