أهمية الألعاب الرياضية في المجتمعات الإنسانية

هناك حقيقة مهمة من الحقائق، لا يمكن إغفالها أو إهمالها أبدًا، وهي أن الألعاب الرياضية تمنح المرء استراحة من الواقع، بل وتغمره لبضع ساعات بعالم آخر مختلف عن عالمه الحقيقي المليء بالتعب والمعاناة، لذلك زخرت الحياة الاجتماعية لدى معظم الشعوب والمجتمعات البشرية بأشكال عدة من الألعاب، وأخذت الحياة الإنسانية شكلاً من أشكال اللعب، ما أضفى عليها قيمًا جمالية، ومن خلال الألعاب المتنوعة يقدم المجتمع تفسيرًا لحياته ووجوده.

العلاقة بين الثقافة والألعاب

وحديثنا هذا يعني أولاً أن الألعاب تتبلور بأشكال وصور معرفية، على غرار الفلكلور والفلسفة والشعر وكل أشكال الحياة المجتمعية الأخرى، أي إن عناصر اللعب الأصلية تتوارى دومًا بصورة شبه تامة وراء الظواهر الثقافية، ومع مرور الأزمنة استعادت غريزة الألعاب كامل أهميتها وعافيتها وقوتها، وذلك ينطبق على كافة المجتمعات الحضارية، سواء كانت مجتمعات متقدمة أو غير ذلك، ولا ريب في أن العلاقة بين الثقافة والألعاب تتجلى بشكل خاص في الأشكال العليا من الألعاب الاجتماعية، التي تكون في معظم الأحيان معقدة، بحيث تكون الألعاب مرهونة بأن تأخذ شكل نشاط له قواعد لمجموعة أو مجموعتين متعارضتين، وطالما اقترنت فكرة الكسب أو الربح من الألعاب بشكل وثيق، مع افتراض أن الكسب أو الربح يلزمه وجود شريك أو خصم على الدوام.

ما يعني أن الألعاب الفردية بعيدة تمامًا عن أي كسب أو ربح وتحقيق الهدف المراد، والكسب هنا ليس سوى أعلانًا عن تفوق الفرد بنهاية اللعبة، كما كان الرابح يستحوذ على شيء يتجاوز حدود اللعبة كلعبة، ليثير الاحترام والتقدير بنفوس الآخرين ويلاقي التكريم أينما ذهب، وكليهما يؤولان من فورهما لصالح رصيد الجماعة التي ينتمي إليها ذلك الرابح، ومن ناحية أخرى فإن للألعاب خاصية أخرى من بين العديد من الخواص الأخرى، وهي قابلية انتقال نجاح الفرد في لعبة ما من الألعاب لجماعته التي ينتمي إليها، لكن أهم ملمح هنا هو أن غريزة التنافس ليست بالمقام الأول رغبة في القوة أو السطوة أو فرض الإرادة، وهي ليست نزوعًا للهيمنة والسيطرة، لأن الألعاب بتلك الحالة تعد بوصلة تقوم بتوجيه رغبة الشخص للتفوق والتميز على الآخرين.

الألعاب في الإسلام 

عرف المسلمون الأوائل الألعاب الرياضية للمتعة والانتفاع وتنشيط الذهن والبدن، فكانوا يلعبون ويتسلَّون وفق قواعد منضبطة للعب الهادف المحترف، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم من عظماء مصارعي العرب، كما فازت ناقته بمعظم سباقات الهجن وغلبت تارة، وكان أئمة من التابعين من أمهر لاعبي الشطرنج بالتاريخ، وعشق علماء وأمراء السباحة والكرة والصيد وألعاب القوى وكان من ألعاب العرب الشائعة بينهم المصارعة، ومن أشهر ما ورد فيها قصة مصارعته صلى الله عليه وسلم لابن ركانة القرشي بمكة، التي رواها الإمام بن كثير بمؤلفه الشهير (البداية والنهاية) بإسناد جيد عن ابن عباس، حيث قال فيه: “إن يزيد بن ركانة صارع النبي، فصرعه النبي ثلاث مرات، فلما كان في الثالثة قال: يا محمد، ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك!” ما يدل على أن الألعاب الرياضية بتاريخ الإسلام قديمة قدم رسالته، فبداياتها تعود لزمن الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما أقر منها ما كان سائدًا وممارسًا بصورٍ وتفاصيل محددة جدًّا ومرتبة.

واشتملت الألعاب بالمدينة المنورة على نوعين (احتفالي وكرنفالي) و(رياضي تنافسي)، لكن قد يجتمع النوعين على صعيد واحد، وكانت الألعاب عادة متأصلة بمجتمع الأنصار بالمدينة، فقد أخرج أبو داود عن أنس بن مالك من خبر احتفالاتهم بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم مهاجرًا من مكة (أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، لعبت الحبشة بحرابهم فرحًا لقدومه) وفي (مرآة الزمان) من أنه عند مقدمه صلى الله عليه وسلم مهاجرًا (كان بالمدينة حبش يلعبون بالحراب فلعبوا بين يديه، وما فرح الأنصار بشيء كفرحهم بقدومه)، والمعلوم أن اللعب بالحراب كان نوعًا من المضاربة أو محاكاة للقتال، كما قال ابن المنير فيما نقله عنه الكرماني بشرحه لصحيح البخاري (سماه لعبًا وإن كان أصله التدريب على الحرب والاستعداد للعدو، وهو من الجد لما فيه من شبه اللعب لكونه (اللاعب) يقصد إلى الطعن ولا يفعله، ويوهم بذلك قرنه ولو كان أباه أو ابنه).

واستمد شُرَّاح هذا الحديث منه أحكامًا فقهية ومعاني، استمرت على اتصال بواقع الناس، بما فيه عصرنا اليوم، مثل حكم مشاهدة الألعاب الرياضية، فقد ذهب ابن بطال القرطبي في شرحه لصحيح البخاري إلى جواز النظر إلى اللهو المباح بناء على هذا الحديث، ورأى أن اللعب بالحراب سنة نبوية، حيث يكون ذلك عدة للقاء العدو وليتدرب الناس فيه، وقد يُعد هذا بالأساس للاستعراض العسكري بالسلاح وبالحركات الرياضية الشاقة، كحمل الأثقال وغيرها كما كانت الألعاب في كثير من الأحوال ضمن أنشطة الاحتفالات الرسمية عقب النصر بإحدى المعارك الحربية، مثلما حدث بانتصار أمراء الشام الأيوبيين على أبناء عمومتهم بمصر سنة (647هـ 1249م)، إذ دخلوا البلاد وسط احتفالات باهرة، وشقوا القاهرة وهم على ظهور خيولهم يلعبون بالرماح بين القصرين، وذلك طبقًا للمؤرخ ابن الدواداري في (كنز الدرر) وحول ألعاب الأطفال، فهم كانوا يلعبون ويفرحون بالساحات والطرقات في الليل والنهار.

ورغم أن الإسلام أغلق كل أبواب المقامرات المتلفة للأموال في غير نفع يعود على المجتمع، لكنه استثنى من السباق ما يمكن أن يعين على القوة والفروسية وإعداد أفراد المجتمع إعدادًا بدنيًّا يمنحهم القوة والنشاط كالرمي وسباق الخيل والإبل، فقد روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا سبق (جائزة الفوز) إلا في نصل (مباراة الرماية) أو خف (سباق الإبل) أو حافر (سباق الخيل)”، وكان صلى الله عليه وسلم يرعى هذا النوع من المسابقات ويحضره مشرفًا ومشاركًا، كما كانت الرماية محببّة إليه، فقد روى البخاري من حديث سلمة بن الأكوع أنه قال (مر النبي صلي الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا).

فوائد فسيولوجية ونفسية وعقلية

يعتمد أداء الخدمة العسكرية للجنود على عدة عوامل تختلف حسب المهمة، فقد تهيمن على خدمة الجندي مهام جسدية بسيطة مثل واجبات الحراسة والعمل المكتبي، ومن ناحية أخرى وعلى العكس فقد يقع الجندي أحيانًا تحت طائلة العمل الشاق، مثل حجم متوسط ما ينقله جندي سلاح المشاة الخفيف بالجيش الأمريكي يصل لأكثر من (43) كجم من معدات القتال الحاسمة، ما يشير إلى أن اللياقة البدنية الجيدة للجنود عامل أساسي يؤثر على الأداء، ومن خلال الرياضة تم الحصول على فوائد فسيولوجية ونفسية، تقلل من الإجهاد والمرض والإصابات، كما أن تطوير اللياقة البدنية الجيدة للجنود يُحسن الروح المعنوية بالوحدة، ويساعد في بناء الشخصية، ويُحسن تصور الجنود للاستعداد للمهمة، ومن الصعب دراسة الأداء البشري ببيئات معقدة كالحروب أو بعثات حفظ السلام، فالأوراق القليلة التي نشرت لديها منظور الدروس المستفادة.

حيث تتم مناقشة الخبرة حول التدريب على المرتفعات وعلاج الإصابات وإصلاح المعدات، وبدراسة أداء نخبة الرياضيين استخدمت أساليب تأديبية مختلفة (سلوكية وفسيولوجية وميكانيكية وحيوية ونفسية) ونادرًا ما تتوفر مثل هذه الدراسات بالعلوم العسكرية، ويمكن أن تتمثل إحدى طرق تقييم أداء الخدمة العسكرية لدراسة العوامل المختلفة التي يرى العسكريون ذوو الخبرة المناسبة أنها ذات صلة، وبهذه الدراسة تم تقييم (4) جوانب من أداء الخدمة للجنود، تم تعريفها على أنها المهارات المهنية والقوة العقلية والتواصل الاجتماعي، بخصوص حجم التدريب البدني للجنود أثناء مهمة حفظ السلام الدولية للكشف عن العلاقات الممكنة، وشملت الدراسة (71) جندي مشاة نرويجي أعمارهم بين (21 – 25) عامًا، خدموا بنفس الوحدة خلال مهمة استمرت عام بكوسوفو، وكان لدى الجنود المتطوعين نفس الخلفية التدريبية والرتبة والخبرة التي يتمتع بها الجنود الآخرون، وتمت الموافقة على الدراسة من قبل لجنة الأخلاقيات الإقليمية، بعد الحصول على موافقة خطية من الجنود، ثم أبلغ كل جندي عن تدريبه البدني اليومي بنموذج تقرير شهري مدة (9) أشهر.

وظهر أن معدل الاستجابة الشهرية كان عالي الأداء، وتم الإبلاغ عن حجم التدريب وتواتره، ونوع النشاط لجميع التدريبات البدنية الإجبارية والطوعية للجنود وهم بملابس العرق، وبدأ تسجيل حجم التدريب بعد (45) يومًا من وصولهم لكوسوفو، وانتهى قبل (3) أسابيع من التسريح، وجرى الإبلاغ عن حجم التدريب البدني بالساعات في الأسبوع، بعد أن وجد أن حجم التدريب البدني، تنبأ بشكل إيجابي بالقوة العقلية، ثم أجري لاحقًا تحليل مخصص لتحديد الفرق بحجم التدريب بين مجموعة القوة العقلية العالية ومجموعة القوة العقلية المنخفضة، وأظهرت مصفوفة الارتباط للعوامل الأربعة لأداء الخدمة، أن القوة العقلية فقط كانت مرتبطة إيجابيًّا بحجم التدريب البدني، وأظهر تحليل الانحدار أن حجم التدريب البدني توقع بشكل إيجابي بالقوة العقلية للجنود، ولم يتم العثور على نتائج مهمة بين العوامل الأخرى لأداء الخدمة للجنود وحجم التدريب البدني، وأظهر التحليل اللاحق الذي أجري لتحديد الاختلاف في حجم التدريب، بين مجموعة القوة العقلية العالية ومجموعة القوة العقلية المنخفضة، أن مجموعة القوة العقلية العالية لديها حجم تدريب بدني أعلى طوال الخدمة العسكرية الدولية.

المصادر

عالم الرياضة في الحضارة الإسلامية، براء نزار ريان، موقع (اسلام أون لاين) غير مؤرخ.

علم نفس الرياضة المفاهيم، التطبيقات، د: أسامة كامل راتب، دار الفكر العربي (القاهرة) 2007م.

الرياضة واللياقة البدنية في القوات المسلحة، محمد عبد الغفار، مجلة درع الوطن، عدد (518)، مارس 2015.

اللياقة البدنية للعسكريين، جعفر العريان، كلية علوم الرياضة والنشاط البدني، جامعة الملك سعود (الرياض) 2015م.

الرياضة والمجتمع، د: أمين أنور الخولي، عالم المعرفة عدد (216)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت) 1996م.

ديناميكية الألعاب في الحضارات والثقافات الإنسانية، يوهان كوتسينغا، تعريب د: صديق محمد جوهر، أبو ظبي للثقافة والتراث 2011م.

أهمية الألعاب الحربية في التدريب العسكري، مسلط بن مسفر بن علي وآخرون، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية (عدد 6) سبتمبر 2018م.