يَا صَفْوَةَ الخلْقِ، يَا نُورًا أَضَاءَ بِهِ
رَبُّ العِبَادِ عَلَى الأَقْوَامِ وَالأُمَمِ
أَكْرِمْ بِهِ مَوْلِدًا زَانَتْ بِطَلْعَتِهِ
هَذِي الثَّرَى، وَاكْتَسَتْ مِنْ حُلَّةِ الكَرَمِ
ضَاءَتْ بِمَوْلِدِهِ الآفَاقُ وَاعْتَنَقَتْ
بُشْرَى العَطِيَّةِ مَنْ في القُورِ وَالأَكَمِ
قَدْ زَانَهُ اللهُ طِفْلاً قَبْلَ مَبْعَثِهِ
بَيْنَ الصِّحَابِ، أَمِينًا غَيْرَ مُتَّهَمِ
سَامِي الْفِعَالِ سَلِيمَ الْقَلْبِ ذَا شَرَفٍ
بَادِي الفَضِيلَةِ يَوْمَ الرُّشْدِ وَالحُلُمِ
أَعْلاَهُ رَبِّي، فَكَانَ الْخَيْرُ يَغْمُرُهُ
حَتَّى أَفَاضَ بِهِ لِلنَّاسِ في حِكَمِ
أَوْحَى لَهُ اللهُ نُورًا، فَاسْتَنَارَ بِه
مَنْ في الثَّرَى، وَهُدُواْ، في حُلْكَةِ الظُّلَمِ
لَمَّا أَنَارَ عَلَى الدُّنْيَا بِطَلْعَتِهِ
وَاسْتَنْشَقَ الدَّهْرُ عَرْفَ الْهَدْيِ وَالنِّعَمِ
نَادَى الْمُنَادِي بِصَوْتِ الْحَقِّ، أَسْمَعَهُ
أَهْلَ الْبَصَائِرِ، مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ
نَادَى فَرَدَّ لِذِي بُكْمٍ لِسَانَ صَدىً
لِلْحَقِّ، وَاسْتَمَعَتْ آذَانُ ذِي صَمَمِ
محمدٌ مِنَّةُ الرَّحمنِ أَنْزَلها
غَيْثًا فَأَنجى بِهِ قَوْمًا مِنَ الْعَدَمِ
محمدٌ نِعمَةُ المولَى أَزَالَ بها
عَنْ ذِي البِقَاعِ سَوَادَ الظُّلْمِ وَالنِّقَمِ
محمدٌ شمسُ هَذا الكَوْنِ، مُذْ بَزَغَتْ
فَاضَتْ عَلَى الخلقِ أَيْدِي الخيرِ وَالسَّلَمِ
يَا مُصْطَفَى، بِكَ أعْلَى الله رايَتَنَا
في الأُفْقِ خَافِقَةً وَالسَّهْلِ وَالعَلَمِ
اِقْرَأْ، تَعَالى الذِي أَوْحَى إِلَيْكَ بها
تُحْيِي القُلُوبَ، وَتُرْدِي الْجُبْنَ في الْهِمَمِ
اِقْرَأْ تَسُدْ، وَتخلَّقْ تَسْتَزِدْ شَرَفاً
وَاعْمَلْ يَدُمْ لَكَ مجدُ الدَّارِ، وَاسْتَقِمِ
اِقْرَأْ، عَلَوْتَ بها عَنْ كُلِّ قَاصِمَةٍ
للظَّهْرِ فَاتِكَةٍ، بِالحزْمِ وَالحُزُمِ
آتَيْتَنَا بِكِتَابِ اللهِ مُنْتَصِبًا
يَهْدِي السُّرَاةَ، وَيحمِي كُلَّ ذِي ذِمَمِ
أَحْيَى الْمَوَاتَ بِغَيْثٍ وَابِلٍ هَطِلٍ
بَادِي الْمَنَافِعِ سَامٍ مُسْجَمِ الدِّيَمِ
مُسْتَأْنَفِ الْجَدِّ، لاَ تَبْلَى محاسِنُهُ
عِتْقًا، وَلاَ يَعْتَرِيهِ الضَّعْف من قدمِ
فِيهِ الدَّوَاءُ لأَهْوَاءِ القُلُوبِ، فَكَمْ
شَفَى السَّقَامَ وَكَمْ أَنْجَى مِنَ الأَلَمِ
وكَمْ أُرِيدَ بِهِ خَيْرٌ لِذِي سَقَمٍ
فَازْوَرَّ عَنْهُ، فَعَضَّ السِّنَّ مِنْ نَدَمِ
(*) أستاذ باحث في الأدب العربي / المغرب.