أبدى العثمانيون احترامًا كبيرًا لشعائر دينهم الحنيف وقيمه الحضارية الإنسانية… فقد عملوا جاهدين على تبليغ هذا الدين وتحبيبه إلى الناس بطرق شتى؛ فشيدوا -على سبيل المثال- المساجد العظيمة التي تهوي الأفئدة إليها وتنبعث فيها الراحة والطمأنينة… ثم إنهم اعتنوا اعتناء شديدًا بالقائمين على هذه المساجد من مؤذنين وقراء وأئمة؛ فعيّنوا لها مؤذنين ومقرئين يتمتعون بأصوات جميلة ندية تخشع لها القلوب… ويتقنون في الوقت نفسه المقامات والإيقاعات الصوتية كلها؛ وقد طُلب من مؤذني المساجد السلطانية الكبرى آنذاك، أن يرفعوا أذان كل صلاة بمقام مختلف عن الآخر… فكانوا يرفعون أذان الفجر بمقام الصبا، وأذان الظهر بمقام الرصد، والعصر بمقام الحجاز، والمغرب بمقام السيكا، والعشاء بمقام العشاق… وقد راق هذا العمل لأهل إسطنبول واستقبلوه بالحمد والثناء؛ لأنهم استمتعوا بهذه الأصوات الجميلة من جانب، وتمكّنوا من معرفة الوقت خلال اليوم من مقام الأذان المرفوع من جانب آخر.
وبالاطلاع على المعلومات الواردة في وثائق الأوقاف العثمانية -ومنها وقفية السلطان سليمان القانوني- عن أوصاف الإمام الذي يتم تعيينه في أحد المساجد السلطانية الكبرى، نرى أنه كان لابد للإمام الأول في مسجد السليمانية أو السلطان أحمد، أو مسجد هُرَّم سلطان في تلك الآونة -فضلاً عن علمه- أن يجيد أربع لغات؛ فإلى جانب إجادته الفارسية والعربية كان عليه أن يعرف لغة شرقية وأخرى غربية، وبالإضافة إلى ذلك أيضًا كان يُطلب منه أن يكون متقنًا للمقامات الصوتية كلها.