لعل مما يعيق تقدم هذا الوطن ورقيه لمصاف الدول المتقدمة، اليأس الجاثم فوق قلوب مثقفيه، الخنوع والرضا بالواقع حتى ولو خالف قولهم ذلك، الرغبة في التغيير السريع كما يغيرون سياراتهم أو منازلهم أو ربما وظائفهم إلى متى ننتظر الآخر ليباشر التغيير، وقبل ذلك أسأل من هو هذا الآخر؟
فلو شاء الله لجعل كل من على الأرض مؤمنًا لكنه اختار سبحانه أن يمتحن الإنسان وينظر ما يفعل لحكمة يعلمها هو.
التغيير لن يكون بين ليلة وضحاها، فعصر المعجزات انتهى بل وحتى المعجزات لم تلمس يومًا هذا الميدان، ولعل في ذلك إشارة لطيفة من الله سبحانه أن التغيير جعل بيد الإنسان، وخاضع دائمًا لإرادة الإنسان نفسها، لأنه بكل بساطة مخيرًا وليس مسيرًا، فلو شاء الله لجعل كل من على الأرض مؤمنًا لكنه اختار سبحانه أن يمتحن الإنسان وينظر ما يفعل لحكمة يعلمها هو، وربما لكرامة الإنسان عند الله، فقد أسجد له الملائكة وحمله الأمانة التي عجزت السماوات والأرض والجبال عن حملها.
وما دمنا لا نزال نريد أن نحصد ما نزرع فلن نمضي للأمام، زراعة الفكر تحتاج عقودًا لتثمر، بل من الفكر مالم يؤت أكله إلا بعد عصور لأنه لم يجد التربة التي تتبناه أو ربما كان سابقًا لأوانه.
احرثوا وجدوا في الحرث ليل نهار، تصببوا عرقًا وتهاووا تعبًا وكلكم فخر أنكم تزرعون ما قد لن تحصدوه في القريب العاجل بل ربما لن تروا ثماره في حياتكم، امتثلوا أمر رسولكم -صلى الله عليه وسلم- عندما أمرنا أن نزرع الفسيلة وإن كنا بين يدي القيامة، وهو يعلم أنها لا تقوم إلا على شرار الخلق.
علينا أن نزرع ولا ننتظر الحصاد ولعل هذا مقام لا يستطيعه إلا من يريد التغيير لصلاح الأمة وليس فقط لتحسين ظروفه الآنية.
فالمعنى جلي: علينا أن نزرع ولا ننتظر الحصاد ولعل هذا مقام لا يستطيعه إلا من يريد التغيير لصلاح الأمة وليس فقط لتحسين ظروفه الآنية، من يحب هذا الوطن حقًا، سيترك صفوف المتشدقين بالأقوال والساخطين الذين يتقنون النقد من خلف الزجاج،
ويهرع إلى صفوف العاملين في الميدان الذين ينتقدون هذه الظروف بأفعالهم ويغيرونها بأعمالهم.
ستأتي عليكم لحظات يأس تقتل روح الطموح فيكم فهذه طبيعة النفس الإنسانية تكل وتتعب وتمل، لكنها سرعان ما تستعيد روحها من جديد لأنها تعلم أن الاستسلام لليأس يعني الانتحار والرمي بكل التضحيات في مقبرة الفشل.