انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح “افعلها بنفسك” (DIY: Do It Yourself) في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصًا بين أوساط الشباب ومتوسطي الأعمار. والغرض الأساسي منه أن يقوم المرء نفسه بتصليح أو إنتاج ما يحتاج إليه من أغراض المنزل أو ما شابه ذلك باستخدام الأدوات والعُدَد الموجودة في المنزل.
“افعلها بنفسك” طريقة مثلى لتنمية المهارات اليدوية والعقلية لكونها تجعل المرء يبدع ويبتكر في تلبية حاجاته اليومية.
ارتبط في عام 1912 مصطلح “افعلها بنفسك”مع المستهلكين وعلى الأخص في مجال تحسين وصيانة المواد والأجهزة المنزلية. وفي الخمسينيات أصبحت عبارة “DIY” أكثر استخدامًا و شيوعًا بين الناس ككلمة مختصرة من معناها باللغة الإنجليزية وهي Do It Yourself.
إنتاج ذاتي
قديما كان الأمر مقتصرًا على اعتماد الذات في القيام بأمور تتعلق باحتياجات الأفراد من التصليح وصناعة الأجهزة المنزلية بهدف توفير التكلفة. وأما في الوقت الحاضر تطوّر المفهوم ليصل إلى هوية لدى الناس. ولم يعد نطاقه مقتصرا عند حد تلبية الاحتياجات، بل أصبح الناس ينتجون تحفًا وهدايا وألعابًا بجانب كل ما يساعد الشخص على تسهيل أموره في المنزل أوالعمل أوالمدرسة.
كيف تصنع مكيف هواء في المنزل؟ كيف تصنع لوحة طاقة شمسية؟ كيف تصنع سينما منزلية بهاتفك؟ أو تحوّل الزجاجات الفارغة إلى أباجورة؟ هذه بعض النماذج التي يصنعها الناس باستخدام الأشياء التي لا يحتاجون إليها في بيوتهم.
تعتبر “افعلها بنفسك” طريقة مثلى لتنمية المهارات اليدوية والعقلية من حيث كونها تجعل المرء يبدع ويبتكر في حل وتلبية متطلباته اليومية، وفي الوقت نفسه تساعد على قضاء أوقات ممتعة كبديل لمشاهدة التلفاز أو التصفح في الإنترنت بدون هدف معين.
“افعلها بنفسك” لبناء شخصية الأطفال
لا شك أن من أهم المناهج التعليمية لتنمية مهارات الأطفال ولتكوين شخصياتهم “منهج مونتيسوري” الذي وضعته المربية الإيطالية ماريا مونتيسوري في أواخر القرن 19. ذلك المنهج الذي يعتمد على مساعدة الأطفال على تطوير قدراتهم الإبداعية، والقدرة على حل المشكلات، وتنمية التفكير النقدي وقدرات إدارة الوقت.
يُقبِل الطفل على التلفاز أو الهواتف الذكية بسبب مَللِه من الألعاب الجامدة التي لا تتغير ولا تتفاعل معه أثناء اللعب.
بما أن الفرد لبنة أساسية في المجتمع وأن قوة وصلابة هذه اللبنة تؤدي إلى قوة المجتمع، إذن لا بد من اهتمام بالغ في تكوين الطفل الذي يحل محل اللبنة في المجتمع. وهذا التكوين ينبغي أن يحتوي على جوانب متعددة من شخصية إنسان كامل محلّى بمقتضيات عصره.
وبالتالي فإن فترة ما قبل المدرسة هي أكثر الأوقات التي تتشكل فيها شخصية الأطفال وتنمو قدراتهم العقلية والبدنية. لذا يجب على الوالدين استغلال هذه الفترة جيدًا وتزيينها في عين الطفل حتى تصبح مدرسة منزلية.
ومن هذا المنطلق يتفق “افعلها بنفسك” مع منهج مونتيسوري في كثير من المبادئ الأساسية منها:
النظام، والدقة، والاكتشاف، والتواصل، والتفاعل مع البيئة والعقلية الرياضية إلخ… من خلال المشاريع الصغيرة التي يقوم بها الطفل على أنها لعبة ممتعة مع والديه أو أصحابه فيتعلم العمل مع الفريق، والقيام بواجباته ليصل إلى نتيجة منشودة، وتنظيم الأعمال والأوقات وغيرها من الخصال التي سوف يحتاج إليها الطفل عندما يكبر ويأخذ على عاتقه مسؤوليات جادة.
اخترع لعبتك بنفسك
علاوة على ذلك فإن مشاهدة التلفاز يحتل مساحة كبيرة من يوم الأطفال. والدراسات العلمية تقول إن مشاهدة التلفاز أكثر من ساعتين تؤثر سلبيا على تنمية الأطفال ذهنيا.
“افعلها بنفسك” يتيح للطفل فرصة اختراع ألعاب جديدة لنفسه وقضاء أوقات ممتعة ومفيدة بدلا من مشاهدة التلفاز.
وإذا كان ما يشاهده الطفل يحتوي على لقطات فيها عنف وضرب، فإن ذلك يجعل الطفل أكثر عصبية بالمقارنة مع أقرانه.
ومن أسباب إقبال الطفل على مشاهدة التلفاز أو اللعب بالهواتف الذكية أن يمل من ألعابه الجامدة التي لا تتغير ولا تتفاعل معه أثناء اللعب. لذا فإن منهج “افعلها بنفسك” يتيح للطفل فرصة اختراع ألعاب جديدة لنفسه وقضاء أوقات ممتعة ومفيدة.
ومن فوائد هذا النوع من التعليم أن يملأ الفراغات الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل حاجزًا كبيرًا أمام محدودي الدخل من التسجيل في مدارس خاصة تعتمد على منهج مونتيسوري وغيرها من المناهج ذات الأهمية القصوى في مجال التعليم.
حيث إنه يعتمد على تنمية المهارات باستخدام أبسط الأشياء في متناول الأيدي من الأوراق والعلب الفارغة والأقمشة القديمة وغيرها من المواد التي لا يحتاج إليها المرء في بيته.
ومن هنا نستطيع القول إن “افعلها بنفسك” كنظام تربية جديدة قد يجد مكانته في الأيام القادمة في مناهج دراسية، وقد يقوم علماء التربية والباحثون بأبحاث ودراسات عميقة حول منهج “افعلها بنفسك” لينتجوا مقررات دراسية ذات جوانب متعددة في تكوين علماء الغد.