أغرب ما في الحياة -دائمًا- أنها تسارع إلى فتح أبوابها كلما أُغلقت، وأنها تعاود الاحتفال بتطهرها من رموز التشاؤم كلما هاجموها وتسارعوا إلى غزوها. لا تتوقف الحياة عن إضاءة أنوار الأمل، ولا تغيب إجاباتها المدوّنة على صفحات الأيام لتلك الأسئلة التي ظل اليائسون يواصلون طرحها ولا يرتبكون في إشعال نكدها.
مَن اعتادوا على إغلاق أبواب الأمل واليأس من أن تُفتح ذات يوم، مفتونون دائمًا بالهموم، منتظرون للكوارث، عُشاق للعواصف، باحثون عن العذاب ومفردات التعذيب… لحظات نادرة وخارج السياق هي تلك التي من الممكن أن يتحرروا فيها، ويتدفق داخلهم بريق الأمل، لحظات نادرة تلك التي من الممكن أن لا يرتبكوا فيها وهم يشعرون أن هناك شيئًا جيدًا قد يكون في طريقه للقدوم.
الحياة عامةً لا تخلص إلا لمن بحث عنها، وأخلص لآماله في داخلها، وآمن دائمًا أنها لا تظل على وتيرة واحدة، وأنها قابلة للتغيير.
لا يتجرؤون على تحدي الواقع المرير أو يحاولون كسر قاعدته. والاختباء تحت وشاح تلك الفرص المتاحة أو التي من الممكن أن تُتاح، دائمًا تأسرهم لحظة التناسي المطلقة بأن الورد يتفتّح ويزهر ويسعد ومن ثم يذبل، لكن تبقى تلك الرائحة الجميلة التي تحوّل اللحظة إلى متعة لا تزول.
ودائمًا تظل حدودهم لا تجاوز الحديث في كل لحظة عما تعرضوا له من مشاق وما عانوه في الماضي، وما يجري الآن ويخلق لديهم كل هذا الارتباك.
انغماس متكامل داخل دائرة اليأس، وداخل دائرة الحياة التي أحكمت إغلاق أبوابها عليهم بعذاباتها وتحدّيها المتواصل بأنهم غير قادرين على الاختصاص بما يريدونه، وينبغي أن يستمتعوا به.
لا يعني التفاؤل -مطلقًا- أن الحياة فقدت صعوبتها، وإنها قد تضيق كثيرًا بقدر ما اتسعت ومنحت الإحساس بالأمان، وأنها قد تغدر وتقودنا إلى عالم مجهول لا يمكن التخلص منه إلا بمسامرة الأمل، والتمسك بمفاتيح التفاؤل وعدم تبديدها، وأن الأخبار الموجعة قد توقف بثها، وأن الكوارث ستكون حكرًا على من لا يعنيك أو ترتبط به، وأنك لن تطرق مدن الحزن، ولن تتجرع ذلك الزمن المجزأ لك، والمُصرّ على أن تقيم فيه إقامة جبرية.
التفاؤل لا يعني أن تفكر أنك خارج المكان، وإن التفاعل معه ليس مجرد إحساس يمتلئ به داخلك ويقلق وجودك، ولا يعني أن تتعايش مع النفي الداخلي، وتجعل منه يأسًا متواصلاً مرتبطًا بذلك الفشل الذي حاصرك، ولا زلت تستسلم له أو تصر على أن الماضي عنصر سيظل حاضرًا مهما حاولتَ تفكيكه أو التخلص منه.
ليس هناك شك -مطلقًا- أن الحياة اليومية مبهجة على الدوام أو ليست صعبة ومكلِّفة للأعصاب. وليس هناك شك بأننا قد نعبر أروقة محبطة وكئيبة ومغلّفة بالكوارث، وليس هناك شك بأن أيامًا غادرت، وأخرى ستأتي محمّلة بنكدها وأوجاعها وتجاربها التي تذيب كل إحساس بالأمان، وتصنع خوفًا مقيمًا في العظام.. لكن مع كل ذلك هل ينبغي أن تكفر بالأمل؟ وهل ينبغي أن تتجاهل أن هناك لحظة فاصلة بينهما؟ وأن علينا أن نتفاءل بالخير لنجده. هل ينبغي أن نتجاهل أن التفاؤل يخلق نوعًا من التهذيب والالتقاء بالنفس والمقاربة مع الإمساك بمفاتيح الحياة؟ هل ينبغي أن نتجاهل الأمل وهو الوجه الآخر لصفحة الشقاء الذي يغمرنا في ظل تكاثر أوراق التشاؤم؟!
الحياة عامةً لا تخلص إلا لمن بحث عنها، وأخلص لآماله في داخلها، وآمن دائمًا أنها لا تظل على وتيرة واحدة، وأنها قابلة للتغيير. محطات التفاؤل عديدة، لكن هل بإمكانك الوصول إليها والحجز بسرعة أو التلكؤ بحجة أن الطريق مفعم بالعقبات، وأن المستقبل لن يختلف عن الماضي؟ تستطيع أن تصل إذا آمنتَ باستمرار الحياة، وراهنتَ على القادم، وتأكدتَ أن ما يجري سوف يتغير، وستظهر القيمة الحقيقية لما سيأتي ذات يوم.