عمل المعماري العثماني “سنان” على تطوير أنظمةٍ، تحقِّق له التجانس في توزيع الأمواج الصوتية وتمكّنه من الحصول على الرنين الأمثل في آثاره.
فمن أجل الحصول على الطاقة الصوتية والرنين المطلوب، قام المعماري “سنان” باستخدام نظام “تجويف المِرْنان الصوتي” (Resonator)؛ حيث وضع جرّات صغيرة داخل القبة وزوايا المسجد، ووجه فُتَحَ هذه الجرّات نحو فضاء المسجد.
هذا وقد تعود الدراسة الأولى في أوروبا في فهم نظام “مرنان”، إلى العالم الألماني “هيلمهولتز” في عام 1862، وقد تم تناول هذا النظام كظاهرة عام 1953 من قبَل الفيزيائي “إنغراند”، أي بعد 400 عام من “سنان”. أثبت “إنغراند” علميًّا، أن المرنان يعكس موجة معينة من الترددات الصوتية، ويمتص الأخرى، الأمر الذي يُكسب القبة ميزة توزيع الصوت بوضوح إلى كافة جنبات المنشأة. وهذا إن دل فإنما يدل على تعمّق المعماري “سنان” في علوم الأنظمة الصوتية وإدراكه لها.
إن جامع “شاه زاده محمد” الذي بلغت مساحته الداخلية 50 ألف متر مكعب، هو أول مسجد ضخم بناه المعماري سنان، حيث تم إنتاج الطاقة الصوتية في هذا المسجد عبر مجموعة من المؤذنين في محفل مخصص لهم. وإذا ما أمعنا النظر في مخططات جامع السليمانية بإسطنبول -ثاني المساجد الكبرى التي بناها- الذي بلغت مساحته الداخلية 110 ألف متر مكعب، يتبيّن لنا أنه أدرك عدم كفاية الطاقة الصوتية في جامع “شاه زاده محمد” وحاول تقويتها بالطرق الطبيعية؛ حيث قام بتوسيع محفل المؤذنين، ووضعه بجوار قدم الفيل الكائن في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد، بالإضافة إلى وضع شرفة للمؤذنين بجور كل قدم من أقدام الفيل الثلاثة المتبقية، وذلك من أجل الحصول على طاقة صوتية عالية. ولكنه وضع بالحسبان أن فروق الطَّور في الأمواج الصوتية الصادرة من المواقع المختلفة، ورنين الصوت الزائد، ربما يؤدي إلى صعوبة في فهم الصوت وتلقّي تردداته المنخفضة. لذلك عمل سنان في جامع السليمية على توضيح الصوت؛ حيث وحّد الأصوات فوضع محفل المؤذنين تحت القبة مباشرة، فاستطاع بذلك توصيل الطاقة الصوتية إلى فُتَح الجرّات الصغيرة الموضوعة في القبة، وتوزيعها بصفاء ووضوح إلى حرم المسجد، وبذلك تحقق المنال.