أراكَ في كل مكان، ألتفت يمينًا لأرى الشمس تشرق ضاحكة وترسل أساريرها الذهبية تجاهي، ترى كيف لكرة من لهب وحمم محترقة أن تعي ميعاد طلوعها كل يوم، دون منبه أو ساعة أو أي أداة لمعرفة الوقت!؟.
كيف لها أن تبقى معلقة في فضاء الكون، دون أن ترتطم بمثيلاتها من النجوم؟ أعني انظروا إلى شوارعنا، لا يكاد يمر يوم بلا حوادث أو ارتطامات، فكيف لنجوم لا تفقه شيئًا أن تبقى في مسارها لملايين السنين، ماذا عن النجوم والكواكب والمجرات تبقى معلقة بغير خيوط أو عواميد أو إسمنت؟ هل رأيتم منزلًا طافيًّا من قبل!؟.
أَنظر ناحية اليسار فإذا بي أَجِد شجرة عنب تلوح لي من بعيد، أو لعلها على الأغلب تسبّح الخالق الذي خلقها وتمجّده بحفيفها وصلوات يجهلها بنو البشر. ترى، كيف لشجرة لا حول لها ولا قوة أن تعاكس قانون الجاذبية وتنمو للأعلى باتجاه السماء؟ لعلها تمّد فروعها نحو السماء تسبيحًا للذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له.
وكيف لبذرة أصغر من عقلة الإصبع، أن تنشق لتخرج الجمال المكنون بداخلها؟ كيف لهذه البذرة أن تحمل هذا الكم من المعلومات داخل شفرتها الكيميائية دون الإستعانة بكمبيوتر له ذاكرة كبيرة لحفظ كل هذه التفاصيل الدقيقة؟
أليست كل لوحة فنية تدل على رسّام، وكل حرف خُطَّ على خارطة الأزمان يدل على كاتبه؟ فما بال أعظم كاتب وفنان.
نكّستُ رأسي للأرض تواضعًا وخجلاً، فلاحظتُ موكبًا من النمل محتشدًا عند حبة قمح. ضحكتُ في نفسي حين تذكرت تجمعاتنا البشرية وقارنتُ بين هذا وذاك وأصابني العَجَبُ والذهول. فكيف لمخلوقات لا عقل لها ولا إدراك أن تتعاون وتتجمع تحت مظلة العمل وتنجز عملا يذكر؟ وكيف لها أن تدرك مواسم الفصول، وأن تقّدر مصلحة مملكتها السرية؟ أو لربما ترقبني ها هنا الآن نملة منهن فتحاول أن تحّذر البقية كنملة سيدنا سليمان عليه السلام.
وصخرةٌ بالقرب من تجمّع النمل أراها تسجد بذرّاتها لله! كم أستغرب حين يشبّه الناس قلوب القساة بالصخر والحجارة! فالصخور بالرغم من قساوتها تنفجر من أحشائها الينابيع والعيون سبحانك يا ربي!.
كيف للحركة أن تنبثق من الجماد؟ وكيف لأحجار مكونة من مواد في غاية النعومة والهشاشة “كالطين والرخام والفحم” أن تكوّن جبلاً صلبًا قويًّا ومتماسكًا يحفظ توازن هذه الأرض؟.
أغمضتُ عيني، فقد أصابني ما رأيته بالدوار، وأخذتُ أنظر في أعماق عوالمي وأكواني فلاحت لي تريليونات الخلايا تعمل بجد واجتهاد. سبحان الذي ألهمها عملها دون لَبْس أو اختلاط! كيف لخلايا لا عقل لها أن تتعاون معًا لتكوين وإبقاء كائن بهذا التعقيد كالإنسان؟ كيف لمجموعة من المواد الكيميائية والذرات أن تتحد لتلد طوب أساس الحياة…. الخلية!؟ وما أدرى الخلية ما دورها في الجسم؟ وكيف تصنع الطاقة؟ وكيف تنقسم لتعالج الجراح دون شهادة دكتوارة من جامعة متخصصة؟ كيف لها أن تتعرف على الجراثيم وتميز الدخلاء دون أقرانها من الخلايا؟ إنها فعلاً حقائق تبهر الألباب ويخرّ القلب ساجدًا للخالق الذي خلق وأبدع في خلقه.
ما زالت آثار يدك الحانية تحفّني من كل جانب يا ربّي، فهذه الخلائق هي دليلي إليك… أليست كل لوحة فنية تدل على رسّام، وكل حرف خُطَّ على خارطة الأزمان يدل على كاتبه؟ فما بال أعظم كاتب وفنان، قد رسم بحرفين “كن” عجائب هذا الكون وأسراره. سبحانك يا إلهي! إن العقول لتخور قواها وتحتار كلما تأملت عجائب خلقك، فتبارك الله أحسن الخالقين.