لكي يتضح لنا بشكل دقيق، كيف يتدرج المسنّون في مراحل الشيخوخة، نجد أن تراجع قدرات الإنسان ينطلق من سن الأربعين، حيث تبدأ آثار الضعف تظهر على مستوى الجهاز العصبي، إذ يُسجل ظهور تقهقر تدريجي في قدرة المراكز الخاصة باستقبال المنبهات القادمة من الحواس (السمع، البصر، الشم، واللمس) إلا أن هذا الاضمحلال لا يكون واضحًا في فترة الأربعينات من العمر، لكنه يصبح ملحوظًا ابتداء من مرحلة الخمسينات والستينات، حيث تبدو عدم الاستجابة للمثيرات الخارجية واضحة المعالم، مما يؤدي إلى تناقص القدرة على التواصل مع المحيط الاجتماعي.
إن الحكمة من إضعاف الله جل علاه لحواس المسنين، هو حثهم على إضعاف ارتباطهم بالدنيا وتقوية تعلقهم بالآخرة
إن إجراء اختبارات القياس النفسي الخاصة بتشخيص القدرات النفسية لدى الأشخاص الذين تجاوزوا سن الأربعين، يُبَيِّن أن الكفاءات الذهنية هي الأخرى تبدأ في النكوص، خصوصًا منها القدرة على التذكر والقدرة على تعلم واكتساب مهارات جديدة، كما يلاحظ تراجع في سرعة ودقة إنجاز المهام، لكن هذا الضعف لا يمكن اعتباره تغيرًا مرضيًّا، ناتجًا عن تعرض الجهاز العصبي لإصابات أو تشوهات في بنيته التكوينية، بل هو ناتج عن دخوله إلى مرحلة الشيخوخة (1).
إن وتيرة تراجع القدرات الجسمانية يكون أسرع من وتيرة نكوص القدرات العقلية، التي تحتفظ بحيويتها حتى إن بلغ الإنسان مراحل متقدمة من العمر، لكن بشرط أن يواظب الشخص المسن بشكل دائم على كقراءة القرآن والكتب والصحف والمجلات، وممارسة الرياضات الفكرية الأخرى كالميل للحوار والتواصل مع الآخرين.
المراجع:
(1) Georges AKOKA et Autres, « Le troisième âge », PP : 1686 – 1695, ENCYCLOPEDIE L’HOMME DU XX° SIECLE ET SON ESPRIT, VOLUME 7, Ed OKAD , Rabat – Maroc 2007.