يثور الجدل في الآونة الأخيرة حول اكتشاف نص قرآني نادر “مخطوطة” محفوظ في مكتبة جامعة برمنجهام، ليذهب البعض إلى القول بأنه: “لا يستبعد أن يكون أقدم نص مدون للقرآن الكريم” بل هناك من الباحثين من رجح أن يكون هذا النص القرآني معاصرًا لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم (570-632م)(1).
أول ما اهتدى الباحثون إلى نسخة القرآن الثمينة العريقة في القدم كان في عام 1869م في مدينة سمرقند، وقد حفظت هذه النسخة النفيسة في مكتبة سان بطرسبرج الإمبراطورية العامة
يتوافق قراءتي لهذا المقال، مع قراءتي لمقال آخر يُشير كاتبه إلى أن “من الأمور المثيرة للدهشة وجود بردتان عربيتان مؤرختان (22 هـ/ 643 م)؛ إحداها تتعامل مع مسألة جمع الضرائب، والثانية إيصال ثنائي اللغة (يوناني– عربي) يحتوي على توريد أغنام للجيش الإسلامي”، وعثر عليهما في مصر(2)، أثار ذلك اهتمامي بالموضوع، وبينما أبحث في أرشيفي عثرت على صفحات مصورة تحمل خبر منشور بمجلة الإخاء، العدد السابع للسنة الخامسة، (ديسمبر 1928م/ جمادى الثانية 1347هـ)، ص 641، 642. بعنوان: “القرآن الكريم، أقدم نسخة منه بخط الخليفة عثمان (رضي الله عنه) والنسخة المنقولة عنها في سان بطرسبرج”، فرأيت أن هذا الخبر قد يحل كثيرًا من الإشكاليات المتعلقة بالموضوع، فرأيت أن أنشره، وهو كالتالي:
أول ما اهتدى الباحثون إلى نسخة القرآن الثمينة العريقة في القدم كان في عام 1869م في مدينة سمرقند، وقد حفظت هذه النسخة النفيسة في مكتبة سان بطرسبرج الإمبراطورية العامة، وكان أول من أحضرها حاكم تركستان العام، الجنرال “كوفمان”، قالوا: وكانت قد قدمت هذه النسخة هدية من آسيا الصغرى إلى “كوجا” التركستاني الشهير، الذي ولد عام 1403 بعد الميلاد، قدمها له أحد الباحثين من رجال الدين، ثم نقلت إلى تركستان بفضل واهتمام الفاتح العظيم “تيمورلنك”. وهذه النسخة كبيرة القيمة عظيمة الخطر؛ لأنها مكتوبة بخط عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، وقد كتبت كلها بيده، ومن هنا تتجلى للقاريء نفاسة هذه النادرة المعدومة المثال، التي جمعت بين جلال القدم وجلال الكاتب.
وقد انكب على دراستها العالم الباحث الكبير الأستاذ “شبوتين” العضو بجمعية الآثار الإمبراطورية الروسية، ومن رأي هذا الأستاذ الجليل أن هذه النسخة كتبت في العهد الأول من الإسلام، وأنها لا يمكن أن تكون قد كتبت بعد القرن الثاني من الهجرة بحال ما (أي من عام 732-814م)، وهذه النسخة التي حفظت في بطرسبرج عظيمة الخطر لما يستفيده الباحثون والمنقبون بالاطلاع عليها، والنتائج والمعلومات القيمة عن الخط العربي وطريقة كتابته في الزمن الأول من الإسلام.
وقد حدث لسوء الحظ أن قامت الثورة في سنة 1917م، فأسرع مسلمو روسيا إلى طلب هذه النسخة لأنهم أحق بها من غيرهم، فأجيب طلبهم، وأرسلت إليهم النسخة بناء على ذلك لينقلوها إلى تركستان، ولكن هذا الحلم الجليل لم يتحقق فقد فقدت هذه النسخة في الطريق ولم يعلم أحد مقرها بعد ذلك. ولم يبق للناس إلا عزاء واحد عن هذه الخسارة الجسيمة التي يشعر بها كل من يقدرها حق قدرها، ذلك هو التعزي بالنسخة المأخوذة عنها بوساطة رجال جمعية الآثار في سان بطرسبرج في 26 مايو سنة 1904، وقد كتب عليها مدير الجمعية إمضاءه لاعتمادها، وعلى الصفحة الأولى من هذه النسخة العنوان مكتوبًا بالروسية والفرنسية كما يلي: “القرآن الكريم من سمرقند، نقلت عن النسخة الأصلية التي كتبها الخليفة عثمان ثالث الخلفاء بخط يده (644-665م) وهي النسخة المحفوظة بمكتبة بطرسبرج الإمبراطورية العامة، وقد نقلت هذه النسخة بتصريح من جمعية الآثار في بطرسبرج بواسطة “المسيو بيزاريف”، وتمّ ذلك في بطرسبرج سنة 1905م.
وقد بذلت العناية الفائقة في طبع هذه النسخة مع الاحتفاظ بالألوان الأصلية التي امتازت بها النسخة الأولى في فواصل الآيات، فجاءت آية من آيات الإبداع والافتنان، وهي تقع في ثلاثمائة وثلاث وخمسين صحيفة، حجم كل منها (9-69 سنتيمتر) وزنة النسخة الواحدة ثمانية عشر كيلو جرام وغلافها يجمع إلى جمال الرونق متانة الصناعة، وقد كتب على الغلاف الجملة الآتية: “طبع منها خمسون نسخة فقط تباع منها خمسة وعشرون فقط، وثمن كل واحدة منها مائة جنيه”.
الهوامش:
(1) منير يوسف طه: “مخطوطتا جامعة برمنغهام. الواقع والتوقعات”، مجلة أعناب، العدد الأول (نوفمبر 2015)، ص 46).
(2) ماهر أحمد عيسى: “لماذا تحول المصريون إلى اللغة العربية؟”، مجلة رواق التاريخ والتراث، العدد الأول (يناير 2016)، ص 134).