التلوث الكهرومغناطيسي خطر يهدد صحة الإنسان

شهد الإنسان في القرن العشرين ثورة علمية وتكنولوجية كبرى حسّنت من راحته ورفاهيته، لكنها خلّفت أيضًا سلبيات، أبرزها الإشعاعات الكثيرة المنبعثة من هذه الاختراعات. فدخل حياتنا اليوم مصطلح علمي جديد يُعرف بـ”التلوث الكهرومغناطيسي”، الذي يعتبره البعض أخطر من التلوث البيئي، من حيث كونه غير مرئي، ولا يمكن إدراكه بواسطة حواس الإنسان الخمس، ولا يمكن كشفه إلا بواسطة أجهزة خاصة، وهو ما يزيد من خطورته، خاصة مع الانتشار السريع لهذه الأجهزة وتطويرها باستمرار؛ بحيث أصبحت مرتبطة بحياة الإنسان، وصارت من المقومات الأساسية التي يعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا في تدبير شؤون حياته اليومية.. حتى امتلأت الحياة حولنا بما يشبه الضباب الكهرومغناطيسي، وبدأ الإنسان مع استخدامها سابحًا في بحر من الإشعاعات، جعله عرضة للإصابة بأمراض خطيرة.

التلوث الكهرومغناطيسي، ما هو؟

التلوث الكهرومغناطيسي هو مجال كهربي يتم تحميل مجال مغناطيسي عليه، ولذلك نسميه كهرومغناطيسي، وهو لا يُرى بالعين ولا يُسمع بالأذن، وهنا تكمن الخطورة؛ إذ إن الإنسان يأخذ جرعة من هذا النوع من التلوث وهو لا يدري. وتكمن الخطورة الكبيرة في هذا النوع من التلوث في المساكن التي نقطن فيها، حيث ينشأ في أغلب الأحيان من وجود موجات كهرومغناطيسية، تنبعث من الأجهزة التي يستخدمها الإنسان في محيط حياته اليومية، وفي مقدمتها الأجهزة المنزلية التي تُدار بالموتورات الكهربائية، كالثلاجات، والمكيفات، والغسالات، والمراوح، والتلفاز، والساعات المنبهة، وأجهزة الفيديو، هذا إلى جانب أجهزة الحاسوب وأجهزة الواي فاي، والهواتف الذكية والرقمية، وأجهزة مراقبة الرضع، وأجهزة البلوتوث، وكذلك أجهزة تسخين المأكولات (الميكروويف)، ومجففات الشعر.

هذه الأجهزة تعيش مع الإنسان ولا تكاد تفارقه، حيث إن نسبة الانبعاثات الكهرومغناطيسية التي تصدر من هذه الأجهزة، تشكل خطرًا على صحة الإنسان عمومًا، وعلى الأطفال وكبار السن خصوصًا، من حيث قدرة الموجات الكهرومغناطيسية الناتجة عن استخدام هذه الأجهزة على اختراق أجسام الأحياء، والتعامل مع الخلايا الحية وإحداث تغيرات بيولوجية فيها، فتؤثر مباشرة على الخلايا الحسية للإنسان، لتُلحق بها أضرارًا ينتج عنها خلل واضطراب في أداء أجهزة الجسم المختلفة.

التلوث الكهرومغناطيسي وصحة الإنسان

بداية، نؤكد على حقيقة هامة، وهي أن طول زمن تعرض الإنسان لهذه الموجات يلحق ضررًا بصحته، ومقدار هذا الضرر يتوقف على عدة عوامل، من أهمها: مدى قدرة هذه الموجات الكهرومغناطيسية، والمسافة التي تفصلنا عن مصدر هذه الموجات، وأيضًا طبيعة جسم الإنسان الذي يتعرض لها من حيث الوزن والاستعدادات الوراثية للأمراض وعمر الإنسان نفسه؛ فكلما قل العمر زاد امتصاص الجسم للإشعاع، ومن ثم فإن الكمية التي يمتصها الطفل أكبر من التي يمتصها البالغ. ويمكن لنا أن نوضح أهم التأثيرات الصحية التي تصيب الإنسان جراء التعرض لهذه الموجات الكهرومغناطيسية فيما يلي:

أ- الشعور العام بالإرهاق والخمول وعدم الرغبة في العمل، وتشتت الانتباه الذي ينتج عنه الشرود الذهني.

بـ- اضطراب وظائف الدماغ، وعدم التركيز الصحيح، والشعور بالصداع، وهذا ناتج عن تأثر خلايا المخ مباشرة بالموجات الكهرومغناطيسية المحيطة بالإنسان، وذلك بتداخلها مع الإشارات الطبيعية التي يصدرها المخ، مما يحدث خللاً في أدائها ينتج عنه الأضرار المشار إليها.

جـ- تدمير البناء الكيميائي لخلايا الجسم، من حيث قدرة الموجات الكهرومغناطيسية على الدخول لجسم الإنسان، والتفاعل مع خلاياه، وإحداث تغيرات بيولوجية فيها بشكل قد ينتج عنه خلل واضطراب في أداء أجهزة الجسم المختلفة، خصوصًا الجهاز الدوري، والجهاز التناسلي، والمخ، والأعصاب.

د- تشوه الأجنة وحدوث حالات إجهاض للنساء الحوامل، وهذا ما أكدت عليه مجموعة من الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أظهرت وجود صلة بين الإجهاض وتشوه الأجنة جراء التعرض للمجال الكهرومغناطيسي الناجم عن شاشات الكمبيوتر.

هـ- التأثير الشديد على الأذن، وهذا التأثير ناتج عن استخدام أجهزة الهاتف المحمول، حيث إنها ذات تردد عال (850 بليون ذبذبة في الثانية). كما أن تصميم الهاتف الجوال يختلف عن الهواتف الأخرى، لاحتواء السماعة على جهاز الإرسال اللاسلكي، وهو ما يجعل أثر الموجات اللاسلكية يغشي الدماغ إثر خروجها من مركز الإرسال. والسماعة تتداخل مع المجالات الكهربائية الطبيعية لأغشية الخلايا، مسببة الإصابة بالسرطان. ودرءًا للخطر، تحذر بعض الشركات زبائنها في دليل الاستخدام، من أن تلمس أجسادهم الهواتف الجوالة أثناء المكالمات الهاتفية.

و- الإنسان يكون عرضة للإصابة ببعض الأمراض الأخرى، نتيجة التعرض لهذه الموجات الكهرومغناطيسية، ومن هذه الأمراض: أمراض القلب، وتعطيل عمل بعض وظائف الخلايا في الجسم، واضطراب وتشوه الرؤية، واضطراب معدلات الكالسيوم في الجسم.

سبل الوقاية

أصبح استخدام هذه الأشياء، من مفردات الحياة اليومية التي يصعب على الإنسان الاستغناء عنها والعيش بدونها، ومن هنا أصبح لا بديل أمام الإنسان إلا بالأخذ بسبل الوقاية، من تقنين الوقت وتنظيمه، وترشيد استخدام مثل هذه الأشياء. وهذا نابع من المنطلق الإسلامي الذي يدعو الإنسان إلى التعامل مع الأشياء بحكمة، وفي حدود الإطار المستخدم، حرصًا على وقت الإنسان من ناحية، وعلى صحته من ناحية أخرى. ونقدم هنا بعض الإرشادات في كيفية الاستخدام الأمثل لهذه الأجهزة التي يتعامل معها الإنسان بصفة يومية:

١- إطفاء أجهزة الراديو والتلفاز والهواتف: أو إغلاقها خاصة في مكان النوم، وعدم قرب الأسرة منها؛ لأنها تولد حقلاً مغناطيسيًّا أثناء إغلاقها، كما يجب أن تكون مصادر التيار الكهربائي بعيدة عن الجسم، خاصة عند النوم. لذا ينصح خبراء الصحة بأن تكون غرف النوم مصممة بيئيًّا، بحيث تكون خالية من أي مؤثرات وملوثات، لنحصل على نوم هادئ وحياة سليمة.

٢- الاحتفاظ بمسافة كافية بين الشخص والأجهزة الكهربائية: فمثلاً الجلوس بعيدًا عن شاشات العرض المختلفة، بحيث لا تقل المسافة عن ذراع على الأقل. وبالنسبة لأجهزة التلفاز ذات الشاشات الكبيرة، فينبغي للمشاهدين الجلوس بعيدًا عنها بمقدار مترين على الأقل، كما يتعين إطفاء الشاشة عند عدم استعمالها. وكذلك الشأن بالأجهزة المنزلية الأخرى، فيجب أن يُراعى الحذر خلال عملية التشغيل، فليس من الضروري على سبيل المثال أن نشغل الميكروويف ونقف بجانبه أو ننظر إليه، فقد يسبب ذلك أذى للعين أو ضررًا في معظم أجزاء الجسم، مع الحرص على عمل صيانات دورية لهذه الأجهزة للتأكد من عدم تسرب هذه الموجات مع طول زمن استخدام هذه الأجهزة.

استخدام الهواتف

أما بالنسبة للهواتف الذكية، وأجهزة الواي فاي، والهواتف الجوالة، فإن هذه التقنيات الحديثة صار من الصعب الاستغناء عنها في هذا العصر، فينصح خبراء الصحة بضرورة اتخاذ هذه الخطوات عند استعمالها كنوع من أساليب الوقاية، للحد من تأثيراتها السلبية، وأهم هذه الأساليب:

  • توجيه أنظار الآباء والأمهات والأطفال أنفسهم إلى خطر هذه الموجات، عن طريق الإشهار والإعلانات في الأماكن العامة، وعبر المواقع الإلكترونية والمناهج التعليمية.
  • عدم استعمال أجهزة الواي فاي وملحقاتها، -وخاصة من قبل الأطفال- إلا عند الضرورة ولفترة محدودة، والاستعاضة عن ذلك باستعمال الإنترنت السلكي.
  • إبعاد الأم الحامل والرضيع عن مكان هذه الأجهزة، ووضعها في مكان بعيد عن غرف الأطفال، والإكثار من استعمال الهاتف الثابت في البيت، واستعمال سماعات الأذن بدل وضع الهاتف المحمول على الأذن مباشرة وعلى مقربة من الدماغ، مع عدم وضعه على الأذن إلا عندما يفتح الخط، فهو يرسل إشارة المكالمة بمستوى عالٍ من الإشعاعات.
  • التقليل من استعمال الهاتف النقال أثناء التنقل بالسيارة، لأنه يصدر انبعاثات إشعاعية أكثر من حالة الوقوف.
  • تقييد وقت لعب الأطفال بالهواتف أو القارئ اللوحي، بحيث لا يتجاوز نصف الساعة في اليوم أو أقل، وإذا كان لا بد منه فيجب استعمال شبكة الاتصال السلكي، فهي أكثر أمانًا.
  • إغلاق الهاتف أثناء النوم، وإبعاده عن الأطفال، مع عدم وضعه تحت وسادة النوم، أو قريبًا من الجسم أثناء النوم، لأنه وسائر الأجهزة قد يعطل قيام الجسم بوظيفته في معالجة الخلايا، وبث الراحة، وتجديد أنشطة المخ التي تتم في الليل أثناء النوم.

(*) كاتب وباحث مصري.

المراجع

(1) تلوث لا يمكن تجنبه، وجدي رياض، مجلة البيئة والتنمية، العدد:49.

(٢) الموجات الكهرومغناطيسية، تلوث البيئة، د. إبراهيم مطاوع، جريدة الأهرام، العدد:41895.

(٣) جودة البيئة المنزلية، د. إيمان محمود عفيفي، الناشر: جامعة جازان، المملكة العربية السعودية.

(٤) التلوث الكهرومغناطيسي، أمل جاسم، مجلة بيئتنا، الهيئة العامة للبيئة، العدد:138.

(٥) هل من سبيل لحماية الأسرة من الأجهزة المنزلية؟ محمد شعيط، مجلة العربي، العدد:678، مايو 2015م.