ولد أبوعبد الله “أسد بن الفرات بن سنان” في سنة 142 هجرية بمدينة “حران” في ديار بكر بالشام، ثم انتقل بعد ذلك وفي سنة 144 هجري إلى بلاد المغرب مع أبيه “الفرات بن سنان” والذي كان قائدًا للمجاهدين الذين خرجوا لنشر الإسلام في بلاد المغرب، ولقد استقر مع أبيه في مدينة القيروان ونشأ منذ صغره على حب العلم وحفظ كتاب الله في مرحلة الصبا وأصبح معلمًا للقرآن وهو دون الثانية عشر من عمره.
ولقد نجح في تحصيل العلوم الشرعية وبرع في الفقه وكان يميل إلى إعمال العقل.
ولقد نجح في تحصيل العلوم الشرعية وبرع في الفقه وكان يميل إلى إعمال العقل، وفي البداية اتبع مذهب أبي حنيفة وظل هكذا حتى التقى مع الفقيه “علي بن زياد”، والذي يعتبر أول من أدخل مذهب الإمام مالك بن أنس إلى بلدان المغرب الإسلامي، ولقد تعلم منه أسد بن الفرات كل أصول مذهب مالك وبعدها قرر أسد أن ينتقل إلى المشرق في رحلة علمية طويلة ابتداءً من سنة 172 هجرية.
لقد سافر أسد بن الفرات إلى المدينة النبوية لسماع الموطأ من الإمام مالك مباشرة، ولقد لاحظ الإمام مالك حرص أسد على سماع الحديث وشغفه بالعلم. لقد كان أسد بن الفرات شديد الشغف بالعلم فاستقل مرويات مالك في الموطأ واستزاده في السماع، ثم رحل بعد ذلك إلى العراق بعدما انتهى من سماع الموطأ.
وفي العراق التقى مع كبار تلاميذ أبي حنيفة وخاصة “محمد بن الحسن” والذي كان من كبار رواة الحديث، والقاضي أبو يوسف وهو من أهم تلاميذ أبي حنيفة وأفقههم، فتعلم أسد أولاً المذهب الحنفي واستفاد من محمد بن الحسن استفادة كبرى وكتب عنه الكثير من مسائل المذهب الحنفي المشهور.
ولقد استمر أسد في رحلته إلى العراق جامعًا بين طلب الحديث والفقه إلى سنة 179 هجرية وهي السنة التي توفي فيها الإمام مالك فارتجت العراق لموته وأقبل الناس من كل مكان للسماع من تلاميذ مالك، ولقد ندم أسد على أنه لم يبق بجوار مالك ولذلك قرر أن يلازم تلاميذه وأصحابه في العراق.
ومن العراق ارتحل أسد بن الفرات إلى مصر وكان بها أكثر تلاميذ مالك علمًا وورعًا من أمثال “ابن وهب” و”ابن القاسم”، ولقد دخل أسد أولاً على ابن وهب وعرض عليه كتبه التي كتبها على مذهب أبي حنيفة، ثم دخل على “ابن القاسم” والذي تفرغ له ولقنه المذهب المالكي كله بأصوله وفروعه ودون هذه المسائل كلها في الكتاب الشهير “الأسدية”وحررها وضبطها حتى صارت المرجع الأول للفقه المالكي في بلاد المغرب.
وفي سنة 181 هجرية عاد أسد بن الفرات إلى القيروان بعد رحلة علمية طويلة شاقة ولكنها كانت ناجحة علميًّا وفقهيًّا بعد أن تنقل فيها بين المدينة ومكة وبغداد والكوفة والفسطاط في طلب العلم، حتى صار من كبار علماء المغرب وإمام من أئمة المسلمين الذين بلغوا درجة الاجتهاد، فلا يفتي إلا بعد النظر والترجيح ولا يتقيد بمذهب معين.
لقد عاد أسد بن الفرات إلى القيراون حاضرة أفريقية ومنارة العلم الأولى في الشمال الأفريقي بعد أن جمع علمًا جمًا في الحديث والفقه بمدرستيه الأوليتين الحنفية والمالكية، وجلس بجامع عقبة وأقبل عليه الناس من كل مكان من المغرب والأندلس، واشتهر أمره وشاع علمه وارتفع قدره. ولقد كان أسد بن الفرات شديد الضبط والتحرير والدقة لكتبه حتى صار مضرب الأمثال في ذلك.
كما أن أسد بن الفرات كان من كبار المجاهدين في سبيل الله؛ حيث ورث حب الجهاد عن أبيه الذي كان أمير المجاهدين في “حران” والذي حمل ولده الصغير أسد وخرج به مجاهدًا في سبيل الله فنشا محبًا للعلم وشب عالمـًا نابهًا وكذلك جنديًّا جريًئا وبحارًا مغامرًا حيث اشترك وهو لازال في سن الشباب وقبل أن يقوم برحلته العلمية المشهورة في العديد من المعارك البحرية في مياه البحر المتوسط.
لقد كان أسد بن الفرات شديد الشغف بالعلم فاستقل مرويات مالك في الموطأ واستزاده في السماع، ثم رحل بعد ذلك إلى العراق بعدما انتهى من سماع الموطأ.
ويقول العلامة ابن خلدون أن أسد بن الفرات هو الذي افتتح جزيرة “قوصرة” وهي جزيرة صغيرة تقع شرقي تونس اليوم.
وفي سنة 212 هجرية ولما استنفر الناس للجهاد وفتح صقلية هرعوا لتلبية النداء وجمعت السفن من مختلف السواحل، بحث حاكم تونس ابن الأغلب عمن يجعله أميرًا لتلك الحملة البحرية الكبيرة فلم يجد أفضل من “أسد بن الفرات”، على الرغم من كبر سنه حيث بلغ أنذاك السبعين عامًا.
ولقد خرج أسد بن الفرات من القيروان في حملة عسكرية كبيرة قوامها عشرة آلاف جندي من المجاهدين المشاة وسبعمائة فارس بخيولهم، في أكثر من مائة سفينة كبيرة وصغيرة خرجت من ميناء مدينة سوسة الساحلية التونسية وسط جمع عظيم من أهل البلد الذين خرجوا لتوديع الحملة المجاهدة
وفي يوم السبت 15 ربيع الأول من سنة 212 هجرية تحرك الأسطول في اتجاه جزيرة صقلية. ولقد وصل إلى بلدة “فازر” في طرف الجزيرة الغربي بعد ثلاثة أيام من الإبحار، ودخل أسد بن الفرات على رأس جنده إلى شرقي الجزيرة، وهناك وجد قوة عسكرية رومانية بقيادة الثائر “فيمي”، الذي طلب مساعدة سابقا مساعدة حاكم تونس لاستعادة حكمه على الجزيرة، ولقد عرض “فيمي” على القائد أسد بن الفرات الاشتراك معه في القتال ضد أهل صقلية ولكن القائد المسلم العالم بأحكام شريعته المتوكل على الله رفض ذلك.
ولقد تمكن أسد من الاستيلاء على العديد من القلاع أثناء سيره مثل قلعة بلوط والدب والطواويسحتى وصل إلى أرض المعركة عند سهل “بلاطة” نسبة إلى حاكم صقلية، وعندها أقبل “بلاطة” في جيش ضخم بلغ تعداده مائة ألف مقاتل أي عشرة أضعاف جيش أسد بن الفرت.
ولقد خطب أسد في الجيش المسلم فذكرهم بالجنة وموعود الله عز وجل لهم بالنصر والغلبة، وتلى عليهم بعض الآيات من القرآن هو يحمل اللواء في يده، ثم اندفع للقتال والتحم مع الجيش الصقلي الجرار. واندفع الجنود المسلمون من ورائه ودارت معركة طاحنة، لايسمع منها سوى صوت قعقعة السيوف وصهيل الخيول والتكبير الذى يخترق عنان السماء.
والأسد العجوز الذي جاوز السبعين يقاتل قتال الأبطال الشجعان؛ حتى أن الدماء كانت تجري على درعه ورمحه من شدة القتال وكثرة من قتلهم بنفسه وهو يقرأ القرآن ويحمس الناس ويثبت عزائم المسلمين حتى هزموا الجيش الصقلي شر هزيمة وفر قائده بلاطه من أرض المعركة وانسحب إلى مدينة “قصريانة”، ثم غلبه الخوف من لقاء المسلمين ففر إلى إيطاليا وهناك قتل على يد بني قومه بسبب جبنه وفراره من قتال المسلمين.
و على أثر هذا الانتصار الحاسم واصل أسد بن الفرات زحفه حتى وصل إلى مدينة “سرقوسة” ومدينة “بلرم” فشدد عليها الحصار، حتى وصلت إليه الإمدادات من تونس. واستطاع أسد بن الفرات أن يحرق الأسطول البيزنطي الذي جاء لنجدة “بلرم”، وأوشكت المدينة على السقوط ولكن وللأسف حل بالمسلمين وباء شديد يعتقد أنه الكوليرا أو الجدري فهلك بسببه عدد كبير من المسلمين وفي مقدمتهم القائد المقدام “أسد بن الفرات”.
وفي سنة 213 رحل “أسد بن الفرات” الفقيه و القائد البطل المرابط والمجاهد بعيدا عن أهله وبيته مؤثرًا مرضات ربه ونصرة دينه. لقد جمع بين خصال الخير كلها من علم وورع وجهاد وشهادة و لذلك سجل اسمه بأحرف من ذهب في سجل كبار أبطال الأمة الإسلامية.