إن العلاقات التي تتشكل على وفقها العلوم الطبيعية، تقع في مصاف العلاقات السببية، وهناك علوم مستحدثة لدراسة القياس الاقتصادي وفق نماذج قياسية تستخدم أدوات التحليل الرياضي والقياسي، وتصل إلى نتائج تحتمل نسبة من الخطأ المسموح به. أما العلوم الإنسانية فهي خاضعة لمعيار القياس الأخلاقي الذي لا يمكن أن ينطوي تحت طائلة الأدوات القياسية الكمية. ومن هنا، فإن السلوك الأناني الاقتصادي الاجتماعي السياسي الأخلاقي لا يمكن ملاحظته خارجيًّا فحسب، بل لابد من فهم الأحاسيس الداخلية التي هي مرجعيتها العقدية والأخلاقية. ويترتب على هذا في التحليل الاقتصادي الإسلامي أن تكون “الاستقامة” معيارًا لمدى تطابق الأحكام القيمية الإسلامية والتحليل الاقتصادي، سواء على مستوى التحليل الجزئي الذي يهتم بسلوك الأفراد والمؤسسات أم على المستوى الكلي الذي يهتم بالنشاط الاقتصادي على المستوى القومي، على عكس التحليل الاقتصادي الوضعي الذي يرى في الموضوعية العلمية الناتجة عن التجريبية هي المعيار لما تمثله الموضوعية من ترجمة للنوازع الفردية والجماعية، بغض النظر عن البعد القيمي العقدي والأخلاقي. لقد أدى معيار نجاح الفعالية الاقتصادية على المستوى الفني في تعظيم الربح بالنسبة للمنتج وتعظيم المنفعة بالنسبة للمستهلك، إلى الاستعانة بالأدوات الرياضية لتحقيق قدر ممكن من مصداقية التنبؤ الاقتصادي. ولم يصبح التنبؤ الاقتصادي ظاهرة اقتصادية موضع تقدير كامل، إلا بعد أن وضعت النماذج الكاملة الاعتبار للاقتصاد القياسي. فالمتغيرات الاقتصادية تستند إلى تقديرات بشرية، تساندها معرفة إحصائية عن مثل تلك العلاقات -بين المتغيرات- في الماضي. والمتغيراتُ يمكن أن تخطئ، والارتباط يمكن أن يتغير. فضلا عن ذلك فإن قوى كثيرة من تلك التي تُحدث التغيير لا يمكن التنبؤ بها.
فعندما توضع الحاكمية معيارًا للسلوك الإنساني بمرجعيتها الشرعية والتي رأسها إرادة الله في خلقه، والمتمثلة بصيغة عقدية بين الخالق والمخلوق في شؤون العبادة والأخلاق، يكون المعيار في الحكم هو الإتقان ومنع الفساد في فعاليات الحياة الدنيا، كما يأتي معيار الحاكمية في سياق العلم والفقه:
﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾(النساء:83). فالمعيار في الأحكام الشرعية هو مدى وضعها في حيز التطبيق على مستوى الفرد والأمة والنظم. وحتى تسهل مهمة نفاذ المعيار للأحكام القيمية للنظام الإسلامي، والذي يأتي النظام الاقتصادي جزءًا من هذا النظام جاء جهاز الحسبة التنفيذي لتدعيم المعيار الأخلاقي ونفاذه في السوق، بحيث يمارس هذا الجهازُ دورَ الرقابة المركزية في الحفاظ على التوازنات في المعاملات، وتقيدها بأحكام المعاملات المعروفة في القانون الإسلامي. وهذا الكلام لا يخل بعلم التحليل الاقتصادي الإسلامي. إن هدف التحليل الاقتصادي الإسلامي هو التعرف على آليات القوانين الاقتصادية، وتأثير الظاهرة الاقتصادية في الظاهرة الاقتصادية الأخرى ونتائج هذا التفاعل. كل ذلك يتم في ظل منظومة قيمية هي المعيار في مدى نفاذ الشريعة الإسلامية في آليات التحليل الاقتصادي الإسلامي. وهي في كل الأحوال ليست قيدًا، بل هي حرية منظمة لضبط الفعالية الاقتصادية وتخصيص الموارد وتنظيم الاستهلاك والإنتاج والتوزيع والتبادل.
اقتصاد المصلحة وضياع القيم
في منهج التحليل الاقتصادي الوضعي، يرصد الباحث الاقتصادي الواقع على وفق الرؤية الموضوعية التي ترى أن الفرد في المجتمع يندفع نحو الأنشطة التي تدر منافع بأقل التكاليف، سواء أكان الفرد هذا منتجًا أم مستهلكًا. وبوصف الواقع الموضوعي هذا، يتطلب من الفرد أن يكون سلوكه عقلانيًّا، وأن الأهداف تحدد مستقبلا وهي -أي الأهداف- لا تخرج في أي حال من الأحوال عن أطر تعظيم المنافع -المنافع والأرباح- أي هناك غاية أو هدف. وليس من المفروض تسويغ الأسلوب للوصول إليه مثل إحداث بطالة كي يتراجع معدل التضخم أو إشعال حروب إقليمية أو دولية محدودة أو واسعة لتنفيق الإنتاج العسكري، أو إتلاف بعض المحاصيل للمحافظة على مستوى محدد من السعر لمحصول معين. هذه الأساليب وتلك الغايات من المؤكد أنها تنشط من فعالية الاقتصادات الوضعية. فالعلماء يهدفون للإجابة على الأسئلة الوضعية من خلال ربط تلك الأسئلة بالأدلة والشواهد. وهذه الأدلة والشواهد تنقل الاقتصادات الوضعية إلى وضعية ديناميكية -حركية- على الرغم من الأعراض الجانبية السيئة التي تتركها معدلات النمو والتنمية الاقتصادية من بطالة وهدر في تخصيص الموارد والإضرار بالبيئة، والدورات الاقتصادية التي تؤدي إلى حالات من الركود والتضخم أو كليهما معًا، مع سوء في توزيع الدخل: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾(البقرة:11-12). وبناء على ذلك، فالمعيار في الاقتصاد الوضعي هو الانتقاء للسياسات التي تخدم الأهداف التي تسعى إليها المؤسسات العملاقة التي لا يوجد في قواميسها أية أحكام قيمية. فليس هناك مُنتَج مفيد أو مُنتَج مضر ومدمر، بل هناك مُنتَجٌ الطلبُ قائم عليه في السوق. ولا تَوقّف في النمو على الرغم من تدمير جزء من البيئة، لأن الهدف هو تعظيم الأرباح: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾(الجاثية:23).
إذن الحاكمية ومعيارها في الاقتصاد الوضعي هي السوق، هذه المؤسسة هي التي بنى “آدم سمث” فروضه النظرية على أساسها. ففي كتابه “نظرية المشاعر الأخلاقية”، يرى أن كل رجل هو أنسب قاض للحكم على أعماله الخاصة، وأن كل رجل بالطبيعة قد تُرِك في الدرجة الأولى وأساسًا ليدبر أمر نفسه. فالمجهود الذي يبذله الإنسان لإشباع رغباته الخاصة، تقوده يد خفية ليصل إلى غاية لم تكن جزءًا من مقصده، إنه تفاعل كيميائي غامض في الصالح الاجتماعي، وهو إحسان إلى المجتمع بهذا النظام البسيط للحرية الطبيعية، بل إن العفوية التي خلقت هذه المؤسسة (السوق) هي تقسيم العمل، والميل الطبيعي الذي اقترن به، وهو مقايضة الشيء ومبادلته بشيء آخر. ويمكن إجمال العناصر الأساسية -التي يمكن القول إنها العناصر الفاعلة والديناميكية- في العناصر الثلاثة الآتية:
• فكرة القوى الأساسية التي تحرك الحياة والجهود الاقتصادية، والتي تتجسد في النظام الاقتصادي.
• كيفية تحديد الأسعار وتوزيع الدخل والنتائج على شكل أجور وربح وريع.
• السياسات التي بموجبها تدعم الدولة وتعزز التقدم والرخاء في المجال الاقتصادي.
وهذه العناصر الثلاثة السابقة تتمحور حول المصلحة الذاتيـة التي هـي الدافعية للنظام الاقتصادي، والمجسدة للديناميكية الاقتصادية والسوق الذي ينقل المصلحة الذاتية بفعل اليـد الخفية إلى المصلحة العامة، من خلال التبادل وحرية التجارة. كل ذلك ما كان ليحدث لولا الثورة الصناعية التي شهدتها أوربا بعامة وإنكلترا بخاصة والتي أوجدت تقسيم العمل وتبدلات جوهرية في علاقات الإنتاج، وتراكمًا مع تركز في رأس المال الناتج عن سوء عدالة توزيع الدخل. وقد أسهمت ثورة عام 1848م في تنبيه المجتمع على هذه الحقائق، فكانت احتجاجًا على مغادرة أوربا للأخلاق التي انعكست في مزيد من السوء في علاقات الإنتاج والتوزيع.
الفعالية الاقتصادية الإسلامية
في النظرية الاقتصادية الإسلامية لابد من الدخول إلى الفعالية الاقتصادية الإسلامية في النظام الاقتصادي المرتبط بالأحكام الشرعية الآمرة والناهية، كذلك جانب التحليل الاقتصادي من الفعالية الاقتصادية. وهذا أمر مرتبط بالمسلمات، وهي عبارات وصفية عن الكون أو الإنسان أو المجتمع، تقبل بوصفها نقاط انطلاق وتتخذ -صراحة أو ضمنًا- أساسًا لبناء العلم. هذه المسلمات تمثل مقاربات منطقية لعلم واحد باختلاف البيئة الاجتماعية. في الاقتصاد الإسلامي يتداخل النظام الاقتصادي مع التحليل الاقتصادي ليعمل على ضبط الفعالية الاقتصادية. ومن خلال ضبط الفاعل (الإنسان) عبر التزامه بالأحكام الشرعية يتم التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وما هو محرم وما هو حلال. وهي في الحقيقة تشكل الأساس الحقيقي للدافعية في النشاط الاقتصادي، إذا ما تم تحصين الأفراد بحصن الأحكام القيمية ممثلة بالأحكام الشرعية، فسلوك الفرد الاقتصادي ليس حياديًّا إزاء هذه الأحكام، فلا أنانية ولا احتكار ولا تسعير ولا استغلال. ضمن هذه التشكيلة يمكن النظر إلى النظرية الاقتصادية الإسلامية وديناميكيتها في وجود اقتصادي اجتماعي، للصعود بالإنسان إلى حالات أفضل من خلال النمو المتوازن بين حاجات الإنسان وتخصيص الموارد.
من حيث المبدأ وفي سياق التحليل الاقتصادي، فإن أسعار عناصر الإنتاج تتحدد في السوق، من خلال قوى العرض والطلب. وهذا يعني أن السوق في النظام الاقتصادي الإسلامي، هي التي تحدد توزيع عوائد الإنتاج بين العناصر التي ساهمت في وضعه، وهو ما يعرف بالتوزيع الوظيفي. وفي هذا السياق، فإن السوق مفهوم محايد من الناحية الفنية،.وهذه الحيادية سوف تسحب هذا المفهوم على كل النظم الاقتصادية، إلا أن هذه النظم سوف تتضح خصوصياتها من خلال العقائد والأفكار والأيديولوجيا التي تعتنقها الجماعات في صياغة مفهوم السوق من الناحية الأخلاقية، التي تعكس قوانين التعامل والقواعد المتبعة في سياق آليات السوق، وهي نفس الآليات التي تحكم أسواق النظم الاقتصادية كلها. وتظهر الديناميكية في الاقتصاد الإسلامي، وكذلك الاقتصاد الوضعي عبر آليات أسعار عناصر الإنتاج في السوق، التي تنعكس على تحديد دخول أصحاب عناصر الإنتاج. فكلما كانت الأسعار مجزية بالنسبة لأصحاب عناصر الإنتاج، حفّز هذا على زيادة عرض هذه العناصر عبر زيادة الإنتاج والتي تعمل على زيادة دخولهم، أي زيادة الدخل القومي من طرف، ومن طرف آخر سوف يحدد تخصيص الموارد المتعددة بين الاستخدامات المختلفة، إلا أن الديناميكية التي تأتي عبر جهاز السعر في السوق سوف تظهر الاختلاف بين النظم الاقتصادية المختلفة.
الشريعة الإسلامية في علاجها لمفاصل النشاط الاقتصادي، لا تقف عند التوزيع الوظيفي أو الفني لدخول عناصر الإنتاج، بسبب أن هذا التوزيع يكون أحيانًا عاجزًا عن تحفيز الطلب الفعال في السوق -المحرك للديناميكية الاقتصادية- فجاء موضوع إعادة التوزيع عبر فروض شرعية واضحة وأعمال بِر جاءت في سياق اجتهادات العقل المسلم لتوفير مستلزمات حد الكفاية بالنسبة للمستهلك في رفع دخول مَن هم دون مستوى حد الكفاية، لتمكينهم من المشاركة في الطلب على السلع والخدمات، هذا الطلب الذي يحفز تأكيد زيادة الإنتاج، فكانت الفروض في الزكاة والصدقات والإنفاق في سبيل الله، أو أن إعادة التوزيع يأتي عبر دور الدولة الاقتصادي في المجتمع المسلم. فالدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي ليست دولة سلبية لا تهتم إلا بالشؤون الإدارية والسياسية، إنما هي دولة فاعلة وحاضرة على الساحة الاقتصادية، وهي توظف فعاليتها وحضورها لخدمة الأفراد ومساعدتهم في القيام بأعباء الإنتاج والتنمية.
إذن، إن الشريعة الإسلامية تسيطر على صياغة المفاصل النظرية للنظام الاقتصادي، بحيث تنقل هذه السيطرة المركزية من الإطار النظري إلى حيز التحليل الذي يأتي في سياق وضع الأسس النظرية في حيز التطبيق.
عمارة الأرض والعدل
تبرز من خلال الفعاليات الاقتصادية الموجهة بالشريعة الإسلامية مسألتان مهمتان هما: عمارة الأرض، والعدل. عمارة الأرض فروض واجبة، بل هي عبادات. والعمارة تأتي من خلال الجهد الإنساني (العمل) حيث يتداخل المردود من جراء العمل إلى ما هو أجر في الحياة الدنيا وثواب في الحياة الآخرة الأبدية. وفي عمارة الأرض تدخل الفعاليات الاقتصادية حيز السلوك الفاعل، وحتى لا تؤدي هذه الفعاليات إلى حصول صراعات من أجل الاستئثار بالكسب، جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام قيمية، تنظِّم سلوك الأفراد والجماعة في النشاط الاقتصادي كما في الأنشطة الأخرى. وتأتي الديناميكية الاقتصادية من خلال التفصيل الذي جاءت به الشريعة الإسلامية في إطار العبادات والمعاملات.
فهذا الاتساق بين ما يقرر الشارع نشاط البشر كفيل بإحداث العدل من خلال فعاليات عمارة الأرض عبر المعاملات. هذا جلّه يصبّ في هدف سامٍ هو العبادة والتوحيد. هذا الاتساق يحدث نوعًا من التخصيص الرشيد للموارد حيث لا تبذير ولا تقتير، بل عدل ووسطية في الاستخدام. هذه الوسطية تلغي مسألةً شغلت الفكر الاقتصادي الوضعي؛ وهي المشكلة الاقتصادية.
المشكلة الاقتصادية في ظل المفهوم الإسلامي
المشكلة الاقتصادية في ظل المفهوم الإسلامي، هي ليست هناك ندرة في الموارد -على إطلاقها- بإزاء الحاجات غير المنضبطة، إنما الندرة -إن وجدت- فهي ندرة في المستخدَم من هذه الموارد بإزاء حاجات غير منضبطة (أبو الفتوح، 1994، 230)، ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾(إبراهيم:32-34). هذا التسخير يقابله التوازن والوسطية في التخصيص الرشيد للموارد فقال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾(الشورى:27). فلا كسب بدون عمل، والتسخير من الله سبحانه مقدر ﴿بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾ مما يصلح أمور الناس ولا يطغيهم. وهذه بحد ذاتها الحركية الاقتصادية من خلال التخصيص الرشيد للموارد طبقًا لما سخر الله من موارد. وكل مسلم ينبغي له أن يعتقد أنه لابد أن يكون وضع الرزق في معاييش الناس على هذا النحو من السعة والضيق لصالح المجتمع وأمنه، فلا مجال في سعيهم ونشاطهم للبغضاء والشحناء ولا للحسد والحقد. والسبيل إلى الانتفاع بنعمة الله في المال بعد الجهد، وإعداد النفس للسعي هو التوجه إلى الله في إخلاص وفي عمل صالح. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾(النساء:32).