لكل منا عالمه الداخلي، عالم كمد البصر بلا حدود، بحر عظيم بلا شطآن مليء بالأسرار مهجور بلا زوار،نُضيع أنفسنا في تفاصيل الأيام، نستغرق في مجريات الأحداث وننشغل بكل شيء عدا أنفسَنا، ربما عندما نجلس لنتأمل حياتنا سنُصْدَم بحقيقة أن لا مكان لنا فيها، أننا نلعب دور الكواكب في حياتنا ونتخذ الآخرين نجومًا ندور في أفلاكها نمضي أين يرجون وأين يحبون.
لعل الواحد منا سيصيبه الذهول عندما يجد أنه لا يلعب دور البطل الرئيسي في حياته، أنه مجرد مُمَثِّل ثانوي حتى في أدق تفاصيله،عندما نلهث خلف رضا الناس فالثمن يكون باهظًا جدًا، فثمن رضاهم -وهو من المستحيلات- أن نضيع أنفسنا ونَضِلَّ عن جوهرنا، ندفع الثمنَ حياتَنا وفوق هذا لا نتسلم السلعة، فإلى متى؟ إلى متى نقبل هذا الضياع؟ إلى متى نقبل هذه الفوضى؟ أما آن الأوان أن نعود إلى عالمنا الخاص؟ ونبحث عن أنفسنا التي أضعناها بإرادتنا ونتصالح معها، فنعرف من أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون؟ أما آن لك أيها الإنسان أن تبحث عن روحك التي أهملتها في أبعد زاوية من زوايا الغفلة ونسيتها وركبت بحر الحياة بلا هادٍ ولادليل.
يعرف الإنسان أن روحه قد تغادره، لكن هل يعرف أنها قد تغادره وهو معها في خصام؟ هل يعلم أنها سيفه الذي لا يكسر وفرسه التي لا تكبو، أنى له أن يقاتل في هذا العالم دون مركب ولا سلاح؟
يعرف الإنسان أن روحه قد تغادره، لكن هل يعرف أنها قد تغادره وهو معها في خصام؟ هل يعلم أنها سيفه الذي لا يكسر وفرسه التي لا تكبو، أنى له أن يقاتل في هذا العالم دون مركب ولا سلاح؟ أرواحنا تلك التي تربط الأرض بالسماء، هل نعلم عنها شيئا؟ هل بحثنا في عالمنا الداخلي عنها؟نجد ونجتهد في إرضاء فلان وعِلان، وكسب ود الناس لكن أين أنفسنا من كل هذا؟ لا أتحدث عن رغباتنا النرجسية التي نظن أننا نسعى لتحقيقها بجمع المال والتودد إلى الكبار ليس هذا سوى صورة مزيفة قبيحة ارتضيناها لنَضِل في عمى عن حقيقة ما نريده حقًا، عنما يرضينا حقا، عن ما يجعلنا نحيى في سكينة واطمئنان غير مغشوش.
أحدثكم أيها الطيبون عن ما أرسل إلينا من السماء يوم نفخ الملك فينا ونحن أجنة؟ أسألكم عن تلك النفس التي تحب الخلود ولا تقبل فكرة الفناء، أسألكم عن أنفسكم النقية التي تعيش في الطين ولا تختلط به؟ أسألكم عن أنفسكم التي يشغلها عالم الغيب؟ أسألكم يا سادة عن تلك التي سألها ربها جل وعلاقبل أن تأتي إلى الحياة “ألست بربكم” فأجابت “بلى”.
عندما تجدون هذه النفوس المطمئنة، لن تكونوا بعدها كواكب تدور في فلك الآخرين، ستصيرون شموسًا ونجوما تضيئون حياتكم وتعرفون طريقكم، ففي قلب كل واحد منكم هاد وضعه الله تعالى يرشده ويهديه سواء السبيل.
لن يكون البحث سهلاً، سيكون عسيرًا طويلاً لكنه سيكون جميلاً تكبر لذته في كل خطوة فيه، فأنتم ما إن تجدوا هذه النفس التي أتت من عالم النور، حتى تشرق حياتكم ويطمس ليلها، فتصير طيبة لا يحزنكم فيها فزع الناس وأنتم على جميع أحوالكم راضون مطمئنون. المضي في البحث عسير يستحق العناء، والدليل فيه قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار “لعلك ترضى”…