كم من مرة أثارت العنكبوت فينا العجب ببيوتها التي نسجتها بدقة وإحكام في أماكن مختلفة.. وقد نكون متعودين على رؤية بيوت العنكبوت في الأحجار والأشجار والمنازل والجدران.. ولكن ماذا لو ذُكرت بيوت عنكبوتية تحت الماء! نعم، تحت الماء.. ويصنعها نوع من العناكب يعرف بـ”عنكبوت الماء”.
تقوم عنكبوت الماء -قبل كل شيء- بالبحث عن المكان المناسب لبيتها بين سويقات النباتات المائية أو وريقاتها الساكنة.. وعندما تجد المكان، تنسج بيتها تحت الماء وتثبّته مباشرة بهذه النباتات، ثم تمدّ رصيفًا من النسيج وتربطه بالنباتات بخيوط نسيجية أخرى، حيث تجعلها تقوم بدور طريق تهتدي بها إلى بيتها، وبدور رادار تنبّئها بدنو الخطر أو باقتراب الفريسة.
لا تكتفي هذه العنكبوت بذلك، بل وتسكن في بيتها تحت الماء أسابيع وشهورًا عديدة! ولكن من أين تأتي بالهواء، وكيف تتنفس؟! إنها تندفع على سطح الماء وتتحرك بسرعة فائقة حتى تكوّن فقاعات هوائية، ثم تلتقط منها فقاعتين تضع الواحدة منهما تحت صدرها للتنفس منها أثناء الغطس، والأخرى بين قدميها لتلقيها وتختزنها في بيتها الحريري تحت الماء، وتُعيد هذه العملية مرارًا وتكرارًا حتى تؤمّن الكمية اللازمة من الهواء.
وإن سألتَ عن شكل هذا البيت وطريقة الإقامة فيه، أقول بحيرة وإعجاب؛ إنه على شكل قبة أو جرَسٍ فتْحَتُه مصوّبة نحو الأسفل، حيث تترك هذه المخلوقة الجانبَ السفلي من البيت مفتوحًا للدخول منه بعد تعبئته بالهواء وبعد إدخال فريستها التي اصطادتها، وإذا ما ولَجت البيتَ تنسج الفتحة مباشرة وتغلقها حتى لا ينفَد الهواء أو لا يتسرب إليه الماء، ثم تبقى شهورًا عديدة ولا تخرج من مسكنها هذا، إلا عند الحاجة إلى الهواء أو إلى الغذاء.
أمر آخر حيّر أذهان العلماء وأذهل عقولهم؛ ألا وهو خبرة هذه العنكبوت في الوقوف على الماء. فمن أجل ذلك تقوم بصنع كيس من نسيجها الحريري بدقة وبإحكام، ثم تعبّئه بالهواء وتفرشه على سطح الماء وتتربع عليه وكأنه بساط سندباد السحري! كأني أرى العنكبوت تتحيّر لحيرتنا هذه وتقول: وما الغريب في ذلك، إني أقوم بهذا العمل منذ آلاف السنين بوحي من رب العالمين!؟