التنمية المتوازنة.. تحديات وجهود

مفهوم التنمية

التنمية هي عنصر أساسي للإستقرار والتطور الإنساني والاجتماعي على جميع جوانبه وبدونها لا يتحرك العالم إلى الأمام. وهي ظاهرة قديمة ظهرت مع ظهور البشر والتجمعات السكانية على كوكب الأرض لكن فكرة التنمية كمفهوم فهي حديثة النشأة حيث بدأ العالم يهتم بها بغاية الأهمية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولقد صارت من المفاهيم السائدة الدارجة في عصرنا هذا وتنوعت تعريفاتها ومن هذه التعاريف ما يلي:التنمية هي إرتقاء المجتمع والإنتقال به من الوضع الثابت إلى وضع أعلى وأفضل، وما تصل إليه من حسن إستغلال الطاقات التي تتوفر لديها والموجودة والكامنة وتوظيفها للأفضل

وفي سياقنا هذا، نعنى بالتنمية تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى المجتمعات بما فيها تحقيق الإحتياجات الأساسية مثل الطعام المغذي بتكلفة معقولة، والمياه النظيفة وضمان الحصول على السكن والمرافق الصحيّة والرعاية الصحيّة الجيّدة وفرص العمل الأفضل ولا يتم إحرازها إلا عن طريق الحد من الفقر وإلزام التعليم المجاني، وايجاد فرص الوصول للمعلومات، وضمان المساواة بين الجنسين، وكفالة العدل الاجتماعي، وبناء البنية التحتية واقتصاد قوي، والتحرر من التمييز والإضطهاد، وإيجاد حكومات نزيهة وشفافة وحماية حقوق الإنسان، والحد من زيادة التغير المناخي والتغلب على التدهور البيئي وغيرها من العناصر المهمة.

إن عملية التنمية لابد أن تهدف إلى تطوير شامل لجميع مكونات المجتمع المادية والثقافية ولها مجالات فرعية مثل التنمية البشرية، والتنمية الإجتماعية، والتنمية الثقافية، والتنمية الإقتصادية، والتنمية السياسية.

التنمية البشرية : هي عملية توسيع وتطوير إمكانيات ومقدرات الإنسان، بهدف توسيع الخيارات المتاحة أمامه في المجتمع والعالم. والتنمية الإجتماعية: يراد منها رفع المستوى الاجتماعي وتحسين نمط حياة أفراد المجتمع في الصحة والتعليم والتغذية والإسكان. والتنمية الثقافية: تعني جهد واع مخطط له من أجل إحداث تغير في الفكر وأساليب السلوك. ومفهوم التنمية الإقتصادية: هو تحريك و تنشيط الاقتصاد من خلال زيادة القدرة الاقتصادية. والتنمية السياسية: هي مجموعة من المتغيرات تستهدف الثقافة والبنية السياسية مؤدية إلى نقل المجتمع من نظام تقليدي الى نظام سياسي عصري.

إن فكرة التنمية ومعانيها مسألة نسبية، تختلف من شخص إلى شخص ومن مجتمع إلى مجتمع. ما هي التنمية بالنسبة للمشردين بسبب الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية؟ لا يراها لاجئ هارب من الحرب ويعيش في مخيم مثلما يراها ساكن  في حي “كيبرا” في نايروبي. ومفهومها مختلف جدًا بين فتيات يعشن في مجتمع تقليدي وبين فتيات مراهقات في طبقة معدمة يسكن في الهند. ولا يعقل أن نقول إن نوع واحد من التنمية يفيد الجميع ولا يوجد نموذج عالمي للتنمية يتبعه الجميع ليتابعه الجميع. إن تحقيق الإنجازات في كل مجتمع تعتمد على العناصر التكوينية للواقع الإجتماعي الخاص به غير ان هناك احتياجات مشتركة بين المجتمعات العالمية وهي الأساسية للإنسان والتي لا يستغني عنها مهما تدنت أو أرتفعت مستويات معيشته. هناك من يقول إن النتمية هي ارتفاع مستوى الدخل و ظهور الهياكل الأساسية بشكل واسع، هذا غير صحيح لأنه الرفاه الاجتماعي يأتي عن طريق تحقيق الاحتياجات الأساسية للجميع.

التنمية العالمية ودور المنظمات الحكومية

لا يخفى على أحد المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني والتي تعاني منها شعوب العالم. ومن أهمها الجوع العالمي وانعدام الأمن المائي والوقاية من الأمراض ومسألة الأمراض المعدية والأمية واللامساواة بين الجنسين والبطالة والإحترار العالمي والإضطرابات المدنية وغيرها. ندرك أن هناك حاجة ملحة إلى برامج للتوصل إلى حلول للحالات الصعبة التي يعيشها العالم. وأهم التحديات في طريق التنمية المتوازنة كما يلي:

  1. القضاء على الفقر المدقع والجوع في العالم.
  2. توفير التعليم الابتدائي المتميز للجميع.
  3. اتخاذ إجراءات فورية لتقليل معدل وفيات الرضع والأطفال والأمهات.
  4. تأمين الرعاية الصحيّة الجيّدة للجميع وتنمية الوعي الصحي وإكساب العادات الصحية السليمة.
  5. حماية الأطفال من العنف ووضع حد لتجنيد واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة.
  6. تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين على جميع المستويات.
  7. اتخاذ تدابير فعالة لتخفيض معدلات البطالة.
  8. التغلب على التدهور البيئي عبر تعزيز أفضل الممارسات الزراعية والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية.
  9. الحد من تفشّي الأمراض المُهلكة.

إن آليات المنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة تعتبر من أهم الأعمدة الرئيسية لتعزيزعملية التنمية في جميع مجالاتها في العالم. ويتمثل أهدافها الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدولي وإنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وتحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا والتشجيع على ذلك إطلاقًا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء وجعل هذه الهيئة مرجعًا لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.

لقد تمكنت المنظمة من حشد الجهود الدولية ونجحت إلى حد كبير في بناء شراكة عالمية لتحقيق الكثير من أهدافها والبرامج التي خططتها. المنظمة أنجزت تقدمًا ملحوظًا في سبيل تهيئة أوضاع تؤدي إلى استتباب ظروف أفضل في البلدان المستفيدة ولكنها تعجز عن حل المسائل الأساسية التي تعوق التنمية مثل الصراعات الموجودة في مختلف أنحاء العالم خاصة في البلدان المتخلفة. وبكون المنظمة تتمتع بقدرات فريدة نرى آليات الأمم المتحدة هي الأنسب لتوجيه العالم نحو تحقيق التنمية المتوازنة في النظام العالمي الحالي  بشرط أن تكون لديها إرادة قوية لحل المشاكل الأساسية مثل الحروب الداخلية.

التنمية والمنظمات غير الحكومية

المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية ومنظمات التضامن الدولي تلعب دورًا مهمًا في دعم المجتمعات العالمية في شتى المجالات مثل التعليم والصحة، وتقوم بنشر أفكار معتدلة وطرق التعايش السلمي وغيرها من مقومات المجتمعات السليمة. لا يحظى بعض الشعوب في مختلف دول العالم بالإنتباه الكافي خاصة في الدول النامية لأسباب متنوعة مثل ضعف الحكومات الاقتصادية أوالمعنوية في دعمهم في بناء حياة سليمة. والمنظمات الدولية غير الحكومية تفتح نوافذ التقدم والتعليم والأفكار المعتدلة للمجتمع المدني وتساعدهم على المشاركة في بناء المؤسسات الديموقراطية. ويجب عليها أيضا وضع إستراتيجيات فعالة لمساعدة الشعوب.

الحاجة إلى التنمية المتوازنة

نرى أن الكثير من البرامج التي تنفذ من خلال المنظمات الحكومية وغير الحكومية  لم تكتسب زخمًا كبيرًا في مواكبة التحديات التى يشهدها بعض دول العالم حاليًا بسبب تعقد القضايا بأبعاد سياسية. والطريق إلى الأمام لا يزال طويلاً.

وعملية التنمية المتوازنة تحتاج إلى تطوير الكفاءة الإدارية للعاملين فيها ووضع إطار تشاركي للرصد، وآلية لمساءلة أصحاب المصلحة في جميع المستويات. كما علينا التأكّد من أن المساعدات ونتائج البرامج تصل إلى أصحابها الحقيقيين في الوقت المناسب. ونحن بحاجة إلى وضع وتنفيذ مبادرات مكافحة الفساد في الجهود الإنمائية.

إن انعدام قنوات التوصل إلى المعلومات يؤثر سلبيًا على تطوير الفرد والمجتمع ولا يستثني منها الحكومات والمنظمات العالمية. ومن الضروري تعزيز خدمات التنمية العالمية من خلال تعزيز إدارة المعرفة وتقاسمها. فالناس في  القرى النائية غالبًا لايملكون مرافق الاتصالات للحصول على المعلومات. وعلى المنظمة أن تذهب إلى القرى النائية لأن الناس فيها لايعرفون مصادر المعرفة ولا برنامج التنمية. وبالنسبة للهند، فكثير من الذين يعيشون في القرى لا يعرفون الخدمات التي تقدمها الحكومة الهندية من أجل معيشتهم ورفاهيتهم ولا يستفيدون منها بسبب غياب قنوات الإتصال بينهما.

ومن المهم تعزيز مشاركة المجتمع المدني في عملية التنمية وإذكاء الوعي عن طريق تنظيم حملات توعية على نطاق واسع عن كل قضية ويشارك فيها شرائح المجتمع بجميع مستوياته، وينبغي على المنظمات الحكومية وغير الحكومية وضع نماذج إنمائية “تلبي إحتياجات الجيل الحالي دون إضعاف قدرة الأجيال المقبلة على تلبية إحتياجاتها الخاصة”.