أمهليني

أمهليني قليلاً أمي حتى أستوفي بعض ديوني لكِ، لا ترحلي قبل أن أملأ فراغاتي بكِ قبل أن أكتمل منكِ، فأنا لا زلت أعاني النقصان وأمتص منك بعض ما يكملني. لا ترحلي، كيفما كان الرحيل فحتمًا لن أتمكن من استبدالك بسماء أخرى تغطي كياني العاري دونكِ، ولا بئرًا عميقًا يرويني كلما اشتد عطشي، ولا أرضًا تصلح لي لأنمو وأزهر. إني لا أزهر بعيدًا خارج أرضكِ، كما أنني أعاني رهابًا يجعلني أمتنع عن النوم بغير حماكِ. دروب الحياة يا أمي باردة فدثريني بحنانكِ، وامنحيني كما دائمًا عطفك. أمهليني قليلاً حتى أقطع مسافات البوح لكِ، فقد رسمت بقلبي لوحة سريالية أذوب خجلاً من حسنها وبهائها.
أمـي لا تبتعدي فأنا أحبكِ وأتنفس الحياة بكِ، أحبكِ يا أمي حبًّا ليس كأي حب، حبًّا بلا ابتداء ولا انتهاء، كاملاً غير ناقص، ذليلاً خاشعًا مبتهلاً أمام جود حبكِ، حبًّا جعلني لا أتذوق طعم الوجود إلا من عينيكِ.. هذا الحب يا أمي زهرة أنتِ زرعتها تحت نيران السنين الطويلة المتعبة وصقيع الليالي التي أمطرت ثلجًا على مقلتيكِ ليذوب دفئًا على كل جزيآتي ويبعث الحياة بي طويلاً، وأنا أقطفها منذ الأزل دون كلل. كيف أطلق عنان البوح لكِ الآن أمي بكل ما تجمع عندي من مشاعر ضاربة في القدم وفي زوايا قلبي، كل الزوايا حتى التي لا زلت طفلة في اكتشافها. حبي لكِ سر مقدس أتعبد به الله، أنت دنياي الجميلة أعيش فيكِ ومنكِ وأسكن إليكِ.
كلمات الاعتذار عاجزة أمام تقصيري وتعابير الحب مشدوهة أمام فيض حبي وإن أتممت حبري ما استوفيت قدركِ ولا عطاءكِ ولا موتكِ من أجلي كل حين. أنتِ آية الله في عالمي، أنتِ بدايتي التي منها انطلقت، وكراستي التي منها تعلمت، ووسادتي التي عليها بكيت ونمت. أنت هيئة دفاعي وممرضتي وملهمتي وملاكي الحارس من نائبات الدهر، أنت دمعتي المثقلة بالذنوب من تقصيري، وغيثي من جفاف أيامي، صدقيني يا أمي قد أموت سواكِ فأنتِ الحياة.

(*) كاتبة وأديبة مغربية.