صناعة الإنسان السعيد

أولاً: السعادة… المعنى والغاية
السعادة في التصور الإسلامي ليست شعورًا سطحيًّا، بل ثمرة لطمأنينة داخلية تنبع من الإيمان والتزكية والمعرفة، وتجعل الإنسان قادرًا على التفاعل بإيجابية مع ذاته وربه والناس.
قال الإمام القرطبي في تفسيره لآية: {فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ}[طه: 123]: “أي: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وهذه الآية جمعت سعادة الدارين لمن عمل بمقتضى الوحي”.
ويؤكد الإمام الغزالي أن: “السعادة لا تكون إلا بمعرفة الله تعالى، فإنها الغاية القصوى، وإنها لا تُنال إلا بالعلم والعمل، وأعلى العلوم ما قاد إلى معرفة الله”.
وقد بيّن الإمام ابن تيمية أن أعظم نعيم في الدنيا هو نعيم الإيمان، حيث قال: “إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وهي جنة القرب من الله، والطمأنينة بالإيمان والعمل الصالح”.
كما يشير الإمام الرازي إلى أن السعادة الحقّة لا تكون إلا في جمع أمرين: كمال النفس وكمال الصلة بالله، وقال: “السعادة في كمال العقل والروح، والانقطاع إلى مسبب الأسباب”.

ثانيًا: الإنسان السعيد… عقل واعٍ وهمّة عالية

العقل في الإسلام وسيلة لفهم الوجود، ودعامة لتحمل المسؤولية، لا ينفك عن الوحي، ولا يغترب عن الواقع.
يقول الإمام الرازي: “العقل إنما شُرّف لأن به يُفهم عن الله خطابه، ويُدرَك به وجه الحكمة في الخلق والأمر، فلا عقل دون وحي، ولا وحي بغير عقل”.
ويقول الإمام الشافعي: “العلم ما نفع، وليس العلم ما حُفظ”.
ويشير الدكتور محمد البهي إلى ضرورة الجمع بين العقل النقدي والإيمان الراسخ: “السعادة العقلية لا تُنال إلا حين يُعقل الإيمان وتُفهم مقاصد الوحي في ضوء الوعي المعاصر”.
ويقول ابن القيم: “الجهل آفة العقل، ودواؤه العلم، ولا علم أنفع للعبد من علم يقوده إلى ربه، ويفهمه طريق نجاته”.
كما يوضح الدكتور عبد الكريم بكار: “الوعي العقلي أساس رقي الإنسان، والتفكر عمود بناء الذات الواعية”.

ثالثًا: الروح… سر السعادة ومعدن الصفاء

الروح هي مركز التزكية، فإذا سكنت الروح بالله، سكنت الحياة، وإن اضطربت اضطرب كل شيء.
يقول ابن القيم: “القلوب لا تصلح، ولا تطيب، ولا تطمئن، ولا تسكن إلا بذكر من خلقها”.
ويقول سعيد النورسي: “إن ما ينقص هذا العصر هو الإيمان العميق والتربية الروحية الصادقة، فبغير ذلك يضيع الإنسان وسط ضجيج الحضارة”.
ويؤكد فريد الأنصاري: “ليس للإنسان سعادة حقيقية خارج القرآن، فهو المورد الصافي لغذاء القلب، وهو مربّي الشخصية الإيمانية المجاهدة”.
ويقول الإمام الغزالي: “الروح لا تُشفى إلا بذكر الله، ولا تُطهّر إلا بالرياضات النفسية الصادقة، ولا تنمو إلا بالعلم والعمل”.
كما يوضح عبد الرحمن حبنكة الميداني: “تزكية النفس إصلاح روحي عميق، لا يتحقق إلا بصفاء القلب وخلوص النية”.

رابعًا: الأخلاق… تاج الإنسان السعيد

الأخلاق هي تجلّيات الروح الزكية والعقل الراشد، وهي المقياس الأهم في نجاح الإنسان دنيويًّا وأخرويًّا.
قال الإمام الشافعي: “إنما العلم بمكارم الأخلاق، فإن لم يكن علمك يصحح خلقك، فما أنت بعالم”.
ويقول عبد الرحمن حبنكة الميداني: “إن إصلاح الأخلاق هو الركن الذي تُبنى عليه الأمة، وإذا انهار هذا الركن، سقط البنيان كله”.
أما الدكتور عبد الكريم بكار فيقول: “القيم الأخلاقية لا تترسخ بكثرة الوعظ، بل بتجارب الحياة والتربية المستمرة على ضبط الذات وحب الخير”.
ويقول الشيخ محمد الغزالي: “السعادة لا تُشترى، لكنها تُكتسب حين يزهر الإيمان في النفس، وتثمر الأخلاق في الواقع”.
ويضيف ابن القيم: “الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين”.

خامسًا: صناعة السعادة… مشروع تربوي شامل

إن صناعة الإنسان السعيد تبدأ من الأسرة، وتنمو في المدرسة، وتُبنى على التزكية والتفكر، وترتكز على التوازن بين الدين والدنيا.
قال أبو حامد الغزالي: “التربية غرس لا يُثمر إلا بالنية الخالصة والقدوة الصالحة والعمل الحكيم”.
ويؤكد الدكتور عبد الكريم بكار: “الإنسان لا يُولد سعيدًا، بل يُربّى على إدراك المعنى، وتحمّل المسؤولية، واكتشاف موطن القوة في ذاته”.
ويقول فريد الأنصاري: “التغيير لا يبدأ من السياسة، بل من الذات، من محراب القلب، من أن تهاجر إلى الله كل يوم”.
ويضيف ابن تيمية: “من أراد إصلاح الأمة فليبدأ بنفسه، فإن صلاحها من صلاح الأفراد”.

خاتمة
الإنسان السعيد هو الذي استضاء عقله بنور الوحي، واطمأنت روحه بالقرب من الله، وتهذّب سلوكه بميزان الأخلاق.
لا يمكن فصل السعادة عن الإيمان، ولا عن العلم، ولا عن العمل الصالح. وهي مشروع دائم، يبدأ بالإرادة، ويُثمر بالتربية، ويستمر بالعمل والدعاء. فمن أراد السعادة فليبدأ من الداخل… من الله، من القرآن، من الطهارة الروحية والتفكر العميق.
والحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، وكتب لنا سعادة الدارين.

الهوامش والمراجع:

  1. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي.
  2. إحياء علوم الدين، الغزالي.
  3. مجموع الفتاوى، ابن تيمية.
  4. التفسير الكبير، الرازي.
  5. سير أعلام النبلاء، الذهبي.
  6. الفكر الإسلامي الحديث، محمد البهي.
  7. الفوائد، ابن القيم.
  8. تجديد الوعي، عبد الكريم بكار.
  9. الوابل الصيب، ابن القيم.
  10. الكلمات، سعيد النورسي، الكلمة الثانية والعشرون.
  11. موسم الهجرة إلى الله، فريد الأنصاري.
  12. الأخلاق الإسلامية وأسسها، حبنكة الميداني.
  13. الأدب الشافعي، نقلاً عن سير أعلام النبلاء.
  14. تكوين المفكر، عبد الكريم بكار.
  15. جدّد حياتك، محمد الغزالي.
  16. مدارج السالكين، ابن القيم.
  17. الصفات العشر للشخصية الناجحة.